ربع قرن على استعادة هونغ كونغ: الصين ترسخ سيطرتها

01 يوليو 2022
تحيي هونغ كونغ اليوم الذكرى الـ25 لإعادتها إلى السيادة الصينية (Getty)
+ الخط -

تحيي هونغ كونغ، اليوم الجمعة، الذكرى الـ25 لإعادتها إلى السيادة الصينية، في ظل واقع جديد جرّد المدينة من طابعها الديمقراطي، بعد أن أحكمت السلطات الصينية قبضتها، بموجب قانون الأمن القومي، على أجهزة التشريع والتنفيذ والقضاء.

هذا الأمر تسبّب في حل الحزب السياسي "ديموسيستو" الذي أسسه قبل سنوات ناشطون مؤيدون للديمقراطية، بالإضافة إلى فرار معظم النشطاء إلى الخارج، واعتقال من تبقّى منهم.

وأثارت التطورات والأحداث التي شهدتها المدينة خلال الخمس سنوات الماضية تساؤلات حول مستقبلها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومصير نموذج "دولة واحدة ونظامان"، على اعتبار أنه الصيغة التي تؤطر العلاقة بين الجزيرة والبر الرئيسي منذ إعلان إنهاء الاستعمار البريطاني رسمياً قبل ربع قرن.

شهدت فترة كاري لام اضطرابات كبيرة بسبب سنّ تشريعات جديدة

ويشكّل حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، المناسبة في أول رحلة له خارج البر الرئيسي منذ انتشار جائحة كورونا قبل أكثر من عامين، تأكيداً على أن المستعمرة البريطانية السابقة التي ستحيي هذه الذكرى بفعاليات واحتفالات صاخبة، باتت فعلياً تحت القبضة الصينية.

وأشاد شي جين بينغ، لدى وصوله إلى هونغ كونغ عبر القطار أمس الخميس، بـ"الولادة الجديدة من النار" لهونغ كونغ. وقال: "بعد العواصف، تولد هونغ كونغ من جديد من النار، وتظهر بحيوية كبيرة". وأضاف أن "الوقائع أثبتت أن مبدأ بلد واحد ونظامان مليء بالحيوية".

الصفقة البريطانية الصينية

وكانت السلطات الصينية قد تسلّمت هونغ كونغ من المملكة المتحدة في الأول من يوليو/تموز عام 1997، لينتهي بذلك حكم بريطاني للجزيرة دام 156 عاماً (ضمت بريطانيا جزيرة هونغ كونغ إليها كجزء من معاهدة نانجينغ عام 1842 بعد أن انتصرت على الصين في ما يُعرف بحرب الأفيون).

وجاء تسلّم الصين للسلطة على المدينة بموجب الإعلان المشترك الذي وقّعت عليه حكومتا البلدين عام 1984، وقضى بعودة هونغ كونغ إلى الصين، في إطار صيغة دولة واحدة ونظامان، والتي تعني احتفاظ الجزيرة بنظام قانون مستقل تماماً، وإن كانت تتبع جمهورية الصين الشعبية كمنطقة إدارية تتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي.

وأتاح نظام عودة هونغ كونغ المشروطة للصين، هامشاً من الحرية والديمقراطية لسكان الجزيرة، على خلاف الصينيين المحكومين بسياسة الحزب الواحد. ومع مرور الوقت، أصبحت المدينة مركزاً مالياً واقتصادياً هاماً في شرق آسيا، وقد حظيت بعلاقات وطيدة مع الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، التي منحتها ميزة تنافسية في أسواق المال والأعمال العالمية استمرت لعدة سنوات.

وحسب الإعلان المشترك بين الصين وبريطانيا، فإنه لا يحق للسلطات الصينية خلال خمسة عقود من تاريخ استعادة الجزيرة، التدخّل في سياسات هونغ كونغ الداخلية.

