في خطاب مطوَّل، يشبه خطبة وداع، أسهب الرئيس الإيراني حسن روحاني، اليوم الأربعاء، في الدفاع عن حكومته وسجلها، مقدماً شرحاً مفصلاً عن تطورات الاتفاق النووي وإدارته البلاد، في ظل الحرب الاقتصادية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيران بعد انسحابه من الاتفاق عام 2018.
واليوم الأربعاء تصادف الذكرى السادسة لتوقيع الاتفاق النووي بين طهران والمجموعة السداسية الدولية المكونة من الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، ولذلك اعتبر روحاني الاتفاق نتيجة لـ"التعامل البناء والدبلوماسية الدولية".
وأشاد الرئيس الإيراني، الذي تنتهي ولايته في الثالث من أغسطس/ آب القادم، بالاتفاق النووي ودافع عنه، متهماً إسرائيل والسعودية ومن وصفهم بـ"الرجعية في المنطقة" والمعارضة الإيرانية والمتطرفين الأميركيين باستغلال تولي ترامب الذي وصفه بأنه "مجنون سياسي" لدفعه إلى الانسحاب من الاتفاق النووي.
ويسلّم روحاني السلطة التنفيذية، الشهر المقبل، للرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية يوم 18 يونيو/ حزيران الماضي، التي رافقها جدل واسع بعد رفض أهلية المرشحين الإصلاحيين ومرشحين بارزين آخرين، أمثال رئيس البرلمان السابق المحافظ المعتدل علي لاريجاني والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
وصوّب روحاني أيضاً سهامه على المعارضين للاتفاق في الداخل الإيراني من المحافظين، الذين قال إنهم "روجوا أنه من خلال الاتفاق النووي بيعَت الصناعة النووية"، محملاً إياهم بطريقة غير مباشرة مسؤولية الوضع الراهن وتعرض بلاده للعقوبات.
وأوضح الرئيس الإيراني أن التطورات النووية أثبتت عكس هذا الادعاء "والصناعة النووية الإيرانية ظلت قوية خلال الشهور الأخيرة، زادت من قوتها وأظهرت أن منظمة الطاقة الذرية (الإيرانية) يمكنها بقدراتها وقوتها تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 و60 في المائة، واذا كنا يوماً بحاجة إلى التخصيب بدرجة نقاء تصل إلى 90 في المائة، فلن نواجه مشكلة في إنتاجه لمفاعل طهران".
وحمّل روحاني البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون مسؤولية عدم إلغاء العقوبات الأميركية على إيران، من خلال إقرار قانون "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات"، وذلك من خلال القول إنه "يا ليت لم يكن يوم 1 ديسمبر (2020)" ولو كان هناك التزام في هذا الشهر بالمادة الـ60 للدستور لكانت جميع العقوبات قد ألغيت خلال مارس".
يسلم روحاني السلطة التنفيذية، الشهر القادم، للرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية يوم 18 يونيو/حزيران الماضي
ويوم 1 ديسمبر/ كانون الأول الماضي هو اليوم الذي أقرذ فيه البرلمان الإيراني قانون "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات" الذي جاء بعد أيام من اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة رداً عليه، وهو ينص على تنفيذ خطوات نووية تصعيدية، لإجبار الأطراف الأخرى على العقوبات، منها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة، ثم 60 في المائة، وكذلك تعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي الذي يحكم الرقابة الدولية الصارمة على البرنامج النووي الإيراني، فضلاً عن خطوات أخرى.
وحول المادة الـ60 للدستور الإيراني، قال روحاني إنه لم يُلتزم بها بإقرار هذا القانون، وتنص على أنه "يتولى رئيس الجمهورية والوزراء ممارسة السلطة التنفيذية باستثناء الصلاحيات المخصصة للقائد مباشرة بموجب هذا الدستور".
وأضاف أنه "لو كانت المادة الـ60 للدستور سارية المفعول ويوم الواحد من ديسمبر لم يحدث ذلك، لكانت العقوبات قد رفعت عن الشعب خلال مارس، ولكان المواطنون اليوم يشهدون ظروفاً مختلفة في البلاد، وإن الأشهر الأربعة الماضية كان الوضع فيها مختلفاً"، مؤكداً أنه "قد أعدت المائدة والعمل قد أصبح جاهزاً"، في إشارة غير مباشرة إلى أن الاتفاق في مفاوضات فيينا بات جاهزاً.
لكنه في السياق، تابع بالقول: "لقد حُرموا الفرصة من الحكومة الـ12، لكننا نأمل أن تكمل الحكومة الـ13 هذا العمل"، في إشارة إلى المفاوضات والتوصل إلى الاتفاق فيها.
وأوضح أن الحكومة "أنجزت ما كان لازماً في مسألة العقوبات خلال هذه الشهور"، مشيراً إلى تقرير أرسلته الخارجية الإيرانية، الاثنين إلى البرلمان تشرح فيها حسب روحاني أنه "كيف كان المشهد وأين وصلنا واليوم أين نقف".
