لاقت زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد الى دولة الإمارات العربية المتحدة ردود فعل مُستهجِنة في أوساط المعارضة السورية، وبعض القوى الدولية، التي اعتبرتها محاولة لإضفاء الشرعية على مجرم حرب قتل الآلاف من شعبه.
وقال الائتلاف الوطني السوري المعارض إن استقبال الإمارات العربية المتحدة "مجرمَ الحرب بشار الأسد سابقة خطيرة وخروج عن قرارات الجامعة العربية، وخرق للعقوبات الدولية، ومكافأة له على جرائمه، واستخفاف بدماء مليون شهيد سوري".
وأشار الائتلاف، في بيان، إلى أن الزيارة تتزامن مع ذكرى انطلاق الثورة السورية، "ما يزيد في عدم تقدير إرادة الشعب السوري ولا تضحياته الغالية على مدى إحدى عشرة سنة ماضية في صراعه مع النظام المجرم ورعاته، ولم نكن ننتظر من أي دولة شقيقة احتضان هذا المجرم أو إعادة تدويره".
وطالب الائتلاف دولة الإمارات "بتصحيح موقفها والالتزام بالموقف العربي والدولي العام في عزل هذا النظام المجرم، وعدم التطبيع معه أو الانجرار إلى إعادة تدويره"، مشيرا إلى أن "القبول بالمجرم هو قبول بإجرامه، وهو الذي هجّر نصف هذا الشعب السوري ودمر بلاده وفتح الحدود لكل المليشيات الإرهابية، ولا سيما مليشيات إيران، التي وصلت نيرانها إلى الإمارات نفسها، من خلال الاستهداف الصاروخي المتكرر لمليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لنظام إيران".
ولفت إلى أن الإمارات دعمت الشعب السوري "وكانت لها مواقف مشرفة في المحافل الدولية في دعمه، وفي إدانة النظام المجرم، وهي مطالبة بالعودة إلى مواقفها الأصيلة".
الخارجية الأميركية: انزعاج وخيبة أمل
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعربت، أمس السبت، عن "خيبة أملها وانزعاجها العميقين" من دعوة بشار الأسد لزيارة دولة الإمارات، وفق ما قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس.
ووصف برايس الدعوة بـ"المحاولة المكشوفة لإضفاء الشرعية عليه وهو مسؤول عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين، وتشريد أكثر من نصف السكان السوريين والاعتقال التعسفي واختفاء أكثر من 150 ألف سوري من الرجال والنساء والأطفال".
وحث برايس "الدول التي تفكر في الانخراط مع نظام الأسد على أن تتوقف بعناية عند الفظائع المروعة التي ارتكبها النظام بحق السوريين على مدار العقد الماضي، فضلا عن جهود النظام المستمرة لمنع وصول المساعدات الإنسانية والأمن إلى الكثير من أنحاء البلاد"، مؤكدا أن "الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عن سورية أو تتخلى عنها، ولن تدعم إعادة إعمارها حتى يتم إحراز تقدم لا رجوع عنه نحو حل سياسي، وهو ما لم نشهده بعد".
مساعي الإمارات لإعادة تعويم النظام
ورأى المحلل السياسي شادي عبد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن دعوة الأسد لزيارة الإمارات "تأتي في إطار مسعى إماراتي متواصل لإعادة تعويم نظام الأسد عربياً، وربما يكون اختيار هذا التوقيت للزيارة استغلالا للانشغال الدولي بأزمة أوكرانيا".
وأضاف أن التوقيت قد لا يكون ذكيا بما فيه الكفاية "في غمرة الغضب الدولي من روسيا وأدواتها في الساحة الدولية، وفي مقدمتها نظام الأسد"، لافتا إلى أنه إذا اتضح "أن للزيارة أهدافاً مخفية أخرى، كما تردد في بعض وسائل الإعلام، عبر نقل أموال من الإمارات إلى سورية، ومنها إلى روسيا، فقد تكون لها عواقب سيئة على الجانبين، الإمارات والنظام، خاصة أن الغرب يضع روسيا اليوم تحت المجهر، وهو منزعج أصلا من تفرد النظام في التعبير عن دعمه حرب روسيا في أوكرانيا، ومساهمته في إرسال متطوعين ليقاتلوا إلى جانبها".
وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة قالت، في بيان مشترك الثلاثاء، إنها "لا تدعم جهود تطبيع العلاقات مع نظام الأسد".
ذكرى الثورة السورية
وتتزامن هذه الزيارة مع الذكرى الـ11 لانطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد، حيث شهدت العديد من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أمس الجمعة، تظاهرات شعبية أكدت مواصلة الثورة ضد النظام حتى تحقيق أهدافها بـ"الحرية والكرامة وإسقاط النظام".
وشملت التظاهرات المدن والقرى في محافظات درعا وإدلب ودير الزور وحلب والحسكة والرقة، رافعة شعارات ومطالب الثورة السورية، وفي مقدمتها إسقاط النظام وجميع رموزه، إضافة إلى معاقبة مجرمي الحرب والإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المغيبين قسريا في سجون النظام.
وفي درعا، مهد الثورة ضد النظام، خرجت تظاهرات عقب صلاة الجمعة في مناطق درعا البلد وطفس وبصرى الشام وغيرها من المناطق. وفي الشمال السوري، شارك آلاف السوريين في تظاهرات حاشدة بمناطق أطمة وسرمدا والدانا وكفرتخاريم وغيرها من مدن وقرى إدلب، فيما تزيّنت الساحات بأعلام الثورة وشعاراتها.
وفي حلب، شارك الآلاف في تظاهرات جرت في مناطق جرابلس والأتارب وباتبو وإبين سمعان، وغيرها من المناطق. كما شهدت مناطق سيطرة الجيش الوطني في ريفي حلب الشرقي والشمالي، ومناطق "نبع السلام" و"غصن الزيتون" و"درع الفرات"، تظاهرات مماثلة، إضافة لمناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في ريف دير الزور، حيث خرجت تظاهرة في منطقة غرانيج طالبت بإسقاط نظام الأسد.
وكان بشار الأسد قد زار الإمارات أمس الجمعة، وهي الزيارة الأولى له لدولة عربية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث استقبله كل من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وحاكم دبي محمد بن راشد، وبحثا معه "العلاقات الأخوية بين البلدين وجهود ترسيخ الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط"، وفق ما أوردت وكالة أنباء "وام" الإماراتية.