في رسالة هي الثانية من نوعها خلال أسبوعٍ واحد، فتح زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، باباً جديداً من التوتر بينه وبين فصائل "الحشد الشعبي"، بعد حديثه عن دمج العناصر الجيدة من "الحشد" بقوات الأمن، ومن ثمّ اتهامه فصائل مسلحة فيه بتهديد الدولة والأمن، من خلال الحديث عن الاستهدافات المتكررة بالصواريخ للمنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد من جهة، وحملة اغتيال الناشطين والمتظاهرين من جهة أخرى، ليعود الحديث مرة أخرى عن تورط مليشيات مسلحة ضمن "الحشد الشعبي" بعدم استقرار المشهد الأمني في البلاد. ووجّه الصدر، أول من أمس الأربعاء، رسالة إلى "الحشد" عبر "تويتر"، قائلاً: "اعلموا أيها الأخوة المجاهدون في الحشد الشعبي أنّ ما تقوم به بعض الفصائل المنتمية لهذا العنوان الكبير، فيه إضعاف للعراق وشعبه ودولته، وهذا يعني تقوية القوى الخارجية وعلى رأسها كبيرة الشر أميركا". وأضاف: "حاولوا التصرف بالحكمة والحنكة حباً بالعراق وشعبه، فأنتم مسؤولون أمام الله وأمام الشعب، وما يحدث من عمليات قصف واغتيالات من قبل بعض المنتمين لكم، وإن كنتم غير راضين عنها، إلا أن هذا لا يكفي، بل لا بد لكم من السعي بالحكمة والتروي إلى إنهاء جعل العراق ساحة لصراع الآخرين".
الفتح: على الجميع توخي الدقة وعدم إطلاق التهم جزافاً
قبل هذه التغريدة بأيام، عبّر الصدر عن رفضه لعمليات استهداف البعثات الأجنبية في البلاد، إثر تصاعدها خلال الأسابيع الماضية، وقال: "لا أجد من المصلحة إدخال العراق في نفق مظلم وفي أتون العنف، ولا أجد من المصلحة استهداف المقرات الثقافية والدبلوماسية. غاية الأمر، يمكن اتباع السبل السياسية والبرلمانية لإنهاء الاحتلال ومنع تدخلاته، واستهداف البعثات الأجنبية يعرّض العراق وشعبه للخطر المحدق".
وكان الصدر قد أكد أكثر من مرة ضرورة دمج "الحشد الشعبي" في القوات الأمنية. وعلى الرغم من أن قوات "الحشد" تعتبر قوة نظامية لها قانونها الخاص وتأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة وهو رئيس الحكومة، إلا أن كل المؤشرات تُظهر عكس ذلك. فقد أعقبت فترة مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" جمال جعفر (أبو مهدي المهندس) مطلع هذا العام، ولادة مليشيات وهمية جديدة تتبنى الخطاب التحريضي ضدّ الناشطين العراقيين، وتعلن مسؤوليتها عن استهداف المصالح الأميركية عبر تفجير الأرتال اللوجستية من جهة، وقصف السفارة الأميركية من جهة أخرى. وتؤكد غالبية التفسيرات أنّ المليشيات الجديدة تنحدر من مجموعات معروفة بالموالاة لإيران، مثل "عصائب أهل الحق" وكتائب "حزب الله" و"النجباء" وغيرها.
من جهته، أصدر تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي" بياناً أمس الخميس، يبدو أنه جاء تعقيباً على الأحداث الأخيرة والاتهامات التي توجه لفصائل في "الحشد" بالوقوف خلف استهداف المنطقة الخضراء والضلوع في اغتيال الناشطين. وقال البيان "نتيجة لما يقع من أحداث ومواقف داخلية وما يحيط بالعراق من ظروف غير اعتيادية، نرى ضرورة أن نؤكد مرة أخرى على التزام الحشد بالمهمة الأساسية الأولى لهذه الحكومة، وهي بسط الأمن وإعادة هيبة الدولة وخلق المناخات المناسبة لإجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة وعادلة". وأضاف: "نؤكد أن لا خيار سوى بناء الدولة العادلة القادرة على بسط الأمن وتأمين الحياة الحرة الكريمة لكل مواطن عراقي، وندعو القضاء والأجهزة الأمنية إلى الوقوف بحزم وقوة وإنهاء مسلسل الخطف والاغتيالات وإثارة الرعب بين الناس، والذي تقف خلفه أياد آثمة تريد إثارة الفوضى وخلط الأوراق، ويجب على الجميع التعاون مع الجهات المختصة من أجل القضاء على هذه الأعمال الإجرامية".
وتابع بيان "الفتح": "نعلن رفضنا وإدانتنا لأي عمل يستهدف البعثات الدبلوماسية والمؤسسات الرسمية، وأن هذه الأعمال إضعاف للدولة وضرب لهيبتها، وهو أمر مرفوض ويؤدي إلى نتائج خطيرة. وندعو أبناءنا في الحشد الشعبي إلى أن يكونوا كما عرفناهم مثلاً أعلى في الالتزام بالقانون، والابتعاد عن كل ما يسيء إلى صورة هذا الكيان المقدس". وفي ما يبدو أنه كلام موجه للصدر، قال بيان تحالف "الفتح": "على الجميع توخي الدقة وعدم إطلاق التهم جزافاً لأن الإرهاب وأزلام النظام السابق والمجاميع المنحرفة وأعداء العراق يسعون دائماً لخلط الأوراق".
