مع بقاء أيام معدودة على موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ودخول الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة مرحلتها الختامية، تترقب موسكو وكييف نتائج الانتخابات والتغييرات التي قد تطرأ على إثرها على حدود الدعم الأميركي لأوكرانيا في مواجهتها العسكرية مع روسيا.
ومن وجهة نظر أوكرانيا، فإن الرهان الرئيسي يتعلق بحجم وشروط تخصيص الدعم العسكري والاقتصادي لها، بينما تعوّل روسيا على قسم من الجمهوريين ممن لا يريدون أن تتدخل الولايات المتحدة في النزاع الروسي الأوكراني من أساسه.
فوز الجمهوريين ومصالح الكرملين
وزاد هذا الوضع من الترجيحات بأن الفوز المحتمل للجمهوريين في الانتخابات يصب في مصلحة الكرملين، خصوصاً أن سنوات حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب شهدت استقراراً نسبياً للعلاقات الروسية الأميركية، ولو عند أدنى مستويات، قياساً لما آلت إليه في عهد ساكن البيت الأبيض الجديد، جو بايدن، لا سيما بعد بدء الحرب في أوكرانيا في نهاية الشتاء الماضي.
ومع ذلك، يتوقع الخبير في الشأن الأميركي بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أليكسي ناوموف، استمراراً للدعم العسكري الأميركي قبل الاقتصادي لأوكرانيا حتى في حال فوز الجمهوريين بانتخابات الكونغرس، من دون أن يستبعد في الوقت نفسه احتمال إجرائهم محادثات التسوية مع روسيا وراء الكواليس وحتى من دون إعلام كييف بها.
الرهان الرئيسي بالنسبة لأوكرانيا يتعلق بحجم وشروط تخصيص الدعم العسكري والاقتصادي لها
ويقول ناوموف في حديث لـ"العربي الجديد": "الولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا، ولا شك أنه من مصلحة السلطات الأوكرانية بقاء فريق الحزب الديمقراطي في واشنطن، والذي سيعتبر في حال فوزه أن دعمه لأوكرانيا أو ما يسمى الالتزامات الدولية الأميركية ساهم في الفوز. لكن بالنسبة إلى روسيا، من الأفضل أن يصعد الجمهوريون إلى السلطة سواء في مجلس النواب أو الشيوخ".
ويرجع ناوموف استفادة موسكو في حال تقدم الجمهوريين، لسببين رئيسيين: "أولهما انتهاج بايدن سياسات مناهضة لروسيا، وثانيهما جني موسكو عوائد عن الانقسام الداخلي في الإستبلشمنت الأميركي (المنظومة السياسية التقليدية) الذي سيضعف السياسة الخارجية الأميركية".
وحول رؤيته لأسباب اختلاف موقف الجمهوريين حيال أوكرانيا عن الديمقراطيين، يعتبر ناوموف أن "الجمهوريين لا يتبنون مواقف سلبية حيال القضية الأوكرانية لمجرد تخصيص موارد مالية لها، في الوقت الذي لا تحصل عليها الولايات الأميركية المستقبلة للمهاجرين، وإنما أيضاً بسبب ارتباط السياسة تجاه أوكرانيا ببايدن، وبشخصه الذي أوصل رسالة للجمهور الداخلي مفاده أنه يمكن تحمل المتاعب من أجل القيم والأفكار".
وفي ما يتعلق بتأثر المساعدات الأميركية لأوكرانيا بصعود الجمهوريين، يتابع: "في حال تقدّم الجمهوريين، نتوقع تراجعاً للدعم الاقتصادي لأوكرانيا مع استمرار العون العسكري في ظل بقاء أوكرانيا مكوناً مهماً لواجهة السياسة الخارجية الأميركية. تقدم الولايات المتحدة نفسها على أنها ديمقراطية تدعم أي ديمقراطية أخرى رغم أننا نعلم جميعاً مستوى جودة الديمقراطية الأوكرانية".
بالنسبة للجمهوريين ترتبط السياسة تجاه أوكرانيا ببايدن وبشخصه
ويخلص ناوموف إلى أن روسيا تأمل في صعود الجمهوريين بشكل أو بآخر، سواء إلى مجلس النواب أو الشيوخ، أو كلتا غرفتي الكونغرس، والذين قد يجرون محادثات حول نوع من التسوية مع موسكو خلف الكواليس وربما من دون علم كييف.
ولفت إلى أن أوكرانيا تأمل من جهتها في بقاء الفريق الحالي، رغم الإدراك أن فوز الحزب الجمهوري لن يؤدي إلى توقف المساعدات بشكل كامل، ولكنه سيخلق صعوبات لبايدن وسيزيد من الانقسامات في الداخل الأميركي، ولو بلا تداعيات مهمة، وفق رأيه.
من جانب آخر، يشير الإعلامي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف إلى أن رهان كييف يعتمد على وجود أنصار لدعمها في الحزبين الأميركيين الرئيسيين، وليس الحزب الديمقراطي وحده، آملاً أن يتأهل إلى الكونغرس أكبر عدد من "أصدقاء أوكرانيا" من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
بين ترامب واليسار الراديكالي
ويقول بورتنيكوف في حديث لـ"العربي الجديد": "تراهن أوكرانيا تقليدياً على الدعم الثنائي من الحزبين، وهناك من يسعى من بين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء لمواصلة تقديم دعم لأوكرانيا والتعاون مع إدارة بايدن في هذا الملف. لكن من البديهي أن دوائر الجمهوريين من أنصار ترامب تضم معارضين لمثل هذا الدعم، ولكنهم موجودون بين الديمقراطيين اليساريين الراديكاليين أيضاً".
ويخلص بورتنيكوف إلى أنه من المهم بالنسبة إلى أوكرانيا أن "يتأهل إلى الكونغرس أكبر عدد ممكن من أصدقاء أوكرانيا المستعدين لمواصلة تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لبلادنا بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية".
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الديمقراطيين قد يخسرون الأغلبية في مجلس النواب مع التكافؤ في مجلس الشيوخ، إذ إن التعادل بواقع 50 مقعداً لكل حزب به سيترك الصوت الحاسم عند التصويت لنائبة الرئيس كامالا هاريس.
ومن المنتظر أيضاً أن بايدن وسلفه ترامب سيحددان بشكل نهائي ما إذا كانا سيترشحان في الانتخابات الرئاسية في عام 2024، فيما يدور اللغز الرئيسي حول ترامب، وسط ترجيحات بخوضه السباق إلى البيت الأبيض في حال فوز الجمهوريين.