على وقع حالة التباطؤ في مسار الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إبريل/ نيسان الماضي، شهدت "الحركة المدنية" الممثلة لـ"المعارضة" في مصر، اجتماعات داخلية حول الانتخابات الرئاسية المقبلة والمقررة مطلع عام 2024، وإمكانية تقديم مرشح منافس للسيسي وفرص المنافسة.
بحثٌ مستمر عن المرشح الأفضل
السياسي المصري والرئيس السابق لحزب الدستور علاء الخيام قال في تصريحات لـ"العربي الجديد" إنه "للأسف في الاجتماع الأخير للحركة تمّ تأجيل مناقشة موقف الحركة من انتخابات 2024 لما بعد بدء (الحوار الوطني)، في انتظار وعود النظام بتحقيق انفراجة سياسية حقيقية". ولفت الخيام إلى أن "ما حدث أيضاً مع رئيس حزب المحافظين أكمل قرطام (التحقيق معه بقضايا جنائية)، ترك انطباعاً سيئاً عن مدى قبول النظام لاحتمال وجود أسماء لها ثقلها في المشهد السياسي تطرح نفسها بديلاً في انتخابات 2024".
اقتربت الدعوة الرئاسية للحوار الوطني من إتمام عامها الأول من دون إحراز تقدم حقيقي
وأضاف الخيام أنه "مع ذلك ورغم موقف الحركة المدنية الديمقراطية، إلا أن الحديث عن انتخابات 2024 مستمر داخل الوسط السياسي المصري في جميع اللقاءات، وفكرة تجهيز وإعداد فريق عمل قادر على تنظيم حملة رئاسية منظمة ومرتبة لها مشروع سياسي واضح وحلول جادة للأزمة الاقتصادية مستمر ولم ينقطع".
وأوضح رئيس حزب الدستور السابق أن "معظم التصورات متوافقة على فكرة اختيار مرشح له برنامج يعمل معه فريق عمل من استشاريين متخصصين لهم صلاحيات، وهي الفكرة التي تقارب فكرة المجلس الرئاسي".
وحول السيناريوهات المتوقعة أشار الخيام إلى أنه "بطبيعة الحال هناك عدد منها، سواء ترشح الرئيس عبد الفتاح السيسي أو لم يتم ترشيحه، كما أن للوضع الإقليمي حسابات كثيرة يجب أن توضع في الاعتبار".
وعن الأسماء المطروحة لمنافسة السيسي، أكد الخيام أن "هناك أسماء عدة ظهرت في الفترة الأخيرة واستطاعت أن تجذب مؤيدين لها حتى قبل الإعلان، وأبرزها النائب السابق أحمد الطنطاوي، كما أن اسم الدكتور مصطفى حجازي طرح من قبل البعض واعتبر كحل وسط يمكن التوافق عليه".
أسماء مرشحة لمنافسة السيسي
وبحسب قيادي في أحد الأحزاب الممثلة في "الحركة المدنية"، فإن "مناقشات جرت خلال الأيام القليلة الماضية بشأن مصير الانتخابات الرئاسية المقبلة، انحصرت في الشخصيات التي من الممكن أن تخوض السباق أو تحظى بقدر من القبول الشعبي".
ولفت القيادي في هذا الإطار إلى "تداول العديد من الأسماء التي جاء في مقدمتها النائب السابق أحمد طنطاوي، والدكتور محمد البرادعي النائب السابق لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، ورئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، والمحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي الأسبق خالد علي، ووزير الخارجية السابق نبيل فهمي، وزياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء السابق في حكومة حازم الببلاوي التي أعقبت إطاحة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي". كما ضمّت قائمة الأسماء التي تم تداولها خلال لقاءات قيادات في الحركة المدنية، رئيس حزب المحافظين أكمل قرطام، وجميلة إسماعيل رئيسة حزب الدستور، بحسب توضيحه.
واقتربت الدعوة الرئاسية لـ"الحوار الوطني" من إتمام عامها الأول من دون إحراز تقدم حقيقي بخلاف بعض الإفراجات عن عدد قليل من النشطاء السياسيين مقابل آلاف السجناء الجدد والقدامى على ذمة قضايا سياسية، والذين لا يزالون قابعين في السجون.
يسود انطباع سيئ عن مدى قبول النظام لوجود أسماء لها ثقلها تطرح نفسها بديلاً في انتخابات 2024
وأعرب قيادي حزبي مصري آخر عن اعتقاده بأن المناقشات الجارية داخل الحركة المدنية "لا تتسم بالجدية، في ظل قناعة بعدم إمكانية إجراء عملية انتخابية حقيقية تتمتع بالحد الأدنى من معايير النزاهة". ورأى القيادي أنه "في ظل هذه القناعة، فإن مجرد التفكير في الأمر يعني أن هناك محاولة ربما من دوائر رسمية لإيجاد مرشح يكون دوره شكلياً فقط، لقطع الطريق أمام أي مرشح قد يزعج النظام".
فرص ضئيلة لترشح جمال مبارك
ولم يستبعد القيادي الحزبي أن "تكون هناك حالة انزعاج حقيقية داخل أروقة النظام بشأن نوايا جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، للترشح في الانتخابات المقبلة، في ظل الحديث عن محاولات لانتزاع دعم أطراف خليجية ودولية لتلك الخطوة، التي تستلزم تعديل قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية".