قيادي في "التيار الصدري": الصدر أمهل الفصائل المسلحة التي تتحدى الدولة والنظام الأمني من أجل مراجعة نفسها
في السياق، قال أحد قادة "التيار الصدري"، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تغريدات الصدر بشأن الحشد الشعبي والفصائل المراهقة التي تقصف البعثات الأجنبية وتستهدف الأمن العراقي، لا تعني بالضرورة وجود خلافات بينه وبين قادة الحشد، ولكن المطالب الصدرية في العراق واضحة منذ فترة بعيدة، فهي مع توجه الدولة في حصر السلاح بيدها والتحكم الكامل بكل القطعات الأمنية والعسكرية. ولهذا، فإنّ الصدر يريد دمج الحشد مع القوات الأمنية، حتى تزال عنه صبغة الفصائل الموالية إلى إيران".
وأوضح المتحدّث نفسه أنّ "حديث الصدر عن تورط فصائل وشخصيات في الحشد الشعبي بعمليات الاغتيال أو القصف الصاروخي، جاء بعد حصوله على معلومات تؤكد تورط جهات مؤثرة في الحشد بتلك العمليات، وهو يعمل على تقديم هذه المعلومات عبر تحالف سائرون إلى الحكومة العراقية، بهدف محاسبة الجهات المتورطة وفق القانون العراقي، ولكنه ينتظر دعم الجهات الوطنية في الحشد نفسه لتوجهاته التي تسعى لخدمة العراقيين وإنهاء التوتر الأمني".
وأضاف القيادي في "التيار الصدري" أنه "في حال عدم اتخاذ الحكومة العراقية وقيادات الحشد والفصائل المسلحة موقفاً حازماً من تصرفات بعض العناصر والجهات المتورطة بعمليات القصف وحتى الاغتيال، فسيكون هناك تصعيد من قبل الصدر ضد تلك الجهات، وربما يكشف عنها بالأسماء، حتى يتم الضغط الشعبي من أجل محاسبتها". وأكّد أنّ "الصدر من خلال تغريدته الأخيرة، أمهل الفصائل المسلحة التي تتحدى الدولة والنظام الأمني من أجل مراجعة نفسها". من جهته، أكد القيادي في "الحشد الشعبي" معين الكاظمي، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "رسائل الصدر إلى الحشد وطرحها بشكل تغريدة وعلى الإعلام، ليس الهدف منها كما هو مذكور، بل إنّ هدفها إعلامي بحت"، مبيناً أنه "إذا كان لدى الصدر معلومات، فالحشد وقياداته قريبون منه، ويمكنه إخبارهم بما يملك، بدلاً من تلك التغريدات، التي تثير الجدل، وفيها اتهام باطل بقضية الاغتيالات، خصوصاً أن هذا الأمر خطير".
وأضاف الكاظمي أنه "على الصدر توخي الحذر بإطلاق هكذا تغريدات تخلط الأوراق وتعطي رسائل سلبية، خصوصاً أنه لا توجد أي خلافات بينه وبين قادة الفصائل والحشد". ورجّح أن تكون رسائل الصدر الأخيرة إلى الحشد "عبارة عن دعاية انتخابية مبكرة، ولا سيما أنّ هناك أموراً تخصّ أوضاع العراق أكثر خطورة، ولكن الصدر لم يتحدث عنها بشكل صريح".
معين الكاظمي: رسائل الصدر الأخيرة إلى الحشد عبارة عن دعاية انتخابية مبكرة
في المقابل، أشار النائب عن تحالف "سائرون" التابع لـ"التيار الصدري" في البرلمان العراقي، رعد المكصوصي، إلى أنّ "الصدر يدعم هيبة الدولة، ويسعى إلى إعادة الاعتبار إلى العراق من خلال الحلول السياسية السلمية، وليس التوجه نحو الصواريخ وتبني خطاب الكراهية والعنف والحرب". وأوضح المكصوصي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "قرار إخراج القوات الأميركية تحقق عبر البرلمان، ومجلس النواب يضغط على الحكومة من أجل تنفيذ القرار، ولا بدّ من أن تسلك غالبية القوى السياسية والشعبية في البلاد طريق دعم البرلمان وتقويته من أجل إخراج القوات الأميركية عبر القرار السياسي العراقي".
بدوره، رأى المحلل السياسي أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المعطيات تشير إلى وجود تقاطع في وجهات النظر بين الصدر وقادة الفصائل والحشد، بخصوص مستقبل الأخير وعلاقته بالدولة والمؤسسات الأمنية والعسكرية"، مشيراً إلى أنّ "الصدر يدعم توجه بعض الفصائل المنضبطة، ولا سيما تلك التابعة لمرجعية النجف". وأضاف الشريفي أن "مطالب الصدر ليست جديدة، فهو منذ البداية لم يكن مقتنعاً بالحشد الشعبي، ولذلك أسس سرايا السلام كجناح عسكري مستقل عن الحشد".
وتابع أنّ "الحكومة العراقية عاجزة عن اتخاذ أي إجراءات مع الحشد وقياداته، ولا حتى الصدر قادر على تعديل الأمور، وربما رسائل الأخير تهدف إلى توضيح المسار السياسي الخاص به تمهيداً للانتخابات المقبلة، فهو يريد رسم ملامح جديدة لكتلته الجديدة، وفق رؤية واضحة". وحذر الشريفي من أن "تصعيد الصدر ضدّ الفصائل المسلحة وقيادتها ربما سيؤدي إلى الاحتقان في الشارع العراقي، بين أنصار التيار الصدري وجمهور تلك الفصائل، وحدوث احتكاك أو صدامات، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات".