فتح الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة جنوب تركيا وشمال سورية، في 6 فبراير/شباط الماضي، وأودى بحياة عشرات الآلاف من الأتراك والسوريين، المجال أما فصائل عراقية مسلّحة موالية لإيران ضمن هيئة "الحشد الشعبي"، للتوسع داخل العمق السوري، وتحديداً في مدينة حلب وضواحيها، تحت غطاء إيصال المساعدات وفرق البحث عن ناجين، وصولاً إلى رفع أنقاض المباني في المناطق المنكوبة أو المتضررة من الزلزال.
فصائل موجودة قبل الزلزال وبعده
ورغم أن تلك الفصائل، وأبرزها "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"النجباء"، و"الخراساني"، و"الطفوف" و"بدر"، و"سيد الشهداء"، و"الإمام علي"، كانت موجودة قبل الزلزال داخل الأراضي السورية، حيث قاتلت إلى جانب قوات النظام منذ نهاية عام 2011، واستمرت في وجودها العسكري في المناطق الحدودية بين البلدين خاصة التنف والبوكمال، وضواحي دمشق، إلا أن وجودها داخل حلب تحديداً أخذ شكلاً آخر تحت غطاء المساعدات الإنسانية. كما أن هذه الفصائل لم تغادر إلى غاية الآن رغم انتهاء عمليات البحث عن ناجين، واتخذت من مبان فارغة في المدينة مقرات لها، تحت عنوان توزيع المساعدات والتنسيق في رفع الأنقاض، والتي حمل بعضها شعار "الجهد الهندسي والإغاثي للمقاومة الإسلامية".
هذه الفصائل لم تغادر إلى غاية الآن رغم انتهاء عمليات البحث عن ناجين
وشهدت المدن التي تأثرت بالزلزال في سورية، حضوراً سريعاً للمليشيات العراقية وبعض قادتها، سواء على صعيد رفع الأنقاض وإيواء المتضررين، أو تسلّم وتوزيع المساعدات عليهم، وقد عبرت مئات الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والألبسة والتبرعات إلى السوريين المتضررين.
وفسّر مراقبون هذه الحملة بأنها تجاوب مع دعوات لمرجعيات دينية عدة وأخرى، على أنها محاولة تبييض سمعة هذه الفصائل التي قاتلت خلال السنوات الماضية في سورية وتورطت في جرائم وانتهاكات خطيرة بحق الأهالي. لكن الواقع يتحدث عن عودة واضحة لتلك الجماعات في مناطق الزلزال، وبتشجيع إيراني، لا سيما مدينة حلب، وسط تأكيدات من مقاتلين عراقيين في تلك المليشيات بأن السوريين من أهالي حلب لا ينظرون إليهم بارتياح.
وأظهرت لقطات مصورة وصور خلال الأيام الماضية، ظهور رئيس أركان "الحشد الشعبي" عبد العزيز المحمداوي، المعروف باسم "أبو فدك"، إلى جانب رئيس النظام بشار الأسد، وتبادلا الحديث، كما ظهر في وسائل الإعلام. وحظي حراك الفصائل بدعم مالي ضخم من هيئة الحشد الشعبي التي يديرها فالح الفياض، الذي وضعته الولايات المتحدة في وقتٍ سابق على لائحة العقوبات بتهم "انتهاكات لحقوق الإنسان"، والذي يعتبر محلياً المبعوث العراقي إلى سورية.
مساعدات "الحشد": لا استهداف أو تفتيش
وفي جردة سريعة حول طبيعة المساعدات المقدمة التي غادرت برّا من العراق إلى سورية، وفقاً لبيان "الحشد الشعبي"، فقد بلغت 400 شاحنة كبيرة تحمل وقوداً ومواد عينية مختلفة تحت غطاء مساعدات لمتضرري الزلزال، رافقها المئات من عناصر "الحشد"، بسيارات رباعية الدفع وأخرى للإسعاف تحت عنوان فرق إنقاذ ومفارز طبية. وتوجه أغلب هؤلاء إلى مدينة حلب وضواحيها تحت إشراف القياديين في "الحشد"، أبو فدك وقاسم مصلح.
أما على مستوى السلطات الرسمية في بغداد، فقد أعلنت الحكومة إرسال 30 طائرة، 24 منها إلى مطاري دمشق وحلب والأخرى إلى مطار اللاذقية، تحمل أكثر من 200 ألف طن من المساعدات، فيما أرسلت وزارة الدفاع 850 طناً من المواد الإغاثية، ووزارة النفط مليون لتر من الوقود.
ودخلت الشاحنات من العراق إلى سورية عبر منفذ القائم البرّي بين البلدين، من دون تفتيش، كما لم يسجل استهداف أي منها كما كانت الحال خلال الأيام التي سبقت الزلزال، مع استهداف قسم منها بغارات على طريق القائم ــ البوكمال من قبل طيران التحالف الدولي أو الاحتلال الإسرائيلي.
