كشفت مصادر مصرية مسؤولة، مطلعة على ملف الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، طبيعة الرسائل التي نقلها رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي رونين بار، لرئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل، مساء أول من أمس الأحد، خلال زيارته إلى القاهرة.
وقال مسؤول مصري اطلع على تفاصيل الزيارة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن بار "أطلع كامل على طبيعة الأزمة، مؤكداً أن هناك تضارباً داخل المستويات الأمنية والسياسية في إسرائيل، معتبراً أن ذلك نتيجة طبيعية للمرحلة الحالية في إسرائيل، نتيجة العملية الانتخابية المرتقبة، ومحاولة الجميع كسب الأصوات الانتخابية".
وبحسب المسؤول المصري فإن بار، "أكد لرئيس المخابرات العامة المصرية، أن كافة الأمور التي تسببت في غضب القاهرة، ستتم إعادة النظر بها داخل المستويات الأمنية المختلفة في إسرائيل".
الإقرار بوجود أزمة
وأمس الإثنين أكد وزير الأمن في حكومة الاحتلال بني غانتس وجود أزمة في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب. وصرّح غانتس بأن العلاقات المصرية الإسرائيلية تمر بالفعل بأزمة على خلفية التوتر الأخير مع قطاع غزة.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلي عن غانتس قوله إن "مصر تعتبر أكبر الأصدقاء لإسرائيل وتؤدي دوراً محورياً في المنطقة". وأضاف أن "الطرفين سيجدان طريقة لإعادة الاستقرار".
مصدر مصري: القاهرة حصلت على مهلة أخيرة من "الجهاد"
وبحسب المصادر المصرية، فإن هناك "خلافات كبيرة بين الأوساط الأمنية والسياسية في إسرائيل، بسبب تعريض المستوى السياسي، العلاقات مع مصر للخطر، في وقت تخشى فيه تل أبيب من فقدان التنسيق مع القاهرة بشأن ملفات أمنية شديدة الحساسية، متعلقة بقضايا الإقليم، وليس الملف الأمني في الأراضي المحتلة فقط".
ووفقاً للمصادر، فقد "تمسك كامل خلال لقاء بار، بضرورة تنفيذ التعهدات الخاصة باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي جرى وفقاً للوساطة المصرية، والتي يأتي في مقدمتها إطلاق سراح الأسيرين خليل عواودة وبسام السعدي القيادي في حركة الجهاد بالضفة الغربية المحتلة".
مع العلم أن البيان المصري الذي تم الإعلان من خلاله عن وقف إطلاق النار في غزة، أشار إلى أن "مصر تبذل جهوداً وتلتزم بالعمل على الإفراج عن الأسير خليل عواودة ونقله للعلاج، وكذلك العمل على الإفراج عن الأسير بسام السعدي في أقرب وقت ممكن".
وقال المصدر المصري، إن عباس كامل "شدّد خلال اللقاء على أن القاهرة حصلت على مهلة أخيرة من قيادة حركة الجهاد، في أعقاب لقاء رفيع المستوى جرى في القاهرة مع أحد قيادات الحركة، بأن تلتزم الحركة بقرار وقف إطلاق النار، على أن تلتزم مصر ببذل أقصى مجهود لحل الأزمة الخاصة بالأسيرين عواودة والسعدي".
وطلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من رئيس الوزراء الإسرائيلي يئير لبيد أخيراً خفض التوترات في الضفة الغربية، غير أن إسرائيل قتلت القيادي بكتائب شهداء الأقصى إبراهيم النابلسي بالضفة، مثيرة غضب القاهرة، خصوصاً أن التصعيد الإسرائيلي جاء حينما كان السيسي يتحدث إلى لبيد.
من جانبه قال مسؤول مصري آخر، إن "ما أزعج القاهرة، هو تنفيذ الجانب الإسرائيلي أجندة سياسية وأمنية خاصة به، من دون أن ينسق مع المسؤولين في مصر، بما يتعلق بجوانبه الخاصة بالاتصالات التي تجريها القاهرة للحفاظ على التهدئة".
