انتهت مساعدة وزير الخارجية الأميركي، بربارا ليف، من زيارة قامت بها إلى ليبيا يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، بعدما عقدت جملة من اللقاءات مع أبرز القادة الليبيين، ركّزت خلالها على تأكيد دعم بلادها للجهود الأممية لإجراء انتخابات في ليبيا خلال العام الحالي.
والتقت ليف خلال زيارتها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح واللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي، ثم رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في طرابلس، وكذلك المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي.
وعلى الرغم من أن الزيارة كان عنوانها الواضح دعم واشنطن اجراء الانتخابات في ليبيا خلال 2023، إلا أن سلسلة تغريدات نشرتها السفارة الأميركية في طرابلس على حسابها الرسمي، عكست تفاصيل أخرى عن مضمون لقاءاتها. ففي الوقت الذي انصب لقاء ليف مع صالح والمشري على مناقشة ضرورة عمل القادة الليبيين مع البعثة الأممية للتوافق من أجل إجراء انتخابات في العام الحالي، ناقشت المسؤولة الأميركية مع الدبيبة دعم جهود البعثة الأممية "التي تهدف إلى تشكيل حكومة موحدة من خلال إجراء انتخابات في الوقت المناسب".
وفي لقائها مع حفتر، تناولت ليف نشاط شركة مرتزقة "فاغنر" الروسية، وشددت على "دور فاغنر المزعزع للاستقرار والانتهازي في ليبيا والمنطقة".
وفي أغلب لقاءاتها، قرنت ليف بين دعم بلادها إجراء انتخابات في ليبيا وبين مبادرة المبعوث الأممي، في عمله مع القادة والمؤسسات الليبية لوضع إطار دستوري وجدول زمني للانتخابات هذا العام.
قال مصدر ليبي إن باتيلي قد يشرك الجسم القضائي الليبي في مبادرته
وعلى الرغم مما حملته البيانات الرسمية للقادة الليبيين الذين التقاهم الوفد الأميركي من حديث عن تركز النقاشات حول الانتخابات وحرصهم على إجرائها، إلا أن مصادر ليبية متطابقة تواصلت معها "العربي الجديد" ومحسوبة على معسكري الشرق والغرب، اعتبرت أن تلك اللقاءات كان هدفها توصيل رسائل أميركية أكثر منها لقاءات للنقاش.
رسائل أميركية لأطراف الصراع الليبي
وبحسب معلومات المصادر فإن الرسائل التي وصلت للقادة الليبيين تختلف بحسب اختلاف الأشخاص. ففيما شدّد الوفد الأميركي أمام صالح والمشري على ضرورة التعاطي مع مبادرة المبعوث الأممي الهادفة إلى إنشاء لجنة رفيعة المستوى تضم كافة الأطياف الليبية من أجل تيسير الوصول الى أطر قانونية ودستورية لإجراء الانتخابات خلال العام الجاري، تركزت الرسائل في اللقاء مع حفتر حول انزعاج واشنطن من استمرار علاقته مع مجموعة "فاغنر". ويأتي ذلك بسبب خطر شركة المرتزقة العسكريين الروس الذي بات يتعدى ليبيا ليصل الى المجال الأفريقي انطلاقاً من مواقع عسكرية، من بينها قاعدة الجفرة، بالإضافة إلى حثّ حفتر على ضرورة عدم عرقلة إجراء الانتخابات والتماهي مع تقارب مجلسي النواب والدولة في إطار مبادرة باتيلي.
وفيما لم يعلن باتيلي بعد عن أي تفاصيل واضحة تخصّ مبادرته، باستثناء إنشاء اللجنة رفيعة المستوى، كشفت المصادر نفسها عن تلقي أوساط ليبية، من بينها مجلسا النواب والدولة، عدداً من المقترحات من عواصم غربية، إحداها تتعلق بإشراك المجلس الأعلى للقضاء في الإعداد للأطر القانونية والدستورية للانتخابات وعدم اقتصار دوره على التقاضي والفصل في طعون المرشحين.
ورجح أحد المصادر، وهو مقرب من المفوضية العليا للانتخابات، أن تتبنى مبادرة باتيلي إشراك الجانب القضائي، مشيراً إلى أن اختيار مجلس النواب الإثنين الماضي لممثليه في اللجنة المشتركة مع مجلس الدولة لإعداد القوانين الانتخابية من أعضائه القانونيين، محاولة للالتفاف على هذا المقترح.
