أنهى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية الليبية، محمد المنفي، زيارة لفرنسا مساء أمس الثلاثاء، في وقت يستعد فيه قادة السلطة الجديدة لإجراء زيارات مماثلة لعواصم دول أخرى متصلة بالملف الليبي لحلحلة عدة ملفات عالقة.
وكشفت مصادر من طرابلس مقربة من السلطة الجديدة عن عزم المنفي على إجراء زيارة قريبة لأنقرة برفقة رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، قبل إجراء زيارة ثالثة لموسكو ضمن الجهود الليبية للتوصل إلى تفاهمات بخصوص ملفات عالقة، وعلى رأسها ملف المقاتلين الأجانب والمرتزقة.
وبحسب المصادر ذاتها، التي اشترطت عدم ذكر اسمها، كان الملف الأمني في ليبيا على رأس الملفات التي ناقشها المنفي أمس في باريس، مشيرة إلى أن الجانب الفرنسي أبلغه استعداد باريس للتجاوب مع مساعي السلطة الجديدة في ليبيا بشأن خفض تأثير الأطراف الخارجية في البلاد، ورغبتها في التعامل مع سلطة ليبية لا تنحاز إلى أي طرف أجنبي أو تحتفظ معه بحلف فردي، في إشارة إلى تركيا التي انخرطت في الملف الليبي بكثافة من خلال اتفاقات أمنية وبحرية وقعتها مع حكومة الوفاق السابقة.
EN DIRECT | Déclaration conjointe du Président @EmmanuelMacron et du Président du Conseil présidentiel libyen Mohamed Al-Manfi.https://t.co/OwQVBbxX3S
— Élysée (@Elysee) March 23, 2021
ووفقاً لمعلومات المصادر ذاتها، فإن المنفي والدبيبة قطعا شوطاً في الاتصالات مع أنقرة بشأن ضبط الاتفاق الأمني الموقع بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق، مؤكدة أن الزيارة التي يعتزم المنفي والدبيبة القيام بها لتركيا قريباً تأتي بهدف الترتيب النهائي للاتفاق الأمني وحصره في عمليات التدريب وتقديم الخبرة في المجال الأمني والعسكري أسوة بباقي الاتفاقات الأمنية الموقعة بين ليبيا ودول أخرى.
وأكدت أن الزيارة ستناقش بدء سحب المقاتلين السوريين من معسكرات القوات الموالية لحكومة الوفاق السابقة جواً عبر تركيا، مشيرة إلى أن المنفي مهد بباريس لإنجاح الزيارة لأنقرة بشرح أهمية الاتفاق البحري الموقع مع تركيا بالنسبة إلى ليبيا، خصوصاً أن فرنسا أهم خصوم أنقرة الأوروبيين في شأن الاتفاق البحري.
وبخصوص موسكو، أكدت المصادر ذاتها أن الزيارة ستتركز على بحث رفع مستوى التعاون الاقتصادي بين الجانبين من جهة، ومن جهة أخرى ستبحث مسألة مرتزقة شركة "فاغنر" للخدمات الأمنية الموجودة في عدة مواقع في ليبيا. ورجحت المصادر ذاتها أن المسؤولين الليبيين سيحاولون قطع الطريق أمام مساعٍ روسية من خلال "فاغنر" لبناء تحالفات جديدة بعد انهيار معسكر اللواء المتقاعد، خليفة حفتر.
وحول تلك التحالفات، أشارت المصادر إلى أن السلطة الجديدة لديها معلومات أكيدة بشأن سعي الروس إلى لملمة بقايا المليشيات التي كانت تقاتل في صفوف حفتر، ومن بينها "اللواء 128 معزز" في الجفرة، المؤلف من بقايا مقاتلي "اللواء 32 معزز" التابع للنظام السابق، لبناء حليف جديد لها في ليبيا بعد حفتر، لكن أهم تلك المليشيات مليشيا "الكانيات".
واليوم الأربعاء، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، عزمه على زيارة ليبيا، في مطلع إبريل/ نيسان المقبل، فيما ستكون أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه في الشهر الماضي. وصرّح دراغي بذلك اليوم الأربعاء في أثناء إلقاء كلمة أمام البرلمان الإيطالي بشأن السياسة الخارجية لبلاده والتزاماته الأوروبية، وفق ما أوردته "رويترز".
وأضاف أنّ "السياسة الخارجية للحكومة الإيطالية هي دعم حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا بهدف إجراء انتخابات في مطلع ديسمبر/ كانون الأول ". وتابع: "أنا نفسي سأزور ليبيا، أعتقد في 6 أو 7 إبريل، في جميع الأحوال خلال الأسبوع الأول من إبريل".
ويقرأ المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، الحراك الدبلوماسي الجديد بأنه "خطوة مبشرة ووعي من قادة السلطة الجديدة بأهمية استثمار المتغيرات في الساحة الإقليمية لصالح بلادهم وكونه الطريق لحلحلة ملفات داخلية شائكة"، لكنه يخشى في الوقت ذاته من انتقال الملف الليبي إلى مرحلة أخرى في وسط الخلافات بين أقطاب دولية كبيرة.
وأوضح ذويب رأيه بالقول لـ"العربي الجديد" إن "الخشية من كون القادة الجدد لا يمتلكون الخبرة السياسية الكافية ولا الأوراق الضاغطة لاستثمار تلك المتغيرات الإقليمية، لذا فمن الواضح أنهم يسيرون في ظل سعي أميركي لتحشيد مواقف عواصم أوروبية كبيرة بهدف محاصرة الوجود الروسي في أكثر من منطقة، ومن بينها ليبيا"، مذكراً بتصريحات قادة أوروبا، وآخرهم الرئيس الفرنسي، إيمانيول ماكرون، خلال استقباله للمنفي أمس، بشأن ضرورة خروج المقاتلين الأجانب من ليبيا.
ولفت ذويب إلى أن واشنطن بدأت برفع مستوى تعاملها في الملف الليبي، فـ"بعد أن كانت السفارة الأميركية هي من يتحدث في الشأن الليبي، رأينا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يجري اتصالات بالدبيبة قبل يومين، ما يعني ارتفاع مستوى التعامل الأميركي مع الملف الليبي"، معتبراً أن الحديث المتزايد عن إمكانية رجوع المبعوثة الأممية السابقة بالإنابة، ستيفاني وليامز، للملف الليبي كمبعوثة أميركية خاصة يؤشر على تحول أميركي كبير في اتجاه اهتمام أكبر بالملف الليبي.
إلى ذلك، يرى ذويب أن المتغيرات الإقليمية لم تتضح بعد لتشكل مواقف ثابتة يمكن استثمارها من الجانب الليبي، وقال: "قد تنجح المشاورات الليبية التي بدأت بزيارة القاهرة وقريباً في أنقرة في تقليل تأثير خلافات إقليمية في المرحلة الليبية الحالية، لكن تعويل القادة الجدد على الانخراط الأميركي يجعلنا نتكهن مسبقاً بعدم التجاوب الروسي، وخصوصاً أن موسكو لا تزال تنفي أي وجود عسكري لها في ليبيا"، موضحاً أن منح موسكو حصصاً في الجانب الاقتصادي ومشاريع الإنماء في ليبيا لن يحقق طموحات الروس التي تتجاوز ليبيا.