استعرض الرئيس الإيراني حسن روحاني، اليوم الاثنين، في مؤتمر صحافي قبل 7 أشهر من انتهاء ولايته الثانية والأخيرة، جردة حساب لحكومته في المجالين الاقتصادي والسياسة الخارجية، قائلاً إنه تولى رئاسة الجمهورية في "أصعب الفترات".
وقال الرئيس الإيراني إنه نفذ وعوده الانتخابية للناخبين خلال ولايته الأولى، من خلال تحريك عجلة الاقتصاد واتخاذ سياسة خارجية للتعامل البنّاء مع الخارج و"إرساء الحقوق النووية" لإيران، مشيراً في السياق إلى الاتفاق النووي المبرم مع المجموعة الدولية عام 2015، حيث قبلت إيران بتعهدات نووية وإخضاع برنامجها النووي لـ"رقابة صارمة" من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل إلغاء العقوبات المفروضة على بلاده.
غير أن روحاني أكد أن طهران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، واجهت "حرباً اقتصاديةً شديدةً"، فاقمتها ظروف تفشي كورونا في البلاد منذ قرابة عام، ليحمّل هذه الحرب وكورونا مسؤولية الأزمة الاقتصادية الراهنة في إيران.
وأكد روحاني أن الحرب الاقتصادية التي شنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضدنا "قد فشلت"، قائلاً إن الحكومة تعمل لإلغاء العقوبات الأميركية خلال ولايتها الباقية، مؤكداً أنها "لن تسمح لمن يريد تأجيل إلغاء العقوبات، بتأخير ذلك لثوانٍ"، في تحذير لخصومه السياسيين من التيار المحافظ.
وتلمّح هذه التصريحات إلى رغبة الحكومة الإيرانية في الدخول في مفاوضات مع الإدارة الأميركية المقبلة، حيث سبق أن اعتبر روحاني نفسه خسارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابات الأميركية وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن "فرصة" لإلغاء العقوبات.
وشدد على أنه "في حال عودة بقية الأطراف إلى تنفيذ تعهداتها، سنعود نحن أيضاً إلى التزاماتنا"، في إشارة إلى التعهدات التي أوقفت إيران تنفيذها خلال العامين الأخيرين، رداً على تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي و"المماطلات" الأوروبية في تنفيذ تعهداتها الاقتصادية.
وعلى ما يبدو، قصد روحاني في حديثه عن أن الحكومة لن تسمح بتأجيل رفع العقوبات، البرلمان الإيراني، الذي أقرّ قبل أسبوعين مشروعاً من شأنه أن ينهي الاتفاق النووي، من خلال إلزام الحكومة بخطوات نووية حساسة، مثل إنهاء العمل بموجب البروتوكول الإضافي الذي تعهدت به طهران "طوعاً" في الاتفاق، وبموجه فرضت "رقابة مشددة" على البرنامج النووي الإيراني.
وأعرب روحاني عن تفاؤله بعودة الإدارة الأميركية المقبلة إلى الاتفاق النووي، داعياً هذه الإدارة إلى العودة إلى تنفيذ تعهداتها وإلغاء العقوبات، وأكد أنه في هذه الحالة، ستعود إيران عن خطواتها النووية.
ودعا روحاني الرئيس الأميركي المنتخب إلى العودة إلى ظروف ما قبل 2017، أي قبل تولي ترامب السلطة في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي معرض الردّ على سؤال عمّا إذا كانت الحكومة ستنفذ القانون الذي أقره البرلمان تحت عنوان مشروع "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات"، أكد روحاني معارضة الحكومة لهذا القانون، مشيراً إلى أن هناك "إجماعاً في الحكومة يرى أن هذا القانون ليس في مصلحة البلاد".
وأضاف أنه طلب من الوزراء المعنيين إعداد نظام داخلي لتنفيذ القانون، لكنه ألمح إلى أن الحكومة لن تنفذ ما ورد في القانون من خطوات نووية، تعتبر أن تنفيذها لا يؤدي إلى إلغاء العقوبات الأميركية، بل ستنفذه حسب تفسيرها المتوافق مع العنوان، إذ قال إن "تفسيرنا للقانون والنظام الداخلي الذي سيقر بناءً على هذا التفسير، هو في إطار عنوان القانون"، الذي يحمل "الإجراء الاستراتيجي لرفع العقوبات".
وأضاف أن الحكومة ستنفذ "القانون بما يرفع العقوبات وليس أن يؤخر إلغاءها"، ما يعني التهرب من التنفيذ.
