أكد رؤساء أحزاب وقيادات بارزة في تنظيمات سياسية مناهضة لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، التي بدأ باتخاذها منذ 25 يوليو/تموز الماضي، عبر تجميد عمل البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي، على مواصلة "النضال حتى يسقط الانقلاب"، في إشارة إلى إجراءات سعيّد "الاستثنائية"، والتي تعتبرها الأطراف المعارضة لها انقلاباً دستورياً. وتؤكد هذه القوى استمرار حراكها "حتى تعود البلاد إلى الوضع الدستوري، لتستأنف مسارها الديمقراطي".
وبعد المسيرة الحاشدة التي خرجت يوم أمس الأحد في العاصمة تونس، رفضاً لإجراءات سعيّد وتفرده بالسلطة، تواصل الأحزاب والشخصيات العامة ضمن هذا الحراك المعارض الحشد والدعوات لمسيرات مقبلة، لن تنتهي بحسب ما تؤكد، قبل العودة للسير العادي لدواليب الدولة، معتبرة أن رسالة مسيرة الأحد ورمزيتها تعكس إصرار المتظاهرين على موقفهم.
تواصل الأحزاب والشخصيات العامة ضمن الحراك المعارض لسعيّد، الحشد والدعوات لمسيرات مقبلة
وأكد الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "رسالة التونسيين الذين نزلوا إلى الشارع واضحة، وهي تمسّكهم برفض مشروع قيس سعيّد الذي يؤسس لديكتاتورية جديدة تقوم على الانفراد بالرأي والاستقواء بالسلطة وإقصاء كل مكونات الطبقة السياسية، وخصوصاً معارضيه"، مشيراً إلى أن الرسائل السياسية "تؤكد من جديد أن كل ما قام به يتعارض مع أحكام الدستور من خلال احتكار مفضوح للسلطة بطريقة غير قانونية وغير دستورية"، بحسب تعبيره.
وأشار الشابي إلى أن "مسيرة أمس تقع ضمن مساعي إنقاذ تونس من شبح الاستبداد الذي يخيّم عليها"، معتبراً أن على "سعيد أن يتراجع عن الأمر 117 (الذي صدر في سبتمبر/أيلول الماضي، ويضبط "صلاحيات" رئيس الجمهورية)، وأن يعود إلى الدستور، ويحترم العقد الذي يجمعه بالتونسيين".
بدوره، اعتبر القيادي والنائب عن "ائتلاف الكرامة" الحبيب بن سيدهم، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "احتجاجات أمس انتصار جديد للديمقراطية وانتكاسة أخرى للانقلاب"، مشدداً على أن "رسالة رفض العودة للاستبداد كانت قوية وبليغة من حرائر وأحرار تونس، الذين هبّوا لحماية الثورة والديمقراطية". وتابع أن "القضية الأساسية اليوم، هي قضية كل من يؤمن بالثورة والديمقراطية، ومن يخشى على مستقبل البلد، والقضية في كيفية دحر هذا الانقلاب الغاشم وإعادة البلاد إلى مسار الدستور والمؤسسات"، على حدّ تعبيره.
وبيّن بن سيدهم أن "رسالة المتظاهرين إلى جميع القوى الوطنية والمدنية، وكلّ الحريصين على مشروع الحرّية والثورة، مواصلة التجند والتوحد حتى يسقط الانقلاب".
وعلّق رئيس الهيئة السياسية لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" سمير بن عمر على الحراك قائلاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من كل العراقيل التي حاولت سلطة الانقلاب وضعها في طريق المتظاهرين لعرقلتهم ومنعهم من الوصول إلى مكان التظاهر، إلى جانب محاولات تشتيت التظاهرة (أمس) وتقسيمها، أعتقد أن عدد المشاركين فاق كل التصورات، حيث خرج عدد كبير جداً من التونسيين مرددين بصوت واحد: يسقط الانقلاب".
ورأى بن عمر أن الرسالة تتمثل أيضاً "في وجود كل مكونات الطيف السياسي، وهو ما يؤكد العزلة التي يعانيها نظام الانقلاب"، مشدداً على "المساندة الواسعة من الطيف السياسي، ومن عدد كبير من التونسيين، من أجل إنهاء هذه المغامرة غير المحسوبة التي قامت بها سلطة الانقلاب، ومن أجل الرجوع إلى الشرعية الدستورية في أقرب وقت ممكن، ومن أجل مصلحة تونس وعودة المسار الديمقراطي إليها".
