21 نوفمبر 2020
+ الخط -

أظهر المؤتمر الصحافي لرودي جولياني الذي انساب خلاله صباغ شعره على جانبي وجهه وإعلانه بأن الزعيم الفنزويلي المتوفى منذ سنوات هوغو تشافيز تسبب في هزيمة الرئيس دونالد ترامب بالانتخابات، أن هذا المحامي لم يعد "رئيس بلدية أميركا".
فالإشادات التي لقيها جولياني لشجاعته الهادئة في قيادة مدينة نيويورك بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، تلاشت بعد عدد من التصريحات الغريبة عن أن الديمقراطيين ووسائل الإعلام والدكتاتور الفنزويلي الراحل هم من حرموا ترامب من الفوز بولاية جديدة.


ومؤتمره الصحافي الخميس، الذي روج خلاله لنظريات مؤامرة في الانتخابات من دون تقديم أي دليل، كان آخر عروضه الجريئة ومن دون أدلة، دفاعا عن ترامب الذي خسر في انتخابات الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني أمام الديمقراطي جو بايدن لكنه يرفض الإقرار بالهزيمة.
وقال جولياني "لا يمكننا السماح لهؤلاء المحتالين، لأنهم بالفعل كذلك، أن يسرقوا انتخابات من الشعب الأميركي. لقد انتخبوا دونالد ترامب. لم ينتخبوا جو بايدن"، متجاهلا فارقا بنحو ستة ملايين صوت بين المرشحين لصالح بايدن.
ووصف حاكم ميريلاند الجمهوري لاري هوغان المؤتمر الصحافي بـ"الكارثي".


من جهته، اعتبر كريس كريبس مدير وكالة أمن الانتخابات الذي أقاله ترامب مؤخرا المؤتمر الصحافي بأنه "أخطر ساعة و45 دقيقة من التلفزيون في التاريخ الأميركي. وربما الأكثر جنونا".
20 ألف دولار بالساعة؟
ذكرت "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع أن جولياني طلب مبلغ 20 ألف دولار يوميا مقابل تصريحاته دفاعا عن ترامب، لكن التقرير قال إن المبلغ النهائي لم يُعرف.
وبغض النظر عن المال، يقول روبرت بولنر محرر كتاب عن جولياني إن المدعي العام الفيدرالي السابق الذي أصبح رئيسا لبلدية نيويورك لطالما كان "انتهازيا سياسيا لا يهدأ" ولم تكن المصداقية من أولوياته.

وجاءت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول لتفتح الطريق أمام جولياني لمهام أكبر، وشبهه أحد الكتاب في رده على الهجمات بونستون تشرشل. لكن ذلك ربما كان أفضل لحظات جولياني.
فقد كان يتطلع إلى مقعد البيت الأبيض في 2008، لكن استراتيجية أولية مشكوك بها فشلت، كما فشل اعتماده على سجله في 11 سبتمبر/ أيلول من دون تطوير منصة أوسع.
وقال بايدن الذي سعى في ذلك العام أيضا لنيل ترشيح الحزب الديموقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية "ثلاثة أشياء فقط يذكرها في الجملة: اسم وفعل و11 سبتمبر/ أيلول".
الحقيقة ليست حقيقة
وفشل مساعيه في 2008 جعله تائها. لكن صديقه النيويوركي القديم وحليفه السياسي فتح له طريقا. وقال بولنر إن "جولياني رأى طريقا نحو السلطة نتيجة صداقته مع ترامب ولم ينظر بعدها إلى الخلف".
فطاقته واستعداده للدفاع عن ترامب في أي شيء جعل وجوده ضروريا. وعندما هدد تسجيل محرج فرص ترامب في انتخابات 2016، أجرى جولياني سلسلة من المقابلات التلفزيونية للتقليل من أهمية المسألة لتفقد أي تأثير لها.
بعد الانتخابات لم يلب ترامب رغبته في تعيينه وزيرا للخارجية لكن جولياني بالكاد تأثر. فقد جنى ملايين الدولارات من دول وشركات تحتاج إلى شخص مؤثر على اتصال مباشر بالمكتب البيضاوي.
في مطلع 2018 استعان الرئيس بخدماته في حربه على تحقيق روبرت مولر بشأن التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية عام 2016.

وبأسلوبه المحب للظهور مثل ترامب، أصبح جولياني وجها دائما على التلفزيون مدافعا عن ترامب ومتهما المحققين ووسائل الإعلام بالفساد والانحياز. وكان يفرط في الحديث إلى حد أن يناقض ما قاله قبل لحظات، أو كما حصل في أغسطس/ آب 2018 على شبكة "إن بي سي"، عندما دافع عن الرئيس بعبارات مثل "الحقيقة ليست حقيقة".
إجراءات عزل
لكن جهود جولياني تسببت أيضا بمشكلات. وتحسبا لترشح بايدن أمام ترامب في 2020، قاد جولياني في أواخر 2018 مساعي لإيجاد معلومات تسيء إلى الديمقراطي وابنه الذي قام بأنشطة تجارية في أوكرانيا.
وبناء على ما قال جولياني إنه توصل إليه، جمّد ترامب مساعدات إلى أوكرانيا وطلب من رئيسها تسليم أدلة مفترضة عن تورط بايدن في فساد.
وهذا التصرف غير القانوني جعل ترامب ثالث رئيس في التاريخ يواجه إجراءات عزل.
ويبدو أن مساعي تغيير مسار الهزيمة الواضحة لترامب في الانتخابات، هي أكبر التحديات العقيمة لجولياني. فالمؤتمر الصحافي المهم الذي دعا له بعد الاقتراع لم يكن سوى إيجاز صحافي قوبل بسخرية كبيرة بعدما اتضح أن مكان انعقاده لم يكن فندق "فور سيزنس" الفخم في فيلادلفيا، كما غرّد ترامب، إنما حديقة بين محرقة جثث ومتجر لكتب البالغين، هي "فور سيزنس توتال لاندسكيبنغ".
وما فاقم المهزلة انعقاد المؤتمر الصحافي فيما كانت الشبكات الإخبارية الأميركية تعلن خسارة ترامب الانتخابات بعد أربعة أيام من فرز بطاقات الاقتراع.
والعديد من الشكاوى القضائية التي رفعها جولياني سحبت أو أبطلت لعدم توفر الأدلة. وفي مثوله أمام محكمة هذا الأسبوع ظل يندد بتزوير الانتخابات إلى أن أجبره القاضي على الإقرار بأن الشكوى التي يتم النظر فيها لا تتعلق بتزوير.

في مؤتمره الصحافي الخميس قال إن لديه أدلة عن جرائم متصلة بالانتخابات، لكنه لم يعرضها. وبعض الأدلة الأخرى التي عرضها، مثل تصريحات لشهود عيان مفترضين، سرعان ما فضحتها وسائل إعلام.
لكن ذلك لم يثنه. وقال "لدينا أدلة كافية من دون ذلك لإلغاء هذه الانتخابات. حصلنا عليها من إفادات مواطنين أميركيين لكن ما نتحدث عنه الآن مسألة تتعلق بالأمن القومي". وأضاف "إذا لم تكن هذه عنوانا رئيسيا غدا، فإنكم لا تعرفون ما معنى العنوان الرئيسي".
(فرانس برس، العربي الجديد)