تثير الزيارة التي يقوم بها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، إلى المغرب، منذ يوم السبت الماضي، أسئلة كثيرة، لا سيما في ظل الغموض الذي يلفها، وذلك في وقت وصل فيه النزاع المتعلق بمسألة الصحراء، والذي عمّر طويلاً، إلى مرحلة حاسمة، جرّاء ما تعيشه المنطقة من تحولات وتحديات مرتبطة أساساً بالأمن والسلام.
وبينما أعلنت الأمم المتحدة أن دي ميستورا يعتزم خلال زيارته مقابلة "جميع أصحاب المصلحة في المنطقة في الأيام المقبلة"، تبرز تساؤلات كثيرة عن توقيت زيارته للمغرب الآن بالذات، ودلالاتها، وعن سبب جعل زيارته حصراً على المغرب، وكذا عن سبب استبعاده، إلى حدود اللحظة على الأقل، باقي المحطات التي اعتاد المبعوثون الأمميون زيارتها خلال جولاتهم في المنطقة (مخيمات تندوف، الجزائر وموريتانيا).
تحاط لقاءات دي ميستورا بالمسؤولين المغاربة بسرّية تامة، وهي غير محدّدة المدة
علماً أن المبعوث الأممي ألغى أمس الإثنين، زيارة كانت مقررة له إلى إقليم الصحراء، بحسب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك. وقال دوجاريك، في بيان، إن "المبعوث الشخصي للأمين العام ستيفان دي ميستورا موجود منذ السبت في العاصمة الرباط للقاء المسؤولين المغاربة". وأضاف: "قرّر دي مستورا عدم المضي قدماً في زيارة الصحراء الغربية (إقليم الصحراء) خلال هذه الرحلة، لكنه يتطلع إلى القيام بذلك خلال زياراته المقبلة إلى المنطقة". وتابع البيان: "تهدف زيارات المبعوث الأممي إلى دفع العملية السياسية في الصحراء الغربية (إقليم الصحراء) بشكل بناء".
دي ميستورا... زيارة حصرية للمغرب
وكان دي ميستورا قد وصل نهاية الأسبوع الماضي إلى العاصمة المغربية الرباط، في ثاني زيارة له إلى المنطقة منذ تعيينه في هذا المنصب قبل تسعة أشهر خلفاً للمبعوث السابق الألماني هورست كوهلر، الذي كان استقال في عام 2019 لـ"دواع صحية". وكانت الزيارة الأولى قد حصلت في يناير/كانون الثاني الماضي.
وأعلنت الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، عزم دي ميستورا القيام بجولة إقليمية يستهلها السبت (الماضي)، بزيارة الرباط، قبل أن ينتقل إلى الصحراء، جنوب المغرب، وذلك للمرة الأولى منذ تعيينه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وكان لافتاً اكتفاء دوجاريك، بالقول خلال مؤتمر صحافي الجمعة، حينما سئل عن سبب عدم ذكر الجزائر أو موريتانيا في إعلان المبعوث عن الرحلة الجديدة، إنه سيعلن عن معلومات أخرى إذا توافرت مع تقدم الرحلة.
من جهتها، قالت مصادر مغربية لـ"العربي الجديد"، إن الأمر لا يتعلق بجولة للمبعوث الشخصي الأممي في المنطقة، بل بزيارة للمغرب فقط، حيث سيعقد دي ميستورا خلال هذه الزيارة سلسلة من اللقاءات، لا سيما مع وزير الخارجية ناصر بوريطة. وأوضحت المصادر أن الهدف من زيارة دي ميستورا إلى الصحراء هو "إطلاق حوار جديد حول الأقاليم الجنوبية بهدف التوصل إلى تسوية سياسية وتفاوضية للنزاع المفتعل".
وتحاط لقاءات دي ميستورا بالمسؤولين المغاربة بسرّية تامة، إذ لم يتم إلى حد الساعة الإعلان عن أي لقاء، في حين قالت بعض المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن تلك اللقاءات تجري بعيداً عن الأضواء مع أكثر من مسؤول مغربي.
وزيارة دي ميستورا غير محددة المدة، غير أنه على خلاف زيارته الأولى للمنطقة في يناير الماضي، كان يفترض أنه سيتوجه إلى مدينة العيون للقاء مسؤولي "مينورسو" (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية)، وأعضاء الجمعيات الموالية لجبهة "البوليساريو"، وكذلك الفاعلين الصحراويين الوحدويين المناصرين للمغرب.
واقع متغيّر بعد الزيارة الأولى
وبحسب رئيس "مركز أطلس لتحليلات المؤشرات السياسية والمؤسساتية"، محمد بودن، فإن زيارة دي ميستورا تندرج في إطار العمل الأساسي والضروري لتعميق إلمامه بالملف، والتحضير للقرار الأممي الذي سيتم تبنيه في أكتوبر/تشرين الأول المقبل (بشأن مصير مهمة مينورسو). كما تأتي في سياق مختلف يشهد دعماً دولياً واسع النطاق لمبادرة الحكم الذاتي التي قدّمها المغرب من قبل قوى دولية، كالولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا، ودول أفريقية وعربية ومن أميركا اللاتينية والوسطى.
كما تأتي الزيارة، بحسب بودن، في سياق المتغيرات الإستراتيجية التي حصلت بعد تأمين المملكة المغربية (في نوفمبر 2020) معبر الكركرات (الحدودي مع موريتانيا بمنطقة الصحراء)، وفي ظل ما أحدثه النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية من تحولات بنيوية في المنطقة.