ولفت رئيس الهيئة السياسية لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" إلى أن "كل الطيف السياسي مجمع على ضرورة مقاومة هذا الانقلاب بكل الطرق السلمية"، مؤكداً أن "كل أشكال الاحتجاج ستتواصل وستتكثف خلال الأيام المقبلة، حتى إنهاء هذا الانقلاب"، على حدّ قوله.
إلى ذلك، اعتبرت قيادات من الأحزاب الحاضرة في الاحتجاجات أن ميزة مسيرة أمس، هي التنوع الفكري والأيديولوجي للمتظاهرين، إلى جانب العدد الكبير من المشاركين.
وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس حزب حركة "وفاء" عبد الرؤوف العيادي أن "مستوى الحضور كان كبيراً جداً، على الرغم من تضييق الوحدات الأمنية التي لم تكن بنفس حياد تأمينها لتظاهرة الأحد ما قبل الماضي (الداعمة لسعيّد)"، مشيراً إلى أن "المعاملة لم تكن لائقة من خلال نوع من تجاوز الحدود". وبيّن العيادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الشعارات المرفوعة كلّها تنادي بإسقاط الانقلاب والتمسك بالدستور والنظام الديمقراطي وترفض السلوك الديكتاتوري"، مشيراً إلى أن "الرسالة كانت قوية جداً من خلال تلك الجموع المشاركة، بالإضافة إلى رفع قرارات الإقامة الجبرية في الوقت ذاته، والذي كان بمثابة انتصار معنوي على الديكتاتورية".
ودعا العيادي "إلى مواصلة المسيرات"، محذراً من أن "المعركة لا تزال طويلة، ولكن مآلاتها ستنتهي بكسبها"، مشيراً إلى أن "تونس بعد الثورة تشكّل فيها وعي ديمقراطي للدفاع عن الحرّيات وضد الانقلاب وعودة التجاوزات البوليسية والممارسات الأمنية".
واعتبر القيادي في حزب "قلب تونس" رفيق عمارة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "نجاح مسيرة أمس، وبتلك الأعداد الغفيرة، زاد من إرباك الانقلاب والانقلابيين"، مشيراً إلى أن "التحدي متواصل والنضال مستمر حتى تنجلي هذه السحابة ويعود العمل بالدستور والمؤسسات".
وشدّد عمارة على أن "رسائل مسيرة أمس موجهة إلى التونسيين داخل البلاد وخارجها، وإلى كل من يتابع التجربة الديمقراطية التونسية، بأن في تونس أحرارا يواصلون الدفاع عن مكاسب الثورة وعن أسس الدولة وثوابتها ومؤسساتها".
اعتبرت قيادات من الأحزاب الحاضرة في الاحتجاجات أن ميزة مسيرة أمس هي التنوع الفكري والأيديولوجي للمتظاهرين
في السياق، أكد القيادي في حزب "حراك تونس الإرادة"، المقرر المساعد لدستور 2014 مبروك الحريزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "رسالة الشارع أمس قوية، وفنّدت ادعاءات سعيد بأنه يعبّر عن إرادة الشعب الذي يريد، ولكن هناك جزءا من الشعب معه وجزءا آخر ضده، بما يؤكد أنه لا شيء يسمح له بالتفرد بالسلطات".
وأوضح الحريزي أن "هذه المسيرة تأتي في إطار حراك مواطني متنوع، بين منتمين للأحزاب السياسية من تيارات مختلفة، وغير منتمين، والذين عبّروا عن موقفهم الرافض للانقلاب من خلال شعارات واضحة، وهي رفض الانقلاب ورفض المساس بدستور 2014 بإجراءات أحادية مخالفة للدستور". وبيّن الحريزي أن "المسيرة كانت رافضة لمنهج الرئيس الذي ثبت أنه جزء من تأزم الوضع، فمنذ وصوله إلى الرئاسة، لم يشارك في حلحلة الأزمة بل كان عامل تسريع لها، وكل إجراءاته مخالفة للدستور"، بحسب رأيه.
وحيّا نائب رئيس حركة النهضة علي العريض، في تدوينة على "فيسبوك"، المتظاهرين، وكتب: "أحيي كل من ساهم في إنجاح هذا التحرك وكل من حضره من المواطنين والمواطنات بمختلف توجهاتهم... أحيي هذه التظاهرة التي نادت بحماية الدستور والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتصدت للانقلاب الذي جرّ وسيجر ويلات على تونس والتونسيين في حرياتهم وحقوقهم واقتصادهم، والذي عمّق وسيعمق أكثر البطالة وغلاء الأسعار ونقص المواد والموارد، فضلاً عن عزل تونس عن عدد من شركائها والإضرار بعلاقاتها الخارجية ومصالحها مع دول شقيقة أو صديقة أو مؤسسات".