ويتناول التقرير الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، تطورات الاتفاق النووي منذ توقيعه ونتائج ذلك، مروراً بالانسحاب الأميركي منه والعقوبات التي أعيد فرضها على إيران والخطوات النووية الإيرانية رداً عليه، ووصولاً إلى مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا، وما اتُّفق عليه حتى الآن في هذه المفاوضات.
اليوم الأربعاء يصادف الذكرى السادسة للتوقيع على الاتفاق النووي بين طهران والمجموعة السداسية الدولية
ويؤكد التقرير الذي أرسله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للبرلمان أن العقوبات التي اتُّفِق على رفعها إذا ما حصل اتفاق نهائي في مفاوضات فيينا، فإنها تشمل "جميع العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق النووي (بعد توقيعه عام 2015)، فضلاً عن جميع العقوبات التي فرضها ترامب، بينما لم يكن بمقدور أميركا وضعها في حال استمرار عضويتها بالاتفاق النووي".
واللافت هنا أن الولايات المتحدة قد وافقت على رفع العقوبات عن مؤسسة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي والمجموعات التابعة لها وإخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية.
ويشير التقرير إلى عملية اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، "فقط بعد ثلاثة أسابيع من انتخاب بايدن"، واصفاً بأنه أول تجسيد عملياتي للتوجه الإسرائيلي الشامل لتدمير أو أقله تعقيد إمكانية عودة بايدن للاتفاق النووي".
وأورد التقرير أن إسرائيل "نجحت نسبياً في منع بايدن من عودة سريعة للاتفاق النووي"، لكن الخارجية الإيرانية انتقدت بشكل غير مباشر ردود فعل إيران على الاغتيال وحوادث أخرى، حيث أكدت في تقريرها أن "ردود الفعل الداخلية على استشهاد الدكتور فخري زادة وتفجير نطنز منها وقف تنفيذ البروتوكول الإضافي (الذي يحكم الرقابة الدولية على البرنامج النووي) وبدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمائة عقّدت عودة أميركا للاتفاق النووي".
وأضافت أن "المحاولات الثنائية لإيران وأميركا لصناعة أدوات ضغط تمثل أحد عوامل تعقيد عودة بايدن للتعهدات بالاتفاق النووي وإطالة أمدها".
شكاوى ظريف
وفی الجزء الأخير للتقرير بعنوان "وآخر دعوانا"، ينتقد وزير الخارجية الإيراني الخلافات الداخلية بشأن الاتفاق النووي، قائلاً: "لو كنا نسعى إلى تحقيق منافع قصوى من الاتفاق النووي، بدلاً من الجدال في ما إذا كان الاتفاق بمثابة انتصار حتمي أو فشل كامل ـ ولم يكن أي منهما بكل حتم ـ لربما كانت الظروف اليوم مختلفة".
وينتقد ظريف عدم التوازن في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الشرق والغرب، حيث يقول: "لو كنا نصل إلى إجماع وطني على ضرورة العمل المتوازن مع الشرق والغرب، ومن جهة لم نكن نزعج أصدقاءنا في أيام المحن، ومن جهة ثانية، كنا نوظف جميع إمكانات وقدرات الاتفاق النووي لإيجاد منافع اقتصادية أساسية مع جميع اللاعبين ـ مع شمول الفروع الخارجية للشركات الأميركية ـ لكانت النتيجة عدم إحباط أصدقائنا ولم يكونوا يتركوننا خلال فترة المحنة، وكما أن ترامب كان يواجه عقبة المستثمرين الدوليين الأساسية، منها في الداخل الأميركي في ممارسة الضغوط القصوى".
وختم ظريف التقرير بالقول: "الآن أفضل فرصة لخلق التلاحم والتعاضد، فالنجاح في مفاوضات فيينا الأخيرة والفشل النهائي لسياسة الضغوط القصوى من خلال عودة أميركا إلى تعهداتها بالاتفاق النووي، من شأن ذلك أن يؤسس لفضاء جديد لسياسة البلاد ويشكل فرصة للتوظيف الأقصى لجميع قدرات الاتفاق النووي مع تأصيل العلاقات مع جميع الشركاء وإيجاد توازن في العلاقات الاقتصادية الخارجية ـ مع الاتكال على الاقتصاد المقاوم المعتمد على الفرص الداخلية والخارجية ـ لتحقيق نمو وازدهار منقطع النظير للبلاد والأجيال القادمة".
وأوضح أن "برنامج التعاون مع الصين لـ25 عاماً والعلاقات الاستراتيجية مع روسيا وسياسة الجوار ومنح الأولوية للجيران (في العلاقات) والاستفادة القصوى من تعهدات الدول الغربية بالاتفاق النووي تشكل أرضية مناسبة لتحقيق هذا المستقبل".