لكن الأكاديمي الليبي والمهتم في الشأن السياسي، خالد العجيل، رأى أن الوفد الأميركي حمل رسائل ظاهرة أيضاً، فحثّت ليف خلال لقائها المشري وصالح على ضرورة عمل القادة الليبيين مع البعثة الأممية من أجل إجراء الانتخابات في العام الحالي، يعني أن واشنطن وحلفاءها على قناعة باستحالة توافق مجلسي النواب والدولة. وشدّد العجيل على أن "الرسالة للمجلسين ظاهرة، ومفادها أن عليكم عدم إطالة المشوار والقبول فوراً باللجنة التي يعتزم باتيلي تشكيلها"، مشيراً إلى أن الرسالة الأخرى موجهة إلى كافة القادة، ومضمونها ضرورة قبول نتائج مبادرة باتيلي.
ومن بين الرسائل التي يرصدها العجيل، واحدة تتعلق بالأزمة الحكومية، موضحاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "تغريدة السفارة عقب لقاء ليف بالدبيبة تحدثت بشكل واضح عن أن تشكيل حكومة موحدة سيكون من خلال إجراء الانتخابات، بمعنى أن واشنطن تعارض تشكيل حكومة جديدة قبل الاستحقاق الانتخابي، وهي تعترف بحكومة الدبيبة". ولفت إلى أن لقاء ليف بالدبيبة وعدم لقائها رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا الموجود في مقر حكومته في بنغازي، دليل واضح على ذلك.
مهمة أممية صعبة
وعلى الرغم من وضوح تلك الرسائل إلا أن العجيل اعتبر أن مهمة باتيلي "لا تزال بعيدة عن التحقق". وفي السياق، تساءل: "إذا خضع حفتر للمطالب الأميركية وطلب من فاغنر الخروج، فهل ستخرج؟ ولماذا يتم اختزال مخاوف تهديد المرتزقة لأمن الانتخابات في فاغنر، فهناك المرتزقة الأفارقة والسوريون والوجود العسكري التركي". كما تساءل أنه "حتى لو نجح إجراء انتخابات وجاءت بسلطة جديدة، هل يمكنها أن تخرج فاغنر وتستجيب موسكو لمجرد طلب الخروج؟"، مشيراً إلى أن خطة باتيلي ما تزال تعترضها الكثير من العقبات، ولن يكفيها مجرد إقناع واشنطن للقادة الليبيين بضرورة الانخراط فيها.
من جهته، رأى الصحافي والباحث في الشأن السياسي، عبدالله الكبير، أن زيارة ليف هدفها الرئيسي التأكيد على الدعم الأميركي لإجراء الانتخابات، وكذلك تحذير حفتر من التعامل مع مجموعة "فاغنر" بعد تصنيف الأخيرة منظمة إرهابية عابرة للحدود.
عبدالله الكبير: سيكون مطلب إخراج فاغنر من ليبيا على طاولة مباحثات ليف في القاهرة وأبوظبي
وأوضح الكبير أن الجانب الأمني في الانتخابات موضوع شغل المبعوث باتيلي، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن المبعوث الأممي "لا يرى إمكانية توفر الجانب الأمني في شرق ليبيا إلا بموافقة حفتر لكي لا يدفع بقواته لتولي حماية اللجان الانتخابية، ما سيزعزع ثقة الأطراف السياسية في غرب البلاد في نزاهة الانتخابات"، ولذلك يرجح أن ليف طلبت من حفتر عدم عرقلة خطة باتيلي الأمنية أو مصادمتها.
وتأتي زيار ليف الى ليبيا ضمن جولة في المنطقة بدأتها في 15 من شهر مارس/آذار الحالي وتستمر حتى 25 مارس، وتشمل الأردن ومصر ولبنان وتونس، بحسب بيان صحافي لمدير مكتب المتحدث باسم الخارجية الأميركية الخميس الماضي.
وفيما أبدت موسكو موقفاً متحفظاً من مبادرة باتيلي، بعدما قدّمها خلال إحاطته لمجلس الأمن نهاية فبراير/شباط الماضي، أعلنت القاهرة رفضها للمبادرة، ولهذا السبب يرى الكبير أن زيارات ليف لبعض العواصم الإقليمية المرتبطة بالأزمة الليبية "ستحمل نفس المطالب، فحفتر على ارتباط وثيق بالقاهرة وأبوظبي". وأشار إلى أن "هاتين العاصمتين لهما تأثير عليه، ومن ثم سيكون ملف الانتخابات الليبية وإخراج مجموعة فاغنر على رأس مباحثات المسؤولة الأميركية مع المسؤولين في مصر والإمارات".