احتضنت العاصمة الجزائرية على مدار اليومين الماضيين مؤتمرا حول أبرز المرجعيات السياسية والدينية الصوفية في منطقة الصحراء الجزائرية، والتي كانت على صلة مع الزوايا الدينية في منطقة الساحل وأفريقيا، إذ تراهن الجزائر على هذه الزوايا للتوغل في العمق الأفريقي، وكذلك الأمر في سبيل منع تمدد التطبيع الإسرائيلي.
وحضر المؤتمر الذي نظمته الحكومة الجزائرية، برعاية من الرئيس عبد المجيد تبون، علماء دين ومرجعيات دينية تقليدية تمثل الطرق الصوفية التي تنتشر في منطقة الساحل وأفريقيا، ما يبرز تمدد تأثير الزوايا الدينية المتمركزة في الجزائر، وخاصة الطريقة التيجانية التي مقرها في منطقة عين ماضي بالأغواط، وسط الجزائر، نحو العمق الأفريقي بشكل واضح.
وتتمتع الزوايا الدينية، وبالأخص التيجانية، بوجود ملايين المريدين والتابعين لها في كامل أفريقيا، وخاصة في النجير والسنغال ونيجيريا، إذ يحرص رؤساء هذه الدول خلال زياراتهم إلى الجزائر على زيارة المقر العام لمشيخة الطريقة في الأغواط. بالمقابل، تلقى الزيارات التي يقوم بها زعماء الطريقة التيجانية إلى هذه الدول حفاوة سياسية كبيرة ولقاءات شعبية ضخمة يحضرها آلاف المريدين في الملاعب.
وفي الفترة الأخيرة، انتبهت السلطة السياسية في الجزائر إلى أهمية هذه الارتباطات الدينية وإمكانية توظيفها السياسي والاقتصادي لصالح تحقيق مزيد من الاستقرار الأمني في المنطقة، وتعزيز الانسجام السياسي بين دول منطقة الساحل، وتشجيع حركة التجارة والسياحة الدينية في المنطقة.
وكانت الجزائر قد راهنت في وقت سابق على المرجعيات الدينية في منطقة الساحل للاستنزاف الفكري للمجموعات المتطرفة، إذ أنشأت ما يعرف برابطة علماء الساحل، والتي تضم علماء دين من الجزائر والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينافاسو ونيجيريا، وساعدت على محاربة الفكر المتطرف في المنطقة، ونسف الأفكار المتشددة التي تتبناها جماعات إرهابية ومتطرفة تنشط في منطقة الساحل.
وعبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في رسالة إلى هذا المؤتمر عن هذه التوجه الجزائري الواضح، قائلًا: "إن جهود الإمام المغيلي صنعت مرجعيتنا الدينية، ويمكن أن نستلهم من مبادئه وقيمه في بلداننا وعلى الخصوص منطقة الساحل الأفريقي ما يعيننا على مواجهة مختلف التحديات، لا سيما الغلو والتطرف بكل أشكاله".
وأضاف "لقد تمكن الإمام المغيلي من الاستثمار في البعد الأفريقي واستطاع أن يكون أرضية للوفاق والتعاون البناء.. الجزائر الجديدة تدرك بأن البعد الأفريقي يبقى خيارا استراتيجيا مهما يمكن شعوبنا من استكمال طموحاتنا المنشودة بتعزيز العمل الدبلوماسي وتنشيط السياحة الدينية والاستفادة من عمق الطرق الصوفية وامتداداتها في أفريقيا، وهو ما يؤدي إلى تحقيق الانسجام في المواقف السياسية وتفعيل التعاون الاقتصادي وترقية التبادل العلمي والثقافي وإرساء الاستقرار والأمن والسلم".
محاربة التطبيع الإسرائيلي
وفي سياق آخر، تبرز أهمية سياسية أخرى لاستدعاء شخصية الشيخ المغيلي، في هذا التوقيت السياسي، مرتبطة بجهود جزائرية لمحاربة التمدد الإسرائيلي والتطبيع في عمق القارة الأفريقية، وفي سبيل منع إسرائيل من الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، لكون المغيلي كان قد قاد قبل أربعة قرون "حربا ضد الوجود اليهودي" في منطقة توات (أدرار وتيميمون)، جنوبي الجزائر، وفي الساحل، حيث تم طردهم من المنطقة.
وفي عام 2000، كشف مؤرخ ونائب في البرلمان الجزائري أن محاولات إسرائيلية تمت قبل سنوات للحصول على الأرشيف المدني للمنطقة وأسماء العائلات اليهودية التي كانت موجودة هناك، وللحصول على بعض المخطوطات التي تتحدث عن الوجود اليهودي في منطقة جنوبي الجزائر، قبل فترة الاستعمار الفرنسي وخلاله.
وعلى مدار السنوات، كان الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي يحظى بمكانة مرموقة في بعض بلدان القارة الأفريقية، مثل مالي والنيجر ونيجيريا والسودان، بسبب رؤيته الإصلاحية ودعوته للوحدة والسلام في أفريقيا ومواقفه التاريخية ومناظراته العلمية مع عدد من علماء العالم الإسلامي، عدا عن نشره الإسلام في ما وراء الصحراء الأفريقية.
وقال الباحث المتخصص في التراث الفكري والسياسي بومدين بوزيد، في مداخلة له خلال المؤتمر، إن "المشيخة الصوفية الجزائرية يمكن أن تمثل قوة في فضّ النّزاعات ومعالجة الأزمات الاقتصادية، ومخاطر البيئة والهجرة والتطرف والإرهاب والفقر، وخاصة أن النّزاع القبلي والاقتتال الإثني هما ملاذ آمِن للجماعات الإرهابية، وفكر التطرف يحتاج إلى معالجة سياسية ودبلوماسية باستثمار طُرق ومسَارات جديدة للدبلوماسية يعتمد تفعيل المشيخة الدينية الجزائرية وتطويرها".