قال رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، أمس السبت، إن دور رئيس الدولة في النظام البرلماني "رمزي"، متحدثاً عن أن تونس تشهد صعوبات في المزج بين النظامين البرلماني والرئاسي.
وصرّح الغنوشي: "نحن نفترض في النظام البرلماني أن دور رئيس الدولة دور رمزي، وليس دوراً إنشائياً. فموضوع الحكم ومجلس الوزراء يعود للحزب الحاكم ولرئيس الحكومة، وهي مسؤوليته"، موضحاً بقوله: "نحن نعيش صعوبات المزج ببن النظامين البرلماني والرئاسي".
وتابع الغنوشي، خلال مشاركته في محادثة عبر تطبيق "زوم" مع الجالية التونسية المقيمة في الأميركتين وكندا، أنه "ربما النتيجة والدرس الذي سنصل إليه في النهاية، أن نقيم نظاماً برلمانياً كاملاً فيه فصل حقيقي بين السلطات، والسلطة التنفيذية كلها في يد واحدة، في الحزب الفائز في الانتخابات الذي يقدم رئيس الوزراء كما في جميع الأنظمة في العالم".
وشرح الغنوشي "سلبيات المزج بين النظامين البرلماني والرئاسي، وعن الخشية الحقيقية من مزج النظامين بأخذ سلبياتهما وترك الإيجابيات"، قائلاً: "ربما ما حصل في تونس اليوم هو أخذ السلبيات فقط".
وقال إن "رئيس الدولة (قيس سعيد) يمتنع اليوم عن قبول أداء القسم للفريق الجديد من الوزراء، وبالتالي هو رافض للتعديل الوزاري، ويعتبر أن لديه الحق في قبول بعض وزراء ورفض عدد آخر، وهذا فيه إشكالية المزج بين النظامين البرلماني والرئاسي".
وتابع أن "الدستور وزع السلطات، سلطة تنفيذية برأسيها وسلطة تشريعية وقضائية، ونحن نسعى إلى تجربة هذا النظام السياسي، ونحن نتدرب عليه"، مبيناً أن "البلاد تعودت منذ عشرات السنين نظام الحكم الواحد في الرئاسة، والثورة جاءت لتوزيع السلطات بين ثلاثة مراكز ثم توزيع السلطة في الجهات مع الحكم المحلي".
وأوضح رئيس البرلمان أن "النظام السياسي، وهذا النموذج، يحتاج إلى وقت حتى يتحول إلى عادة وإلى تقليد وثقافة، فليس السبب أنّ رؤساء النظام أشرار، بل لأنه نظام جديد".
وبيّن الغنوشي أن سبب تأزم الوضع "غياب المحكمة الدستورية، وأن سبب عدم تركيزها، أن الانتخابات أفرزت شتاتاً، وليس هناك حزب يتمتع بالأغلبية، فالنهضة ليست أغلبية بـ25 في المائة فقط، ولتمرير أي قرار أو مشروع نحتاج إلى ائتلافات، وحكم الائتلافات دائماً ضعيف، عكس الوضع في الولايات المتحدة الأميركية، هناك أغلبية وأقلية. فالحزب الأغلبي يمكنه تنفيذ سياساته".
وعن سبب الأزمة، قال: "القانون الانتخابي الذي وضع بعد الثورة بشكل يمنع صعود حزب واحد حتى بالانتخابات، وبالتالي هذا القانون غريب وأفرز تشتتاً، وهو مفهوم لأنه كان هناك خوف من حركة النهضة في ذلك الوقت، باعتبارها الحزب الأول، وكانت النخبة العلمانية تخشى أن تستولي النهضة على الحكم عبر صناديق الاقتراع".
وتابع الغنوشي أن "اليوم هناك قناعة بأن القانون الانتخابي هو سبب الداء، وعلينا تغييره حتى تفرز الانتخابات حزباً أغلبياً يسنّ القوانين على غرار قانون العدالة الانتقالية وأقلية تقاوم وتعارض، وهذا ما سيحصل".
ولفت الغنوشي إلى "أنه ليس هناك نظام سياسي مثالي، فكل الأنظمة نسبية وخيرها يغلب على شرها والعكس، والنظام الديمقراطي هو أقلها سوءاً، والرغبة في التوافق في تونس أفرزت مزيجاً من النظامين البرلماني والرئاسي".
وحول تناقض دور النهضة في ملف الفساد بين رفض إلياس الفخفاخ وتزكية وزراء هشام المشيشي، قال الغنوشي إن "حكومة الفخفاخ سقطت بسبب تهم الفساد، وما زالت القضية بيد القضاء، وهو من سيحكم عليها، وقد تكونت لجنة برلمانية انتهت إلى وجود تضارب مصالح. وأما حكومة المشيشي، فاتهمت بالفساد والبرلمان أجازهم لأن تهمة الفساد أصبحت بدون ضوابط وكل من يراد إسقاطه يتهم بالفساد، وهذا حكم يصدره القضاء أو يصدره البرلمان، وهؤلاء الأشخاص الذين اتهموا لم يثبت شيء عليهم، بل هي مجرد مكائد، وإذا أطلقنا العنان للاتهامات، فلن نجد من يتحمل المسؤولية مستقبلاً".
وأكد "أن المحاكم لم توجه إلى هؤلاء الوزراء مجرد تهمة، وإلا كانوا استقالوا وقضاياهم ليست في المحكمة"، موضحاً أن "إعلان أن الدولة أصبحت ديمقراطية لا يعني أنها أصبحت نظيفة، فالفساد بلاء لا تخلو منه دولة في العالم حتى الدول الديمقراطية، وتقديرنا أن الديكتاتوريات أضعف أمام الفساد من الديمقراطية".
وبيّن الغنوشي "أن 10 سنوات غير كافية للقضاء على الفساد، ومن يدرس تاريخ الثورات يدرك أن نجاح ثورة لا يعني قيام ازدهار وتقدم".
واستطرد قائلاً: "اليوم في ظل حرية التعبير أصبح الإعلام يتحدث عن الفساد، بل إنه لا يتحدث إلا عن الجزء الفارغ من الكأس وعن الأمور السلبية، بينما كان قبلاً يبرز صورة تونس اللماعة والصورة السياحية"، مشدداً على أنه "في تقديرنا أن الحرية أقدر على محاربة الفساد، وإن كانت الديمقراطية فيها فساد غير قليل".
وحول إعادة التجمعيين إلى (الحزب الحاكم قبل الثورة)، بيّن الغنوشي أن "التجمعيين لم يذهبوا حتى يعودوا، كما أنه لا يمكن إقصاء أكثر من ثلاثة ملايين تجمعي، وقد اخترنا سياسة التسامح مع من لم يدنه القضاء، ولم نختر الإقصاء كما حدث في دول وثورات أخرى وفي دول أخرى اختارت الاجتثاث".