من بلدها المتوسطي، مالطا، أصغر دول الاتحاد الأوروبي، بواقع نصف مليون نسمة فقط، جاءت روبرتا ميتسولا للتربع على رئاسة البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، كأصغر امرأة في المنصب (43 عاماً)، والثالثة في تاريخ البرلمان، والأولى منذ 20 عاماً بعد استقالة الفرنسية نيكول فونتين من المنصب.
وانتخبت روبرتا ميتسولا، أمس الثلاثاء، بواقع 458 صوتاً من أصل 616، وفازت بالمنصب الرفيع من الجولة الأولى.
وميتسولا رغم انتمائها إلى كتلة الأحزاب الشعبية المحافظة، وهي ذات ميول كاثوليكية محافظة، وجدت نفسها وسط تصفيق حار من زملائها، من مختلف الاتجاهات السياسية، ما يعيد التأكيد على أهمية وصول امرأة إلى هذا المنصب الرفيع في أوروبا، بعد عقدين من احتكار الرجال له، وآخرهم الإيطالي من يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي) المتوفى قبل أيام، ديفيد ساسولي.
فارق الأصوات بينها وبين منافسيها، من الخضر ومجموعة اليسار، يشير بوضوح إلى أنّ جيلاً جديداً في الاتحاد الأوروبي يخط طريقه، كما ذهب بعضهم معقباً على النتيجة، وكانعكاس لمتغيرات في دوله، وبشكل خاص انحسار وتراجع معسكرات الداعين للخروج من الاتحاد الأوروبي، منذ أن شكل الخروج البريطاني "بريكست"، بعد استفتاء 2016، مشكلة أوروبية متواصلة. وهو ما يعني برأي هؤلاء "تزايد الشعور بضرورة استمرار التكتل الأوروبي"، قبل عامين من انتخابات البرلمان في 2024.
مع الحريات والقانون.. إلا الإجهاض
ولدت روبرتا ميتسولا في مالطا، في 18 يناير/كانون الثاني عام 1978، وأكملت تخصصها في المحاماة بجامعة بروج في بلجيكا، وهي متزوجة من الفنلندي أوكو ميتسولا، وأم لأربعة أولاد.
مرت 9 سنوات على عضويتها في البرلمان الأوروبي، من "الحزب القومي" في مالطا، وهي عضو نشط في كتلة أحزاب الشعب المحافظة، ولها باع طويل في المؤسسات الأوروبية، حيث عملت مستشارة إدارية وقانونية منذ 2004.
والانتماء إلى معسكر المحافظين يثير جدلاً بسبب مواقفها. فرغم أنها تُعرف بين زملائها بطموحها وجرأتها وسعيها إلى تبوّء أرفع المناصب الأوروبية، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ الجميع معجب بمواقفها في عدد من القضايا، وأهمها السجال عن مواقفها المعارضة لحرية الإجهاض، وهو موقف يتسق تماماً مع موقف بلدها الكاثوليكي الصغير، مالطا، الأكثر تشدداً ومنعاً للإجهاض في أوروبا.
"المفارقة" التي يسجلها انتخاب امرأة مؤيدة لحظر الإجهاض، بحسب ما صرح برلماني أوروبي لـ"العربي الجديد"، والذي وصفه بانتخاب "مأساوي"، أنها جاءت بعد 20 سنة من خروج آخر رئيسة للبرلمان الأوروبي، الفرنسية نيكول فونتين، التي كرّست الكثير من عملها لأجل منح الفرنسيات حق الإجهاض الحر.
واعتبر عضو البرلمان الأوروبي عن اليسار، نيكولاي فيلومسن، بحديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، أنها "مفارقة تستدعي التأمل ومراجعة الكثير، وخصوصاً لناحية المساواة التي ليست دائماً بخير، وللأسف الأمور لا تسير كما نأمل".
وأظهرت ميتسولا، ببراغماتيتها وكاريزما شخصيتها، قدرة على جعل موقف يسار الوسط (الاجتماعيين الديمقراطيين)، ينقسم بين مصوّت لها وضدها، لا التصويت ككتلة واحدة.
وبيّنت بعض النتائج التي ذكرها فيلومسن أنّ "الانقسام وصل حتى ليسار الوسط الدنماركي الذي صوّت بعضه لمصلحتها، رغم انتقاده موقفها المتشدد من الإجهاض". وذلك برأي البعض "لمنع وصول مرشحي اليسار والخضر إلى رئاسة البرلمان"، مع غياب مرشح يسار وسط.
موقفها من الإجهاض لا يعني "فرض رأيها"، إذ أكدت أنها مستعدة للنضال من أجل الدفاع عن آراء الأعضاء وليس رأيها الشخصي. وفي الاتجاه نفسه تعتقد ميتسولا أنّ الاتحاد الأوروبي "يجب أن لا يتدخل في هذه القضية الحساسة، بل تركها تقرر وطنياً".
Warmest congrats @RobertaMetsola on your election as @Europarl_EN President.
— Ursula von der Leyen (@vonderleyen) January 18, 2022
As the 3rd woman to head this noble house, your hard work & determination are an inspiration to us all.
We’ll work closely together for the EU‘s recovery and a green, digital & bright European future. pic.twitter.com/41G1anxJI6
وكانت كتلة اليسار صوتت لمصلحة اليسارية الإسبانية سيرا ريغو التي حصلت على 57 صوتاً، فيما حصلت عن الخضر السويدية أليس باه كونكي على 101 صوت. وكان مرشح اليمين المتشدد في البرلمان الأوروبي كوزما زلوتوفسكي قد سحب ترشيحه.
الموقف المحافظ من الإجهاض لا يمنع وجود مواقف أخرى لافتة تتبناها ميتسولا، ولا سيما تعزيز مبادئ دولة القانون بالفصل بين السلطات، وحرية الصحافة التي عانت خلال السنوات الأخيرة ضغوطاً في القارة العجوز، وفي بلدها مالطا بعد قتل الصحافية الاستقصائية دافني كاروانا غاليزيا في 2017.
وفي القضيتين، ورغم الانتماء للمحافظين، ستجد الرئيسة الجديدة للبرلمان الأوروبي نفسها في مواجهة مع سياسات المجر وبولندا، المتهمة بضرب حرية الصحافة ومبادئ دولة القانون عبر تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاء.
وبالإضافة إلى ذلك تعمل ميتسولا على تبني أوروبا لسياسات هجرة ولجوء مشتركة وملزمة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ملف سيفتح أيضاً الكثير من السجالات؛ بسبب تحفظات دنماركية وأوروبية شرقية تعارض فرض سياسة موحدة.
مهام رئيسة البرلمان الأوروبي أساسية في العمل الأوروبي المشترك، فمن بين أمور أخرى، سيتعين على ميتسولا قيادة العمل اليومي في هذا التجمع النيابي الضخم ومئات اللجان المنبثقة منه، فهي ستكون جهة الاتصال مع باقي مؤسسات النادي الأوروبي والعالم الخارجي على المستويات البرلمانية.