وأوضح المسؤول أن القاهرة "أبدت أكثر من مرة تفهمها طبيعة الأوضاع السياسية في إسرائيل، والتي نقلها أكثر من مسؤول أمني، في اتصالات جرت على مدار الفترة الماضية، قبل أن تفاجأ مصر، بعملية تضليل مقصودة تسببت في حرج بالغ للقاهرة أمام الأطراف الفلسطينية، وبدت وكأنها وسيط غير نزيه ومتواطئ ضدهم. وهو ما استغرق وقتاً حتى تقنع القاهرة قادة الجهاد بعكسه، بعدما تأكدوا يقيناً أن مصر تم تضليلها، ولكنها مضطرة لمواصلة العمل من أجل الحفاظ على حالة التهدئة".
وكانت المحكمة الإسرائيلية العليا ردت أخيراً الالتماس الذي رُفع إليها بطلب إلغاء الاعتقال الإداري للأسير خليل عواودة، فيما جمّدت المحكمة العسكرية في عوفر الاعتقال الإداري بحق عواودة، مع بقائه في المستشفى من دون الإفراج عنه، وفي حال تحسن وضعه الصحي وتقرر خروجه من المستشفى سيتم تفعيل اعتقاله الإداري فوراً.
غانتس: مصر وإسرائيل ستجدان طريقة لإعادة الاستقرار
وفي ما يتعلق بالقيادي بسام السعدي، فقد مددت إسرائيل أول من أمس الأحد، فترة اعتقاله خمسة أيام أخرى وذلك للمرة الثالثة على التوالي. في المقابل، أكد المسؤول المصري على أن رونين بار "تعهد لرئيس المخابرات المصرية، بتنفيذ استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار، بعد إعداد الأجهزة الأمنية في إسرائيل تحضيراتها لتلك الخطوة"، مشيراً إلى أنه "ربما يتم البدء بإطلاق سراح عواودة خلال أقل من شهر من الآن".
"محرقة اللطرون"
من جهة ثانية، أكد المسؤول المصري على صعيد مختلف، أن بار "قدم للمصريين تفاصيل المساعي الخاصة بالبحث عن المقبرة الجماعية التي دُفن بها 20 جندياً مصرياً، خلال عام 1967 قرب القدس المحتلة"، مؤكداً أنه "تم تحديد موقع المقبرة وخلال الأيام القليلة المقبلة سيتم البدء في استخراج الجثامين، تمهيداً لتسليمها لمصر، في محاولة لتلطيف الأجواء".
وكان تقرير لملحق صحيفة "يديعوت أحرونوت" كشف في شهر يوليو/تموز الماضي، أن الاحتلال الإسرائيلي دفن أكثر من 70 جثماناً من جثامين قوات كوماندوز مصريين شاركوا في حرب يونيو/حزيران 1967، كقوة مساندة للقوات الأردنية، تحت ما أصبح اليوم موقفاً للسيارات، في متنزه بلدة ميني إزرائيل في منطقة اللطرون، التي احتلتها إسرائيل خلال الحرب المذكورة.
وهجّرت إسرائيل سكان قراها الثلاث: عمواس ويالو والمجدل، وزرعت مناطق حرشية أطلقت عليها اسم "متنزه كندا". ونقل التقرير عن زئيف بلوخ، وهو جندي إسرائيلي سابق في الجيش، أن "من تم إدخالهم ودفنهم في البئر كانوا جنوداً احترقوا، إذ إن المنطقة كانت مليئة بالأشواك أو الأعشاب العالية على ارتفاع يتراوح بين متر ومتر ونصف المتر، ولم تكن المنطقة مزروعة وكانت الأشواك تشتعل بسرعة".
وأضاف: "قسم من جنود الكوماندوز المصريين كانوا في المكان واحترقوا في الموقع، ومن المحتمل أنه تم أيضاً وضع جنود إسرائيليين آخرين في نفس البئر ممن قتلوا خلال أعمال التمشيط التي قام بها الجيش".