وكان البرلمان قد أقرّ، في الثاني من الشهر الجاري، مشروع "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات"، وسط خلافات مع الحكومة، وتحول إلى قانون بعد مصادقة مجلس صيانة الدستور عليه فوراً، ليلزم الحكومة الإيرانية على خطوات نووية، أبرزها إنهاء العمل وفق البروتوكول الإضافي الذي تعهدت بموجبه طهران "طوعاً" بإخضاع منشآتها النووية لـ"رقابة صارمة"، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20% وحتى أكثر من ذلك "إذا استدعت الحاجة".
غير أن البرلمان الإيراني قد منح شركاء الاتفاق (مجموعة 1+4) مهلة شهرين قبل دخول سريان القانون لتمكين إيران من الحصول على منافعها الاقتصادية من الاتفاق النووي، محدداً عقوبات قضائية ضد أي جهة إيرانية لا تلتزم القانون. إلا أن مراقبين إيرانيين يرون أن أمام روحاني خياراً لإلغاء هذا القانون، وذلك من خلال إحالته على هيئة حلّ الخلافات بين رؤساء السلطات الثلاث.
وكان ينبغي أمس الثلاثاء، حسب القانون الإيراني، أن يبلغ الرئيس الإيراني القانون الجديد الذي أقره البرلمان لأجهزة الدولة، لكنه رفض ذلك وقام به رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف.
روحاني: الاتفاق النووي ليس قابلاً للتفاوض مرة أخرى، والقضايا الصاروخية والإقليمية ليست لها أي علاقة بالقضية النووية
وحول ما إذا كانت إيران لديها شروط مسبقة لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، أشار روحاني إلى عدم وجود شروط إيرانية، معتبراً أن وضع الشروط "يعني إطالة أمد العقوبات"، غير أنه أكد في الوقت ذاته أن بلاده "ستعود إلى تعهداتها بالكامل، في حال تنفيذ كامل للالتزامات من قبل بقية الأطراف".
وتعليقاً على سؤال عن دعوات أميركية وأوروبية لتوسيع الاتفاق النووي وضم برنامج إيران الصاروخي ودورها الإقليمي إلى الاتفاق، أكد رفض إيران "أي شروط مسبقة من أي أحد"، معتبراً أن ذلك مشروع ترامب. وأضاف: "لم نسمع أن بايدن قد طرح اتفاقاً آخر للعودة إلى الاتفاق النووي"، مؤكداً أن هذا الاتفاق "ليس قابلاً للتفاوض مرة أخرى، وأن القضايا الصاروخية والإقليمية ليست لها أي علاقة بالقضية النووية".
وأشار إلى أن طهران سبق أن رفضت مناقشة هذه القضايا في المفاوضات المؤدية إلى الاتفاق النووي مع الأطراف الأوروبية والأميركية في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
وفي السياق، قال إن "ترامب لم يكن على علم، لكن بايدن يعلم ما طرح خلال المفاوضات (السابقة). هذه القضايا لا يمكن التفاوض بشأنها. ما على الطاولة أن يعود الجميع إلى التزاماتهم".
اغتيال فخري زادة
وفي معرض الردّ على سؤال بشأن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، جدد روحاني توجيه الاتهام إلى الاحتلال الإسرائيلي بـ"ارتكاب الجريمة"، قائلاً إن "الهدف الأساسي للكيان الصهيوني هو إشعال حرب في الفترة الباقية لولاية ترامب".
وعن الرد الإيراني على الاغتيال، أكد روحاني أن بلاده سترد، لكن "في الزمان والمكان المناسبين"، مشدداً على أنها "لن تسمح للآخرين بتحديد هذا الزمان والمكان"، في إشارة غير مباشرة إلى أن الرد لن يكون خلال الفترة الباقية لولاية ترامب، بالنظر إلى اتهامه للاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ الاغتيال لإشعال حرب مع إيران.
غير أن تهديدات الحرس الثوري الإيراني اتخذت طابعاً تصاعدياً خلال الفترة الأخيرة، مع حديث أوساط مقربة من المؤسسة العسكرية الإيرانية أن طهران تبحث عن أهداف لمهاجمتها رداً على الاغتيال، مشيرة إلى أن الرد "سيكون قريباً". وليس واضحاً بعد إن كانت تصريحات روحاني اليوم نابعة من توجه صناع القرار الإيراني، أو أنها تكشف عن خلافات حول توقيت الردّ على اغتيال فخري زادة.
وعن التوتر الأخير الذي نشب بين إيران وتركيا على خلفية أبيات شعرية ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس الماضي، في احتفال بالعاصمة الأذربيجانية باكو، قال روحاني إنه تبين لبلاده من خلال تأكيدات المسؤولين الأتراك أن أردوغان لم يقصد الإساءة إلى وحدة الأراضي الإيرانية، والسيادة الإيرانية، معتبراً أن "المسألة قد انتهت".
وأكد روحاني أهمية العلاقات بين تركيا وإيران وعمقها في مختلف المجالات.