لكن بعض الثغرات في بنود الاتفاق (اختيار الرئيس التنفيذي يكون على أساس الانتخابات الداخلية، ومن ثم يتم تعيينه بالتشاور مع الحكومة المركزية في بكين) دفع الصين إلى أول تدخّل في شؤون هونغ كونغ الداخلية عام 2014، حين أقر البرلمان الصيني قراراً بشأن إصلاح النظام الانتخابي في الجزيرة، يقضي باختيار ثلاثة مرشحين لمنصب الرئيس التنفيذي من قبل بكين قبل إجراء التصويت الشعبي. هذا الأمر تسبّب في اندلاع حركة احتجاجية غير مسبوقة في هونغ كونغ، عُرفت بـ"ثورة المظلات"، طالب فيها أكثر من 200 ألف متظاهر بالحرية والديمقراطية ووقف تدخّل الصين في شؤونهم الداخلية.

عهد كاري لام

في عام 2017، انتُخبت كاري لام، رئيسة تنفيذية لهونغ كونغ، في أول استحقاق بعد أن فرضت بكين قواعد اللعبة الانتخابية، وكانت بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب.
وشهدت فترة لام، التي يعتبرها مراقبون الأسوأ في تاريخ الجزيرة، اضطرابات كبيرة، بسبب سنّ تشريعات جديدة عززت من قدرة الصين على إبطال فعالية النظام الديمقراطي.


ليو بينغ: مشاركة الرئيس الصيني في إحياء الذكرى الـ25 لاستعادة هونغ كونغ تؤكد أهمية الحدث بالنسبة لقادة الحزب الشيوعي

وكان من أبرز هذه التشريعات مشروع قانون، تمت مناقشته في فبراير/شباط 2019، يتيح للحكومة المحلية تسليم المجرمين إلى بكين للمثول أمام المحاكم الشعبية، في خطوة اعتُبرت انتهاكاً لسيادة الجزيرة وتهديداً لحرية سكانها، الأمر الذي أدى إلى تظاهرات عارمة استمرت لشهور، قبل أن تسحب لام لاحقاً مشروع القانون، بعد خروج الأوضاع عن نطاق السيطرة.

تلك الأحداث وما رافقها من فوضى في الجزيرة، أثارت قلق بكين، فأقرت في منتصف عام 2020، ما عُرف بـ"قانون الأمن القومي"، وهو قانون يعتبر أي نشاط مناهض للحكومة إرهاباً، ويمنح الرئيس التنفيذي صلاحيات واسعة في مجال اختيار القضاة، وهو ما يتعارض مع القانون الأساسي المعمول به في هونغ كونغ.

وكذلك يتيح القانون إنشاء مكتب للأمن القومي تشرف عليه بكين مباشرة، ويمكن من خلاله ملاحقة وضبط المعارضين والنشطاء المؤيدين للديمقراطية. ودفع القانون، المثير للجدل، الولايات المتحدة، إلى الإعلان عن أن هونغ كونغ لم تعد منطقة إدارية مستقلة، وبالتالي سحب الميزة التنافسية الممنوحة لها، بسبب تآكل نظامها الديمقراطي.

كما شهدت الجزيرة، خلال حكم كاري لام، حملة اعتقالات كبيرة طاولت عدداً كبيراً من الناشطين المؤيدين للديمقراطية، بالإضافة إلى تجريم حزب "هونغ كونغ الوطني" المؤيد للاستقلال.

أيضاً شهد النظام الانتخابي تعديلات جديدة أقرت في عام 2021، تم بموجبها تقليص عدد الأعضاء المنتخبين بالاقتراع المباشر (إلى 20 من أصل 90)، وجعل الترشح للمجلس التشريعي مقتصراً على موالين للحكومة المركزية، ما يعني فعلياً إلغاء أي فرصة أو أفق لقوى المعارضة في الحكم والسلطة. جميع هذه الإجراءات، التي أدت إلى تغيير ملامح النظام الديمقراطي، دفعت مراقبين إلى وصف كاري لام بالرئيسة التنفيذية الأسوأ والأكثر خضوعاً لبكين.