وأشار بودن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن دي ميستورا "سيقف على مستجد بارز يتعلق بالاعتراف الدولي انطلاقاً من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية عبر وجود أكثر من 25 قنصلية" في منطقة الصحراء.
محمد بودن: تندرج الزيارة في إطار التحضير للقرار الأممي الذي سيتم تبنيه في أكتوبر المقبل
ورأى بودن أن الرباط تستقبل دي ميستورا "في إطار احترامها للإرادة الدولية المجسدة في القرارات الأممية منذ عام 2007 وتُعبّر عن حسن نيتها عملياً، ومن منطلق رؤية سيادية ليس لديها ما تخفيه عن المجتمع الدولي في الصحراء المغربية وتخدم مبادرة الحكم الذاتي".
وتسعى الرباط إلى إيجاد حل سياسي على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وفي إطار مسلسل الموائد المستديرة، وبحضور الأطراف الأربعة المعنية بالقضية (المغرب، الجزائر، موريتانيا، وجبهة البوليساريو). ويعتبر المغرب المبادرة التي كان قدمها في عام 2007 "فرصة حقيقية من شأنها أن تساعد على انطلاق مفاوضات، بهدف التوصل إلى حل نهائي لهذا الخلاف (...) على أساس إجراءات توافقية، تنسجم مع الأهداف والمبادئ التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة".
وتنص المبادرة المغربية، التي قوبلت برفض جبهة "البوليساريو" والجزائر، على نقل جزء من اختصاصات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى "جهة الحكم الذاتي للصحراء"، ليدبر سكانها "شؤونهم بأنفسهم بشكل ديمقراطي"، بينما تحتفظ الرباط باختصاصاتها المركزية "في ميادين السيادة، لا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية"، وكذا ممارسة الملك لاختصاصاته الدينية والدستورية.
وقال المحلل السياسي عادل بنحمزة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن فهم زيارة دي ميستورا للمنطقة "يقتضي العودة إلى قرار مجلس الأمن 2602 (أكتوبر/تشرين الأول 2021، والذي مدّد مهمة مينورسو). وبرأيه فإن القرار مثّل تحولاً مهماً في التعاطي الأممي مع النزاع المفتعل في الصحراء، ذلك أنه "انتصر لكل الثوابت التي ما فتئ المغرب يعبر عنها بوضوح منذ سنوات، وهي الحكم الذاتي كإطار للتفاوض، واعتبار الجزائر طرفاً في النزاع، والتصرف على الأرض في إطار ممارسة السيادة وليس كقوة احتلال"، بحسب رأيه.
واعتبر بنحمزة، في حديثه، أن "غياب الجزائر عن برنامج زيارة دي ميستورا يجد تفسيره في المأزق الذي توجد فيه الجزائر في مواجهة الأمم المتحدة". وأضاف: "يبدو لي، على الرغم من غياب معطيات رسمية صادرة عن الأمم المتحدة، أن هذه الأخيرة قررت التحرك في تجاهل للموقف الجزائري ما دام المبعوث الشخصي مُقيّدا بقرار مجلس الأمن 2602، وعندما يحين موعد المائدة المستديرة سيتضح مستقبل الحضور الجزائري بصفة عامة في النزاع باعتباره الطرف الرئيسي".
وبحسب بنحمزة، فإن غياب محطة تندوف من جولة دي ميستورا يرتبط بشكل واضح بما عبّرت عنه جبهة "البوليساريو" الانفصالية من ردود فعل على قرار مجلس الأمن رقم 2602 والتي تنسجم وتتطابق مع الموقف الذي عبّرت عليه الجزائر. وشرح أن الجبهة "أطلقت النار مسبقاً على دي ميستورا قبل أن يبدأ مهامه، بعدما حكمت، في بيان لها، مسبقاً بفشله، وبأنه يقوّض بشكل خطير آفاق تفعيل عملية السلام ويكرس حالة الانسداد القائم ويترك الباب مفتوحا على مصراعيه لمزيد من التصعيد والتوتر في المنطقة". بل إن الجبهة، "ضدّا في قرار مجلس الأمن، أعلنت ما سمته العودة إلى الكفاح المسلح، وما يرافق مثل ذلك من شعارات تعود إلى زمن الحرب الباردة"، بحسب المحلل السياسي.
ولفت بنحمزة، إلى أن السياق الذي يحيط بزيارة دي ميستورا للمنطقة هو "في صالح المغرب ويعزز من أطروحته لحل النزاع المفتعل، وذلك بعد الموقف الألماني والهولندي وبصفة خاصة التحول التاريخي الكبير المتمثل في الموقف الإسباني الذي عبرت عنه حكومة بيدرو سانشيز، والمتمثل في الدعم الواضح للحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية". ورأى المحلل السياسي أن "خصوصية هذا الموقف تجد تفسيرها في أنه يصدر عن القوة التي كانت تستعمر الصحراء، وهي الطرف الأساسي إلى جانب موريتانيا في اتفاقية مدريد التي أنهت الواقع الاستعماري للصحراء". وأعرب بنحمزة عن اعتقاده بأن تحول الموقف الإسباني "قد يساهم في إنضاج موقف موريتاني سيكون مهماً بلا شك في سياق التحولات الجارية لتثبيت السيادة المغربية على الصحراء".