مع اتجاه الأوضاع في شمال سورية وشرقها إلى التصعيد، على ضوء العملية العسكرية التركية المتوقعة هناك، تعمد روسيا والنظام السوري إلى التسخين على جبهات إدلب ومحيطها شمال غربي البلاد، في ما يبدو محاولةً لخلط الأوراق وتوجيه رسائل تحذير نارية إلى الجانب التركي.
وخلال الأيام الأخيرة، كثفت قوات النظام من قصفها لأرياف إدلب وحماة وحلب واللاذقية، حيث تنتشر فصائل المعارضة، فيما شنّت الطائرات الحربية الروسية المزيد من الغارات الجوية، التي استهدفت خصوصاً مناطق في ريف إدلب الجنوبي، ما تسبّب في وقوع قتلى وجرحى بين المسلحين والمدنيين. كما حلقت طائرات إيرانية مسيّرة في سماء جبل الزاوية، بالتزامن مع قصف المنطقة من جانب قوات النظام.
من جهتها، قصفت فصائل المعارضة بالمدفعية والصواريخ مواقع قوات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين في أرياف إدلب الجنوبية، وريف حماة الغربي، وريف حلب الغربي، فيما بدأت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بالحشد على جبهة سراقب شرقي إدلب، تحسباً لأي تطورات.
توصل النظام و"قسد" إلى تفاهمات عسكرية محددة لمواجهة العملية العسكرية التركية
وقال فريق "منسقو استجابة سورية" إن النظام ومن خلفه روسيا، مستمران بخرق وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد بإدلب، موضحاً أن الفريق سجّل 2122 خرقاً من قبل النظام وروسيا منذ بداية العام الحالي.
تزامن الغارات واستقدام تركيا تعزيزات عسكرية
ولاحظ مراقبون أن الغارات الروسية تزامنت مع موافقة تركيا على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، إضافة لاستقدام أنقرة تعزيزات عسكرية إلى مناطق ريف حلب الشمالي.
وذكر مراسل "العربي الجديد" أن عدة أرتال عسكرية للجيش التركي عبرت ليلة الأربعاء- الخميس باتجاه مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، واستقرت على خطوط التماس، مع منطقتي منبج وتل رفعت، في ريف حلب، وذلك في إطار التحضيرات لإطلاق العملية العسكرية المرتقبة.
من جهته، ذكر مصدر عسكري من قوات المعارضة، لـ"العربي الجديد"، أن الغارات الروسية الأخيرة استهدفت مواقع حساسة بالنسبة للقوات التركية وفصائل المعارضة، على مقربة من تمركز قوات النظام في مدينة معرة النعمان، وتعد مداخل رئيسية لمنطقة جبل الزاوية، حيث عملت تركيا خلال السنوات الماضية، على إنشاء أربع قواعد عسكرية في تلك القرى.
ورأى المصدر أن التصعيد العسكري الروسي ربما يستهدف توجيه رسائل لأنقرة لردعها عن العملية العسكرية المرتقبة باتجاه تل رفعت ومنبج، من دون أن يستبعد قيام روسيا والنظام بحملة عسكرية موازية للعملية التركية بهدف احتلال جبل الزاوية، لتصبح بعدها مدينة إدلب تحت مرمى قوات النظام.
توافقات النظام السوري و"قسد"
في غضون ذلك، ذكرت مصادر متطابقة من النظام السوري و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أن الجانبين توصلا إلى تفاهمات عسكرية محددة لمواجهة العملية العسكرية التركية، لكن من دون التوصل إلى اتفاق نهائي، بانتظار تقديم "قسد" ما وصفته جريدة "الوطن" الموالية للنظام بـ"تنازلات ميدانية وإدارية للحكومة السورية في المناطق التي تهيمن عليها والمهددة بالغزو".
ونقلت الصحيفة عن "مصادر مطلعة" قولها إن وضع "خطة دفاعية يقتضي تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة بين الجانبين"، على أن يتولى جيش النظام إدارتها، على اعتبار أنه ينتشر على طول خطوط تماس الجبهات المرشحة للتصعيد، وفي المناطق الحدودية مع تركيا.
وأشارت إلى قرب التوصل لاتفاق بتشكيل "غرفة العمليات" وبرعاية روسية، استباقاً للعملية التركية المتوقعة بعد عيد الأضحى باتجاه تل رفعت ومنبج، وهما منطقتا نفوذ روسيا غرب الفرات، وفق الصحيفة.
