استمع إلى الملخص
- **دور إسرائيل وتخلي الولايات المتحدة عن الضغط**: إسرائيل تتحكم في التصعيد بعد تخلي إدارة بايدن عن الضغط على حكومة نتنياهو، مما يفتح الباب أمام تجاوز الخطوط الحمراء وجرّ واشنطن إلى مواجهة مع طهران.
- **التخوف الأميركي من التصعيد**: الإدارة الأميركية تخشى من رد إسرائيل على ردود إيران وحزب الله، مما قد يستدعي تدخل واشنطن ويفتح الصراع على مداه، مع احتمالات تورط القوات أو المصالح الأميركية.
على الرغم من الحشد العسكري الأميركي وتكرار إدارة بايدن تحذيراتها وإنذاراتها بأنها "ستدافع عن إسرائيل لو تعرضت لهجوم إيراني"، ما زالت القناعة السائدة في واشنطن بأن المنطقة قادمة على تطورات نوعية وربما غير مسبوقة بخطورتها. السؤال المتداول: ما حجم هذه التطورات المرتقبة، ثم ما مدى قدرة الردع الأميركي على ضبط المواجهة وجعلها، في أسوأ الحالات، أقرب إلى الرمزية كالتي سبقتها في 13 إبريل/ نيسان الماضي، عندما ردّت إيران على إسرائيل، وبالتالي منع تدحرجها إلى حرب أو صدامات واسعة؟
ترجح التقديرات في معظمها أن الحجم مفتوح على كل الاحتمالات، لأن إسرائيل تتحكم به، بعد أن تخلت إدارة جو بايدن طوعاً عن توظيف أوراقها الضاغطة والقادرة على لجم حكومة بنيامين نتنياهو ورئيسها. وثمة في الكونغرس وأوساط المحافظين من يشجع هذا الأخير على ذلك. والمسلّم به على نطاق واسع، سواء بالتصريح أو بالتلميح، أن هذا التخلي فتح الباب منذ بداية حرب غزة، أمام نتنياهو ليتجاوز الخطوط الحمراء "بنية جرّ واشنطن إلى مواجهة مع طهران". وليس سرّاً في واشنطن أن هذا كان دافع اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وكذلك اغتيال القائد العسكري في حزب الله فوائد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبالرغم من ذلك، ومن "غضب" بايدن كما تسرّب، في أثناء مكالمته مع نتنياهو بعد الاغتيال، لجأت الإدارة الأميركية إلى الاختباء وراء الحرص على "عدم التصعيد" حرصاً على مصالح المنطقة، بزعم أن الردود القاسية "لا تخدم أحداً من الأطراف المعنية" (والكلام للخارجية). ومع أنها لم تنكر الحق بالرد في هذه الحالة، لكن "تداعيات ذلك تتقدم على الحق بممارسته" كما قال المتحدث الرسمي. ولا جديد في ذلك. فعندما تكون إسرائيل في الزاوية تسارع واشنطن إلى الفذلكة للتغطية على انتهاكاتها. أو في أقله لمنحها الأسباب التخفيفية، وأحياناً للتخويف من تداعيات الرد عليها، كما هي الحال في الأزمة الراهنة. وفي الواقع هذا ما تخشاه الآن، فالإدارة الأميركية تعرف وتقول إن إيران "لا تريد الحرب". وتعرف لكن من دون أن تقول، أن إسرائيل تريد وتسعى للحرب الواسعة. وخوفها ليس من رد إيران وحزب الله على الاغتيالين، بقدر ما هو من رد إسرائيل على ردهما. فهي تدرك أن حكومة نتنياهو تستدرج الاثنين للقيام بما يشكل ذريعة له لتوجيه ضربة من العيار الذي لا بد وأن يستدعي الجواب وبما قد يحمل الإدارة على ترجمة تعهدها "بالدفاع عن إسرائيل"، وبالتالي فتح الصراع على مداه. فنتنياهو "يصوب على الحدود الشمالية من زاوية أن الحرب فيها تخدمه استراتيجياً وسياسياً"، هذا ما يقوله الجنرال المتقاعد جوزيف فوتيل، الذي خدم في قيادة المنطقة الوسطى التي تشمل مهماتها الشرق الأوسط، ولا سيما أن العمليات تتجه إلى نهايتها في غزة، وأن الجهود والضغوط تتزايد للتوصل إلى وقف نار وتبادل أسرى.
و"يستبعد" فوتيل أن تبقى العمليات في حدود سيناريو إبريل/ نيسان الماضي، حيث إنها على الأرجح قد تجري "بتنسيق بين إيران وحزب الله" على موجات. كذلك لا يستبعد، ويشاركه في ذلك آخرون، أن تقوم إسرائيل بضربة "استباقية" ضد إيران والحزب، أو استهداف قيادات أخرى فيهما، إذا ما بدا لها أن "ردهما بات وشيكاً". وفي هذه المعمعة قد تتعرض القوات أو المصالح الأميركية في المنطقة للأذى وبما قد يؤدي إلى تورط واشنطن على هذا الحد أو ذاك، "فالسقوف صارت عالية والنقاط الحمراء جرى تجاوزها"، بحيث باتت المواجهة مشرعة الأبواب على مختلف الاحتمالات، وفق فراس مقصد، الباحث في مؤسسة الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث في واشنطن.
وتعرف الإدارة الأميركية من الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل في إبريل/ نيسان الماضي أن الرد قادم. مع ذلك، شدّدت على أنه "ليس مسألة حتمية" بتعبير وزارة الخارجية. ومن البداية عملت وما زالت على خطّي الردع وشراء الوقت، علّ اتفاق غزة يسارع الخطى فيساهم في تبريد الوضع. لكن واشنطن تعيش أجواء الترقب والتخوف من الآتي، خصوصاً في اليومين الأخيرين، حيث انتقلت الإدارة من الحديث عن "لا حتمية" الرد الإيراني، إلى رفع نبرة تحذيرها لإيران من اللجوء إلى "تصعيد كبير" لما ينطوي عليه من "مخاطر جدية" ستتعرض لها لو فعلت. لكن "تأثيرات أميركا تناقصت" حسب فوتيل، خصوصاً في هذه اللحظة الانتخابية والأشبه بالتقاعدية للرئيس بايدن، وبالأخص بالنسبة إلى نتنياهو الذي بات يمتلك "اليد الطولى".