روسيا تجند شباناً سوريين: منطقة النفوذ تتسع

10 مارس 2021
بدأ المجندون العمل تحت وصاية الشرطة الروسية (فرانس برس)
+ الخط -

في ظل التنافس الروسي – الأميركي شرق سورية، يبرز لجوء روسيا إلى تجنيد شبان سوريين، مدنيين أو عسكريين من فصائل المعارضة المنخرطة بالمصالحات. وتهدف روسيا من خلال ذلك لأمرين، الأول زيادة حجم تواجدها شرق سورية مقابل الوجود الأميركي، والثاني حماية مصالحها هناك. وحصلت "العربي الجديد" على معلومات من مصادر خاصة تؤكد بأن الشرطة العسكرية الروسية جندت مئات الشبان، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، ومن مختلف المحافظات لدفعهم نحو البادية السورية. وتهدف موسكو من عمليات التجنيد حماية المنشآت النفطية التي تُسيطر عليها في محافظة دير الزور شرق البلاد، ومطار القامشلي ومحيطه بريف الحسكة، بالإضافة إلى نشر القوات الروسية حواجز عسكرية جديدة لها على طريق إثريا – خناصر بين محافظتي حماة وحلب ضمن البادية، بهدف حماية القوافل النفطية المتجهة إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

جندت الشرطة العسكرية الروسية، خلال الـ 15 يوماً الماضية، أكثر من 1650 شاباً

وأشارت المصادر إلى أن الشرطة العسكرية الروسية، وعبر مكاتبها الأمنية المنتشرة في معظم المحافظات السورية، جندت خلال الـ 15 يوماً الماضية، أكثر من 1650 شاباً، 65 في المائة منهم من المدنيين، وجُلهم من محافظات دمشق واللاذقية وأرياف حماة الجنوبي وحمص الشمالي وحلب، وذلك بغية حماية حقل التيم النفطي بالقرب من مدينة موحسن جنوب محافظة دير الزور شرق البلاد، وبلدة تل تمر بريف الحسكة، ومطار القامشلي الذي تُسيطر عليه القوات الروسية.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وأكدت المصادر أن مدة عقد كل متعاقد مع الروس تبلغ ستة أشهر، براتب شهري بقيمة 300 دولار أميركي للعنصر، و400 دولار لقائد المجموعة، مقابل 20 يوماً متواصلة في حماية الحقل والآبار والمطار، و10 أيام إجازة في الشهر. ونوهت إلى أن 70 في المائة من الشبان دخلوا ضمن نطاق الخدمة، بعد نقلهم عبر 23 حافلة، جُلها انطلقت من ريف دمشق وحلب وحمص. وأضافت أن 10 حافلات أخرى نقلت مُجندين، الإثنين الماضي، من دوار الزراعة في محافظة اللاذقية إلى حقل التيم.

وكشف مصدر، لـ"العربي الجديد"، أن "الفرع 217" التابع للمخابرات العسكرية في الجهاز الأمني للنظام، جند قبل ثلاثة أشهر نحو 430 شاباً، من المدنيين وعناصر من مناطق التسويات بعقود نصف سنوية، شرط أن يكون مضى على التحاقهم بالتسوية ستة أشهر قبل توقيع العقد الحالي، بالإضافة للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية. وأوضح أنهم بدأوا العمل بشكل رسمي تحت وصاية الشرطة الروسية داخل حواجزها المنتشرة على طريق إثريا – خناصر، بالإضافة إلى حماية آثار تدمر وقلعتها الأثرية بريف حمص الشرقي. وأشار المصدر إلى أن الأشخاص، الذين جندهم "الفرع 217"، حصلوا على بطاقات أمنية لتسهيل مهمة حاملها وحمايته من الملاحقة الأمنية، بالإضافة إلى تقاضيهم رواتب شهرية قدر أحدها 200 دولار أميركي، وسلة غذائية شهرية يُقدر ثمنها بـ 100 ألف ليرة سورية (نحو 25 دولاراً)، وحوافز أخرى تشمل مصاريف الطعام والشراب والسجائر. ولفت إلى أن "روسيا زودت العناصر بأسلحة فردية متطورة، ونشرتهم على الحواجز العسكرية التابعة لها في البادية، بعد تدريبات لمدة 15 يوماً بأرياف حلب الجنوبية وحماة الغربية. وتتضمن مهمتهم كذلك حماية القوافل النفطية المتجهة من مناطق سيطرتها بدير الزور إلى عمق المناطق التي يسيطر عليها النظام في حماة واللاذقية ودمشق".

حصل أشخاص، جندهم "الفرع 217"، على بطاقات أمنية لتسهيل مهمة حاملها وحمايته من الملاحقة الأمنية

ونوه المصدر إلى أن القوات الروسية زادت في الآونة الأخيرة من حملات التجنيد للشبان في مناطق النظام، بعد تكثيف تنظيم "داعش" هجماته على قوافل نفطية ونقاط عسكرية للمليشيات المرتبطة بروسيا ضمن البادية الممتدة من محافظة دير الزور شرق البلاد، وصولاً إلى مدينتي تدمر والسخنة شرق حمص. وكانت هجمات "داعش" أدت إلى مقتل العشرات من عناصر تلك المليشيات، وجُلهم من "الفيلق الخامس"، و"الفرقة 25 مهام خاصة"، و"فيلق القدس" الفلسطيني، و"الدفاع الوطني"، المدعومين من روسيا، بعدما كلفتهم بمهمات سابقة لتمشيط البادية من خلايا التنظيم. وأضاف أن هجمات "داعش" أجبرت روسيا على سحب أربعة أرتال عسكرية خلال الشهرين الأخيرين، ثلاثة منها لـ"الفيلق الخامس"، من جبهات إدلب وتحديداً من محيط معرة النعمان، باتجاه البادية السورية، وتحديداً منطقة إثريا – خناصر جنوب حلب وشرق حماة.