وتواصلت "العربي الجديد" مع مصدرين داخل "الحشد الشعبي"، قالا إن "الشاحنات الإغاثية التي دخلت سورية بالمئات، وغالبيتها مدعومة مالياً من الحشد الشعبي، إضافة إلى التبرعات من المساهمين والتجار الذين تم التواصل معهم من قبل الحشد الشعبي نفسه".
وأقر أحدهم، بأن "القوات السورية حصلت على جزء من هذا الدعم، لأنها تعاني من نقص في الموارد والأغذية والأفرشة كذلك، وأن الدخول إلى سورية لم يكن وفق التأشيرات الرسمية، بل بطريقة انسيابية ومن دون جوازات سفر، كما أن الشاحنات لم تتعرض إلى التفتيش من قبل حرس الحدود في المناطق البرية بين العراق وسورية".
وأكد المصدر أن "بعض الفصائل العراقية مثل النجباء وكتائب حزب الله، ما تزال متواجدة في سورية وتمارس مهام أمنية في بعض المناطق، وتحديداً السيدة زينب".
مصادر متطابقة في بغداد، قالت لـ"العربي الجديد"، إن "ما بين 500 إلى 700 عنصر منتمين إلى فصائل عراقية، انتقلوا إلى سورية بشكل مباشر أو مرافقين للمساعدات التي اتجهت إلى هناك"، مؤكدة أن قسماً كبيراً منهم ما زال هناك.
توجه أغلب عناصر الفصائل إلى حلب وضواحيها تحت إشراف القياديَّين في "الحشد"، أبو فدك وقاسم مصلح
القيادي في "الحشد الشعبي"، محمد البصري، قال لـ"العربي الجديد"، إن "قادة الحشد الشعبي سارعوا إلى دعم الشعب السوري، وتحديداً المتضررين من الزلزال الذي دمّر منازلهم، وقد توجهت الحكومة العراقية أيضاً لإرسال التبرعات إلى تركيا وبعض العوائل المتضررة هناك، ودول عربية أخرى أيضاً شاركت في هذه الحملة الإنسانية". وتساءل: "لماذا هذا التشكيك في جهود الحشد الشعبي، ولماذا تطلق سلسلة اتهامات كبيرة للحشد: هل لأنهم منظومة أمنية عقائدية أم أن هناك إرادات دولية لا تريد للحشد أن يكون حاضراً في الميادين المؤثرة؟"، وفق قوله.
وأكد البصري أن "الحشد لا ينقل الأسلحة إلى سورية، بل الأغذية والأفرشة، وأن وجود (أبو فدك) هو وجود معنوي مهم لإيصال رسائل الاطمئنان إلى السوريين، وليس من أجل تهديدهم، كما يدّعي بعض الإعلام العربي والغربي". وأشار إلى أن "الحشد الشعبي يتعرض دائماً إلى هجمات إعلامية، وقد اعتدنا صراحةً على هذا النوع من الخطاب، لكن في الحقيقة فإن الحشد لم يتحرك خطوة واحدة باتجاه سورية لدعم المتضررين إلا بعد أخذ الموافقات من الحكومة العراقية".
من جهته، رأى المحلل السياسي والعضو المؤسس في "جبهة المعارضة" أحمد الأبيض، أن "الفصائل المسلحة المدعومة والموالية لإيران تستغل أي حدث من أجل التوغل في سورية، ولعل الزلزال جاء في توقيت مهم بالنسبة إليها وإلى إيران، للسيطرة على مدينة حلب التي تريد طهران أن تشارك دمشق من ناحية السيطرة على مواردها، كونها العاصمة الاقتصادية في سورية".
وبيّن الأبيض، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل المسلحة تريد أن تُبيض صفحتها مع السوريين التي شوهتها الانتهاكات خلال فترة اشتداد المعارك بين الجماعات المسلحة فيها، كما أنها تستعرض أمام الرأي العام على أن الحشد الشعبي جهة أمنية وخدمية تسهم في مساعدة القضايا الإنسانية".
ولفت الأبيض إلى أن "بعض الشخصيات، وتحديداً بعض قادة هذه الفصائل العراقية، متهمة دولياً بانتهاكات ضد الإنسانية واختلاس المال العام، وهي تتحدى القوانين والإجراءات الدولية، وتدعم نظام بشار الأسد بكل الإمكانات من أجل تثبيته أكثر في السلطة". واعتبر أن "هناك مصالح اقتصادية ما بين الفصائل المسلحة ونظام الأسد، في مجالات البناء والعمران والشركات الاقتصادية وقطاعات الطاقة والسلاح، لذلك هناك تقارير تحدثت عن احتمال قيام فصائل مسلحة بنقل أسلحة إلى سورية ضمن شاحنات المواد الغذائية".