استمع إلى الملخص
- **انقسامات داخل اليمين المتطرف**: رغم النجاحات الانتخابية، يعاني اليمين المتطرف من انقسامات داخلية، مما يضعف تأثيره على السياسات التشريعية الأوروبية.
- **تحديات وتطلعات مستقبلية**: اليمين المتطرف يمتلك 187 مقعدًا في البرلمان الأوروبي، لكن التعاون بين أقطابه غير مضمون، مما يسبب تحديات للبرلمان الأوروبي.
مع أن اليمين المتطرف الأوروبي حقق نتائج جيدة في انتخابات البرلمان الأوروبي بين السادس والتاسع من يونيو/حزيران الماضي، إلا أنه بات منقسما وغير موحد في كتلة واحدة للتأثير على المستوى التشريعي الأوروبي.
يبرز في هذا الاتجاه تشكيل تجمع برلماني أوروبي جديد من أحزاب التطرف تحت مسمى "أوروبا.. الدول ذات السيادة". في هذه النسخة من التطرف والتشكيك بجدوى الاتحاد الأوروبي يسعى المتحالفون إلى إعادة المزيد من السلطة إلى الدول القومية وإلى "وقف أسلمة أوروبا"، على حد تعبيرهم.
أبرز المنضوين في التكتل البرلماني هم: حزب البديل لأجل ألمانيا الذي فاز بـ14 مقعدا إلى جانب اتحاد الحرية والاستقلال البولندي وحزب النهضة البلغاري، ولكل منهما ثلاثة مقاعد، وحزب الجمهورية السلوفاكي وحركة وطننا المجرية وحركة الحرية والديمقراطية المباشرة من جمهورية التشيك واتحاد الشعب والعدالة (ليتوانيا) وحزب ريكونكيت الفرنسي، بمقعد واحد لكل منهم، ما يمنح الكتلة 25 مقعدا.
في العادة يتطلب تشكيل كتلة برلمانية أوروبية جمع 23 عضوا من سبع دول، ما يمكّنها من الحصول على أموال من الاتحاد الأوروبي (الذي تشكك فيه الكتلة الجديدة) والوصول بشكل أفضل إلى وسائل الإعلام الأوروبية.
وتشكيل هذه الكتلة يعكس نوعا من التشقق بين أحزاب التطرف، وعدم قدرتها على التعاون فيما بينها. فتحقيق النتائج الجيدة كان يقدر له على المستوى الاستشرافي الأوروبي تضخم كتل التطرف في البرلمان الأوروبي. فخلال وقت قصير تمكن بعض أطرافه من بناء "تحالف حزب الوطنيين من أجل أوروبا"، وبصورة رئيسة من خلال تعاون زعيمة اليمين المتشدد الفرنسي مارين لوبان مع رئيس حكومة المجر القومي المحافظ فيكتور أوربان. هذه الأخيرة بشرت قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي قبل نحو شهر بأن حزب البديل لأجل ألمانيا لن يكون جزءا من أي تكتل يشارك فيه حزبها "التجمع الوطني". جاء ذلك في أعقاب القضية الشهيرة المتعلقة بتصريحات أحد مرشحي الحزب الألماني (البديل) ماكسيميليان كراه التي برّأ خلالها قوات أس أس (القوات الخاصة) الألمانية النازية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. ما يعني ببساطة أن تكتل اليمين المتطرف في برلمان القارة، الذي صار يسمى بتحالف لوبان-أوربان باسم "الوطنيون من أجل أوروبا"، اعتبر "البديل" الألماني بأنه متطرف أكثر من اللازم لضمه إلى صفوفهم. السياسي كراه أُبعد عن حزب البديل، لكنه انتخب بصفة مستقل في البرلمان الأوروبي.
واضطرار حزب البديل لأجل ألمانيا إلى التحالف مع عدد من الأحزاب المتطرفة الصغيرة من أوروبا الوسطى والشرقية تحت مسمى "أوروبا.. الدول ذات السيادة" (كما أُعلن في بيان صحافي الأربعاء الماضي)، وبرئاسة الألماني رينيه أوست رفقة ستانيسلاف تيشكا من حزب الاتحاد من أجل الحرية والاستقلال البولندي، يفتت بلا شك من قدرة هذا اليمين المتطرف على التأثير في سياسات وقرارات تشريعية أوروبية مشتركة.