ولعل ثمار جميع ما تقدّم من تعديلات دستورية وتدخّلات مباشرة من الحكومة المركزية، تتمثل في تعيين جون لي، المسؤول الأمني السابق، رئيساً تنفيذياً جديداً لهونغ كونغ خلفاً لكاري لام، وذلك في الثامن من مايو/أيار الماضي. ومن المقرر أن يقسم اليمين الدستورية اليوم الجمعة أمام الرئيس الصيني شي جين بينغ.

احتفال المنتصر

يقول أستاذ الدراسات السياسية في جامعة سوتشو، ليو بينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن مشاركة الرئيس الصيني في إحياء الذكرى الـ25 لاستعادة هونغ كونغ، على الرغم من الوضع الوبائي في الجزيرة، فضلاً عن أنها أول رحلة له خارج الصين منذ أكثر من عامين، تؤكد أهمية الحدث بالنسبة لقادة الحزب الشيوعي، باعتباره مناسبة للاحتفال بالنصر، أي القدرة على إخضاع الجزيرة بعد 25 عاماً.

ويضيف بأن نظرة سريعة على تطورات الأحداث، وإجراء مقاربة بين الوضع الذي كانت عليه هونغ كونغ قبل تدخّلات الصين وبين الوضع الآن، يُظهر أن بكين نجحت في نزع الطابع الديمقراطي عن المدينة، وإن كان ثمن ذلك دماً ومصادرة للحقوق والحريات العامة، على حد قوله.

ويتابع: في ظل الوضع الراهن، لا يحمل مبدأ "دولة واحدة ونظامان" أي قيمة، فالأساس في فكرة وجود نظامين، هو الاستقلال السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بينما اليوم تُحكم الصين قبضتها الأمنية على كل شيء في الجزيرة، بدءاً من اختيار الرئيس التنفيذي، مروراً بملاحقة المعارضين، وصولاً إلى محاكمتهم في البر الرئيسي.


يرى وانغ تشي يوان أن الصين لم تغيّر الواقع السياسي في هونغ كونغ، ولم تتراجع عن صيغة دولة واحدة ونظامان

ويعتبر أن احتفالات اليوم الجمعة هي بمثابة إعلان لاستعادة غير مشروطة للجزيرة، بما يتناقض مع الإعلان المشترك بين الصين وبريطانيا، والذي نص حرفياً على إبقاء الوضع القانوني للجزيرة على حاله حتى عام 2047.

الصين لم تغير الواقع السياسي في هونغ كونغ

من جهته، يرى الباحث في معهد لياونينغ للدراسات السياسية، وانغ تشي يوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الصين لم تغيّر الواقع السياسي في هونغ كونغ، ولم تتراجع عن صيغة "دولة واحدة ونظامان"، ولا تزال تتمسك بما جاء في الإعلان المشترك الخاص بالمستعمرة البريطانية السابقة.

ويعتبر أن جميع الإجراءات الماضية، سواء التعديلات في النظام الانتخابي أو سنّ قانون الأمن القومي، تهدف إلى صيانة الديمقراطية بعد حالة الفلتان التي شهدتها الجزيرة على مدار السنوات الماضية، وأن بكين أرادت من خلال ذلك قطع الطريق أمام القوى الغربية التي أثبتت التحقيقات، على حد قوله، ضلوعها في إثارة الفوضى من أجل الضغط على الصين وتحريض الانفصاليين، سواء في هونغ كونغ أو تايوان، على المضي قدماً في مخططاتهم.

ويلفت وانغ إلى أن "تصوير هونغ كونغ على أنها واحة الديمقراطية في آسيا كان مشروطاً خلال السنوات الماضية بالمعايير الغربية، أي بمدى تبعيتها لبريطانيا والولايات المتحدة، ولكن بمجرد إجراء تعديلات دستورية لا تخدم المصالح الغربية، رأينا كيف تخلت واشنطن عن الجزيرة ووصفتها بأنها كيان غير مستقل"، وهو أمر يؤكد، حسب قوله، أن ديمقراطية هونغ كونغ كانت منقوصة وغير حقيقية، قبل أن تأخذ الصين زمام المبادرة، وترسي أسس وقواعد الديمقراطية في الجزيرة.