وفي شهر فبراير/ شباط الماضي، ذكرت مصادر موقع "أفريكا انتيليجنس" المقرب من المخابرات الفرنسية، في تقرير، أن جمال مبارك "عقد في مارس/ آذار 2022 اجتماعاً سرياً في قصر تابع لعائلة مبارك، مع السفير الأميركي وقتها، جوناثان كوهين، ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى".
وأضافت المصادر أنه "لكي يضمن جمال مبارك دعمه من الجيش المصري، فقد أراد أن يطمئن على استمرار المساعدة العسكرية الأميركية لمصر، والتي تبلغ قيمتها 1.17 مليار دولار، إذا ترشح للرئاسة، وبعد شهر من اجتماع شرم الشيخ، رفعت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على عائلة مبارك، لتنهي بذلك إجراءات التجميد لأصولهم والحظر الذي كان مفروضاً على دخول مواطني الاتحاد الأوروبي في معاملات مالية مع المقربين من الرئيس الراحل".
ولا يحق لجمال مبارك الترشح للرئاسة، فبعد إدانته هو وشقيقه علاء ووالدهما، في مايو/ أيار 2015 في القضية المعروفة إعلامياً بـ"القصور الرئاسية" لم يعد لهما الحق في الترشح لأي منصب سياسي، وفقاً لقانون مباشرة الحقوق السياسية، حيث تدخل تلك الإدانة في باب الجرائم المخلّة بالشرف.
وطبقاً لقانون مباشرة الحياة السياسية، لا يحق لجمال أو علاء مبارك الترشح لأي منصب سياسي قبل مرور 6 سنوات على انقضاء الحكم، وكذلك عليهما التقدم بطلب رد اعتبار بعد انقضاء الأعوام الستة، لممارسة العمل السياسي ومنحه حق الترشح أو تولي مناصب عامة. ولذلك حاول جمال وشقيقه ووالدهما الحصول على نقض للحكم، ولكن في يناير/ كانون الثاني 2016 أصدرت محكمة النقض حكماً نهائياً، بتأييد الحكم الصادر من محكمة الجنايات.
وفي سبتمبر/ أيلول 2018، حاول جمال وعلاء مرة أخرى التصالح في القضية، ولكن محكمة النقض قضت بعدم قبول عرض الطلب المقدم من مبارك ونجليه جمال وعلاء بالتصالح. وبعد انتهاء الست سنوات المقررة في القانون، يتبقى لجمال مبارك الحصول على حكم رد الاعتبار من المحكمة، ليستطيع مباشرة حقوقه السياسية والترشح لأي منصب سياسي، وهو أمر متروك لتقدير المحكمة.
حسام الحملاوي: من المستحيل أن تكون الانتخابات نزيهة في ظل استمرار الوضع السياسي الحالي
وفي هذا الإطار، لفت مصدر قضائي إلى أن "هناك خطوة أخرى رغم صعوبتها إلا أنها قد تمنح جمال مبارك الحق في الترشح للانتخابات، وذلك عبر الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية البند الخاص برد الاعتبار". ولفت إلى أن "ذلك الإجراء لجأت إليه بعض الشخصيات التي صدرت بحقها أحكام في الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، بهدف الترشح للانتخابات النيابية التي جرت في أعقاب 30 يونيو/ حزيران 2013" (أي بعد فترة إطاحة عهد الرئيس السابق الراحل محمد مرسي).
من جهته، قال الناشط السياسي وعضو حركة "الاشتراكيين الثوريين"، حسام الحملاوي، إنه "بعيداً عن الاعتبارات القانونية، ليست هناك أي فرصة حقيقية لترشح جمال مبارك، لأن نظام الثورة المضادة الذي تشكل بعد يوليو/ تموز 2013 لم يُعد نظام مبارك إنما شكّل طبقة حاكمة جديدة أساسها جنرالات الجيش وضباط الأجهزة، الذين بدورهم نظموا شؤون الحكم في مصر وترتيبات السياسة بطريقة لا تلائم وجود جمال مبارك من جديد".
وأضاف الناشط أن "معركة الانتخابات الرئاسية هي معركة مهمة، وليس لها علاقة بنزاهة الانتخابات، فمن المستحيل أن تكون الانتخابات نزيهة في ظل استمرار الوضع السياسي الحالي، ما لم يحدث تغيير مفاجئ خلال العام المتبقي".
وتابع الحملاوي: "لذلك أنا مهموم مثلاً بانتخابات نقابة الصحافيين في مصر حالياً، لأن هذه المعارك الصغيرة هي التي تخلق الثقة لدى الناس وتكسر حاجز الخوف وتقنعهم بقدرتهم على التغيير". واعتبر أن "الأمر ليس مرتبطاً بفكرة تزوير الانتخابات أو عدم سماح الأجهزة بفوز المرشح الفلاني، ولكن بخوض المعركة نفسها، لأن الثورات لا تحدث فقط بسبب الأزمات المعيشية، فلا بد من مؤثرين ومحركين". ورأى أنه "قد تحدث هبّات عفوية مثلما حدث في تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول 2019، وكان رد فعل السلطة بالقبض العشوائي على الآلاف، والقبض المستهدف على المؤثرين الذين يمكنهم تحويل هذه الهبة إلى حراك كامل له مطالب محددة وبرنامج واضح".