ولمح المتحدث الرسمي باسم "مجلس القبائل والعشائر السورية" مضر حماد الأسعد إلى أن حملات التجنيد لا تستهدف فقط الشبان من المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام، بل إنها تشمل كذلك المحافظات الشرقية وحتى المناطق الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية" و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد). وقال الأسعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "حملات التجنيد التي تقوم بها روسيا، تهدف لتوسيع نطاق سيطرتها في المنطقة الشرقية ومنطقة البادية، بعد أن وجدت نفسها ضعيفة، لأن القوى المتواجدة في المنطقة لديها الآلاف من المرتزقة والعناصر، سواء مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي، أو المليشيات الإيرانية، وحتى النظام السوري". وأشار إلى أن "هناك تنافسا كبيرا جداً بين هذه الأطراف في منطقة الشامية ومنطقة الفرات ضمن البادية السورية". وتابع الأسعد "منذ العام 2019 تعمل روسيا على محاولة كسب ود العشائر العربية والشباب العرب، من خلال تقديم رواتب مجزية لهم، وكذلك الدعم السياسي والإعلامي والأمني للحفاظ على كل المنتسبين للمليشيات الروسية ومنع التعدي عليهم من قبل النظام السوري أو مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي".

وأشار الأسعد إلى أن روسيا عقدت أكثر من اجتماع في القامشلي وتل تمر شمال الحسكة، وفي إثريا شرق حماة، ودير الزور ومدينة الميادين شرقها، بهدف تجنيد الشباب ضمن المليشيات، التي تدعمها موسكو، وخاصة "الفيلق الخامس"، وكذلك من أجل تقوية النظام السوري في المنطقة. وقال "حالياً نجد أن القوات الروسية ومرتزقتهم يسيطرون على مطار القامشلي وبعض المطارات في حمص والبادية السورية، بالإضافة إلى المنطقة التي يسيطر عليها النظام في جنوب محافظة الرقة". وأكد أن "روسيا تسعى لتعزيز تواجدها في المنطقة وحماية منشآتها النفطية وقواعدها من خلال تجنيد المرتزقة العرب، وكذلك من أجل تقوية النظام ضد التمدد الذي تقوم به المليشيات الإيرانية والعراقية وحزب الله اللبناني ومليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي".
وأعرب الأسعد عن اعتقاده بأن "هناك عملية تماه كبيرة جداً بين روسيا وأميركا في سورية. فأميركا هي التي سمحت لروسيا بالتدخل في المنطقة الشرقية، وطلبت منها حماية النقاط المنتشرة هناك، وخاصة المنشآت النفطية". وأضاف أن "الوجود الروسي في جنوب منطقة عمليات نبع السلام هو الذي يمنع الجيش الوطني المعارض من اقتحام هذه المناطق والسيطرة عليها، وإبعاد مليشيات قسد، حلفاء واشنطن، وكذلك النظام السوري عنها. كما أن الدوريات العسكرية الروسية لا تزال تجوب المنطقة، بالإضافة لوجود بعض النقاط والقواعد العسكرية في بلدة عين عيسى والقامشلي وفي تل السمن". واعتبر أنه "لولا الوجود الروسي في هذه المناطق لكان اقتحمها الجيش الوطني وسيطر عليها مع حليفه التركي". وكشف أنه "تم، من ضمن الذين تم تجنيدهم من قبل روسيا في مناطق الجزيرة والفرات والسويداء وجنوب دمشق وباقي المحافظات السورية، إرسال قسم منهم إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات (اللواء المتقاعد خليفة) حفتر والدفاع عنه، بذريعة حماية المنشآت النفطية".

ويجري كل ذلك في خضم تنافس روسي – أميركي لتسجيل السبق في السيطرة على المشهد الميداني شرقي البلاد، الغني بالنفط، إذ أنشأت القوات الأميركية قاعدتين جديدتين لها في المنطقة، بالإضافة إلى تعزيز قواتها بشكل كبير خلال الشهرين الأخيرين. ويتذرع الأميركيون بتقوية نفوذهم شمال شرقي سورية مؤخراً بعودة نشاط "داعش" للتفاقم في البادية، وأحياناً في المناطق التي تسيطر عليها "قسد". ومؤخراً باتت القوات الأميركية هناك تشير إلى مهام جديدة لها، تتمثل بلجم التمدد الروسي والتركي في المناطق التي يسيطر الأكراد عليها. ومقابل ذلك، دخل الروس مع الأميركيين في هذا السباق، إذ تعاظمت حركة الأرتال الروسية من الغرب، وتحديداً من القاعدة العسكرية في حميميم، نحو الشرق. وبموازاة ذلك يعمد الروس لاستمالة الأكراد هناك لتدعيم نفوذهم، ومحاولة زعزعة الهيمنة الأميركية على مكامن الثروة النفطية والزراعية شرق سورية.

المساهمون