يمين منقسم في البرلمان الأوروبي
فبدلا من أن تتوحد الجهود في سياق أكبر كتلتين جمعتا التطرف اليميني في برلمان أوروبا، وهما "الهوية والديمقراطية" (طرد منها البديل لأجل ألمانيا) وكتلة "الأحزاب الشعبية الأوروبية" بزعامة رئيسة حكومة إيطاليا جورجيا ميلوني، أصبح اليمين المتشدد منقسما الآن.
وعلى الجانب الآخر تمثل عملية إبعاد اليمين المتطرف الألماني (البديل) عن كتل المعسكر البرلمانية الأوروبية محاولة من أقصى اليمين الأوروبي لتسويق نفسه على أنه أكثر اعتدالا من المجموعات التي يمثل البديل لأجل ألمانيا ذروة تطرفها. وإلى جانب ذلك، فإن الابتعاد عن المُدان بالعنصرية، الفرنسي المدان إيريك زيمور، من "ريكونكيت" وحزب النهضة البلغاري المتهم بموالاة روسيا، يقدم للفرنسية مارين لوبان فرصة لتقديم نفسها سياسية أقل تشددا في طريقها للمنافسة على الانتخابات الرئاسية في 2027. هذا إلى جانب أن الإيطالية جورجيا ميلوني تلعب لعبتها المفضلة في الظهور من خلال كتلتها "الأحزاب الشعبية الأوروبية" أكثر احتراما واعتدالا، رغم ما يثار حول الماضي الفاشي لحزبها "إخوة إيطاليا".
عموما، يبدو واضحا أن البرلمان الأوروبي في دورته الجديدة حتى العام 2029 أصبح فيه المعسكر اليميني والقومي المتطرف يمتلك 187 مقعدا من أصل 720، وهو ما يعادل نسبة 26% من البرلمان. مع ذلك ليس مضمونا ذلك التعاون بين أقطابه، والذي راهن عليه اليمين المتطرف. فعلى مستوى البرامج ينقسم اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي حتى على قضايا تتعلق بسياسات المناخ، التي يُظهر بعض أقطابه تماشيا مع ما تهدف إليه المفوضية الأوروبية في الحياد المناخي للقارة العجوز.
وفي المقابل يبدي أعضاء الكتلة الجديدة "أوروبا.. الدول ذات السيادة" تشددا كبيرا عبر عنه على منصة إكس أحد مؤسسي الكتلة وزعيم حزب الحرية والديمقراطية التشيكي توميو أوكامورا بالقول: "سنكافح ضد الصفقة الخضراء (خطة عمل الاتحاد الأوروبي بشأن المناخ)، والهجرة وأسلمة أوروبا، وسوف نعيد السلطة من بروكسل إلى الدول القومية الأوروبية".
التأثير القليل لكتلة متطرفة مكونة من 25 عضوا لا يعني بالضرورة أن شعبويتها لن تتسبب بمتاعب للبرلمان الأوروبي. فهؤلاء قادرون على التشويش لجلب أصوات يمينية متطرفة من الكتل الأخرى، للتصويت إلى جانبهم في عدد من القضايا، بما فيها قضايا المناخ والهجرة. وخصوصا في ظل غياب ما يسمى "الانضباط الجماعي" في تصويت أعضاء مختلف الكتل البرلمانية.
ويراهن بعض أصحاب الخطاب الشعبوي المتطرف، وخصوصا "البديل لأجل ألمانيا"، على مديات أبعد من البرلمان الأوروبي، أي نحو إظهار نفسه الأكثر حرصا على مصالح الألمان من أجل ترجمة ذلك على مستوى الانتخابات الوطنية، وعينه على تحقيق نتائج جيدة في المستقبل. إذ وبرغم أن اليمين القومي المتطرف في بريطانيا وفرنسا لم يحققا النتيجة المرجوة يبقى من الثابت أنه معسكر بات يكتسب المزيد من القوة في عديد الدول الأوروبية.