ولفتت إلى أن موسكو تضع كل ثقلها لإنجاح المفاوضات بين الجانبين، مشيرة إلى أن وفد النظام "أبدى حكمة" في الموافقة على تأجيل النقاش مع "قسد" في مسائل خلافية، كالثروات النفطية والغازية والزراعية والمائية، على اعتبار أن "الأولوية تقتضي الدفاع عن الأراضي السورية، حتى لا يتكرر سيناريو عفرين عام 2018".
وأشارت الصحيفة إلى قبول "قسد" بنشر أعداد كبيرة من قوات النظام في الجبهات المرشحة للتصعيد، على أن تتبع ذلك "قرارات عسكرية وإدارية، يمكن أن تسمح بانتشاره بعمق 30 كيلومتراً على طول الشريط الحدودي مع تركيا لتنفيذ اتفاق أضنة، وسحب أي ذريعة من تركيا بحجة وجود تنظيمات إرهابية على الحدود".
وتوقعت المصادر، التي تستند إليها الصحيفة، نشر المزيد من قوات النظام ضمن مناطق سيطرة "قسد"، خصوصاً في منبج وتل رفعت قبل نهاية عيد الأضحى.
من جهتها، أعلنت "قسد" أن النظام السوري وافق على إرسال "أسلحة نوعية وثقيلة" إلى خطوط التماس في ريفي الرقة وحلب، وذلك لـ"ردع" عملية تركية متوقعة.
وقال المتحدث باسم "قسد"، آرام حنا، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، إنه "نظراً للحاجة الميدانية لتعزيز قدراتنا الدفاعية بالسلاح النوعي والمدفعية، إلى جانب الدبابات والمدرعات على الامتداد الغربي لمناطقنا، في محور عين عيسى وكوباني (عين العرب) بريفي الرقة وحلب، وافقت القيادة السورية على إرسالها". ورأى أن هذه التعزيزات تدعم الموقف الدفاعي لـ"قسد"، في مواجهة الجيش التركي والفصائل المدعومة منه، ومنعها من السيطرة على أراضٍ جديدة كما حدث في العمليات السابقة".
وحول ما إذا كان الاتفاق العسكري الجديد سيفتح الباب لحوار سياسي أوسع مع النظام السوري، أكد حنا انعكاس التوافقات العسكرية إيجاباً على جميع الأصعدة الأخرى، ووجود رغبة مشتركة لتفعيل "الحل الوطني"، مع رفض "قسد" أن يتضمن ما يسمى بالمصالحات التي شهدتها مناطق سورية أخرى.
من جهته، أكد عضو الهيئة الرئاسية المشتركة في حزب "الاتحاد الديمقراطي" الدار خليل، وجود بعض النقاط التي لم يتم التوافق عليها مع النظام السوري.
أعلنت "الإدارة الذاتية" حالة الطوارئ في مناطق نفوذها شمال شرقي سورية
ونقلت وكالة أنباء "هاوار"، المقربة من "الإدارة الذاتية"، عن خليل قوله إن "النظام لم يقتنع بعد بترك المركزية التي يحكم بها، لأنه يخاف أن تتسبّب اللامركزية في سقوطه عن الحكم، وهو ما يسبب عائقاً أمام أي اتفاق مع النظام"، وفق تعبيره. وأضاف أن ما يعوق الحوار أيضاً هو أن النظام يعتبر أن هوية سورية هي لمكوّن واحد فقط.
"قسد" تعلن حالة طوارئ في مناطقها
وكانت "الإدارة الذاتية"، المظلة السياسية لـ"قسد"، قد أعلنت حالة الطوارئ في مناطق نفوذها شمال شرقي سورية، بسبب ما وصفته بالتهديدات التي تتعرض لها المنطقة من قبل تركيا. وأكدت عزمها اتخاذ مجموعة من الإجراءات، مثل إنشاء ملاجئ وأنفاق وتخزين المواد الغذائية.
ونقلت إذاعة "آرتا إف أم" عن الرئيسة المشتركة لـ"الإدارة الذاتية" سهام قريو قولها، الخميس الماضي، إن الإدارة تعتزم تجهيز ملاجئ ومخيمات ومستشفيات، وأنفاق في إطار خطتها للطوارئ، إضافة إلى البدء بتخزين المواد الغذائية في جميع مناطق نفوذها.
وأشارت إلى أن المجلس التنفيذي سوف يخصص ميزانية العام الحالي لإجراءات حالة الطوارئ. كما سيتم تشكيل "خلايا أزمة" لوضع الخطط الطارئة، فيما ذكر مراسل "العربي الجديد" أن "الإدارة الذاتية" تعمل على استدعاء الموظفين المطلوبين أو المؤجلين عن الخدمة العسكرية من مواليد 1998 إلى 2004.