وصلت اليوم السبت إلى العاصمة الليبية طرابلس رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، برفقة وفد حكومي رفيع، في زيارة للقاء عدد من مسؤولي حكومة الوحدة الوطنية، ولتبحث خلالها الشراكة السياسية وقضايا التعاون في مجال الصناعة والتجارة وإمدادات الطاقة، والأزمة في ليبيا، إضافة إلى ملف الهجرة غير القانونية.
وكان في استقبال ميلوني رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة ووزيرة خارجيته نجلاء المنقوش، ووزير الدولة وليد اللافي، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير.
وعقب مراسم الاستقبال، توجه الطرفان لبحث المسائل المشتركة، وشاركا بعد ذلك مراسم توقيع عقد بقيمة 8 مليارات يورو بين المؤسسة الوطنية للنفط، وشركة "إيني" الإيطالية، من أجل تطوير حقلي غاز بحريين، وإضافة من 700 إلى 800 مليون قدم مكعبة من الغاز إلى السلة الليبية.
تأمين الأوضاع في البحر المتوسط
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة الحكومة الإيطالية، قال الدبيبة: "اليوم نرى موقفاً إيطالياً واضحاً يضع على سلم أولوياته تأمين الأوضاع في البحر المتوسط وتخفيض التوتر. وقد أكدنا على قدرة إيطاليا في العمل بهذا الاتجاه، خاصة بعد جهودها في تقريب وجهات النظر بين الدول المعنية بدعم السلام في ليبيا".
وأضاف: "لقد اتفقنا على أهمية أن يكون للجوانب الفنية والمهنية المشتركة الفرصة والوقت لمناقشة جميع التفاصيل الخاصة بالاتفاقيات المبرمة بين البلدين، سواء معاهدة الصداقة الموقعة سنة 2008، أو اتفاقية سنة 2017، وتناقشنا اليوم حول جملة من التدابير الجديدة المتعلقة بالهجرة غير الشرعية وتطوير التعاون في مجال الطاقة".
من جهتها، عبرت رئيسة الحكومة الإيطالية عن أمنياتها بأن تتجه ليبيا سريعا لتنظيم انتخابات وطنية، وأن تجري ترجمة هذا الالتزام في أعمال ملموسة في إطار خطة الأمم المتحدة، مؤكدة أن التعاون الإيطالي "سيعمل على تحسين الأوضاع في المنطقة".
وقالت ميلوني خلال المؤتمر: "إيطاليا مدعوة للقيام بدورها، وخاصة مع ملامح وحدة أكثر لدى المجتمع الدولي بما يخص الملف الليبي، من أجل تفادي خطر عمل بعض التأثيرات الخارجية على زعزعة الوضع بدل تشجيعه"، معتبرة أن ليبيا بالنسبة للإيطاليين "شريك اقتصادي استراتيجي بشكل مطلق".
وشددت ميلوني على أن التعاون بخصوص التدفقات غير الشرعية من المهاجرين "شيء أساسي"، وذكرت بأن جهود البلدين في هذا الاتجاه لم تمنع من ارتفاع أرقام المهاجرين المتجهين من ليبيا إلى إيطاليا بنسبة 50% خلال العام الماضي، مؤكدة ضرورة تكثيف الجهود في مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، مع ضمان التعامل الإنساني مع المهاجرين.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس، في وقت سابق اليوم، عن عزم الحكومة تطوير اتفاقية استكشاف ومشاركة الإنتاج الموقعة بين المؤسسة وشركة "إيني" الإيطالية للطاقة، وتوقيع اتفاق التطوير خلال زيارة اليوم، والإعلان عن ذلك خلال مؤتمر صحافي سيعقد بين الجانبين.
وفي تصريحات صحافية سبقت الزيارة، أفصح رئيس المؤسسة الليبية للنفط، فرحات بن قدارة، عن نية المؤسسة وشركة "إيني" توقيع اتفاق بقيمة 8 مليارات دولار لإنتاج نحو 850 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً.
من جهة أخرى، يحظى ملف الهجرة غير الشرعية باهتمام بالغ لدى زعيمة اليمين الإيطالي، وتأتي زيارتها في وقت تستعد فيه ميلوني للعمل بمرسوم جديد سنّته في روما ويفرض قواعد جديدة على السفن المكلفة بإنقاذ المهاجرين في عرض البحر.
وتعتبر ليبيا أحد أكبر دول العبور إلى إيطاليا نتيجة تقابل سواحلهما الطويلة، وكذلك بسبب الأزمة السياسية والأمنية التي تمر بها ليبيا منذ عام 2011، حيث نشأت ونمت عصابات امتهنت نقل المهاجرين عبر الصحراء الكبرى إلى السواحل اللبيبة، ومنها إلى إيطاليا.
وكانت الحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا، قد عبرت عن استغرابها من زيارة ميلوني، وحضورها توقيع اتفاق نفطي جديد، منبهة من صفقة وصفتها بالغامضة بين المؤسسة الليبية للنفط و"إيني".
وفي بيان بالخصوص سبق الزيارة بأربعة أيام عبرت حكومة باشاغا عن رفضها ما سمته "محاولة إحياء حكومة الوحدة" بإقحام قوت الليبيين في مثل هذه الصفقات. واستهجنت ما نعتته بـ"السلوك الانتهازي للحكومة الإيطالية الذي يتجاوز المصالح الليبية العليا ويغامر بالعلاقة الطيبة بين البلدين"، وفق البيان.
وجددت حكومة باشاغا التأكيد على "عدم أهلية حكومة طرابلس لتوقيع أية اتفاقيات أو مذكرات تفاهم، وعدم تخويلها بذلك" طبقاً لاتفاق جنيف الذي أنتج الحكومة. وحذرت من أن الدولة الليبية "لن تلتزم بأية اتفاقيات أو مذكرات تفاهم مشبوهة الغرض والمآلات"، وأنها "في منأى عن كل الآثار القانونية والمادية التي تأتي بها مثل هذه الاتفاقيات"، مؤكدة أنها "ستلجأ للقضاء".
ولا يزال صراع الحكومات في ليبيا محتدماً، حيث تسيطر حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة على غرب البلاد وعاصمتها طرابلس ومؤسساتها السيادية والمالية، ولا تقبل تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة، بينما تتخذ حكومة باشاغا من مدينتي بنغازي وسرت مقراً لها، واستفادت من نفوذ اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، في شرق وجنوب البلاد في تدعيم مركزها هناك، وتصر على شرعيتها كحكومة رسمية.