استمع إلى الملخص
- تأتي الزيارة في إطار تعزيز التعاون بين تونس والصين وتشير إلى رغبة تونس في توسيع نطاق علاقاتها الدولية واستكشاف فرص جديدة للتعاون، بالإضافة إلى توجهها نحو تنويع شراكاتها الدولية.
- تعليقات الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي تبرز أهمية الزيارة في سياق السياسة الخارجية التونسية، مؤكداً على العلاقات الطويلة بين تونس والصين والدور الجيواستراتيجي لتونس، مع التأكيد على سعي تونس للحفاظ على علاقات متوازنة مع شركائها التقليديين.
أعلنت وزارة الخارجية الصينية، اليوم الاثنين، أن الرئيس التونسي قيس سعيّد وعدد من الزعماء العرب سيزورون الصين بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ. ونقلت وكالة الأنباء الصينية عن المتحدثة باسم الخارجية الصينية، هوا تشون يينغ، قولها إنه "من المقرر أن تستمر الزيارة من 28 مايو/أيار الجاري إلى 1 يونيو/حزيران المقبل"، مشيرة إلى أن "الزعماء سيحضرون حفل افتتاح المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي".
وأثار خبر الزيارة أسئلة جديدة حول التقارب التونسي الصيني الذي شهد تطوراً واضحاً في السنوات الأخيرة، لكنه مع جملة مؤشرات أخرى في السياسة الخارجية التونسية، خلال الأيام الأخيرة، طرح استفسارات حول الرسائل التي يريد سعيّد توجيهها إلى محيطه الدولي التقليدي، خصوصاً أنه لا يخفي انزعاجه مما يعتبره تدخلاً في شؤون بلاده، ويتحدث صراحة عن علاقات دولية جديدة في كل المحافل الدولية والإقليمية.
وكان سعيّد قد اجتمع في 15 مايو/أيار مع كاتب الدولة للخارجية، منير بنرجيبة، وكلّفه بـ"دعوة عدد من السفراء الأجانب المعتمدين لإبلاغهم احتجاج تونس على التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية"، مذكّراً في هذا الإطار، بما ورد في توطئة الدستور بأن "الشعب التونسي يرفض أن يتدخل أحد في شؤونه الداخلية".
كما أثارت زيارة سعيّد إلى طهران بعد حادثة سقوط الطائرة، تساؤلات كثيرة بخصوص الرسائل التي نتجت عنها، حيث التقى سعيّد بالمرشد الإيراني علي خامنئي وقدّم له التعازي في وفاة إبراهيم رئيسي ومرافقيه. وأعرب خامنئي عن "سروره بإعادة تشكيل العلاقات بين إيران وتونس نتيجة زيارة الرئيس التونسي إلى طهران"، وأضاف "وجود شخصية فاضلة وأكاديمية مميزة مثل قيس سعيد في موقع الرئاسة في تونس، يعد فرصة لهذا البلد بعد سنوات من الحكم الاستبدادي والانفصال عن العالم الإسلامي، لتظهر وجهاً جديداً وطيباً من نفسها".
ولم تكن هذه أول لقاءات سعيّد بالمسؤولين الإيرانيين، فقد سبق أن أجرى في الجزائر محادثات مع الراحل رئيسي في مارس/آذار الماضي في قمة المنتدى السابع للبلدان المصدرة للغاز. وأعرب سعيّد بحسب بيان للرئاسة عن "استعداد تونس لتعزيز روابط الأخوة والتعاون المتينة التي تجمعها بإيران".
كل هذه التطورات مجتمعة طرحت أسئلة حول الرسائل التي يريد سعيّد توجيهها إلى الأصدقاء التقليديين، لا سيما في أوروبا، بسبب ما يعتبره تدخلاً في شؤونه، وكأنه يلوّح بوجود نوافذ جديدة مشرعة أمامه قد تعيد نوعاً من التوازن إلى علاقاته الدولية، وتخفف حدة الضغط والانتقادات بسبب وضع الحريات في البلاد، قبيل انتخابات رئاسية منتظرة.
واعتبر الدبلوماسي السابق، عبد الله العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "أبرز الرسائل التي وجهها قيس سعيّد تتمثل في محاولة إضفاء أبعاد أخرى على السياسة الخارجية التونسية"، مذكراً بأن "العلاقة التونسية مع الصين جيدة منذ عقود وليست بالأمر الجديد أو المستحدث، وركائز السياسات الخارجية التونسية جرى وضع أركانها منذ عقود"، مشيراً إلى أنه "منذ فترة جرى الإعلان عن قدوم الصين للاستثمار في تونس، خاصة في مجال استغلال الفوسفات، والصين تستثمر في أماكن عدة بأفريقيا، وتونس لديها موقع جيواستراتيجي استثنائي".
وقال العبيدي إن "الرئيس بن علي كان قد أرسل مدير شركة فوسفات قفصة، صالح الجبالي سفيراً في بكين، ورغم أن الفوسفات التونسي رُفض في بلدان مختلفة كألمانيا الشرقية (قبل اتحاد ألمانيا) نظراً للنسب المرتفعة من الحديد، وحفاظاً على البيئة، ولكن الصين قبلت كل الكميات، وبالتالي انطلقنا منذ سنوات عدة في تعاون وطيد مع الصين".
ولفت إلى أن "هذا التعاون مع الصين تعطل وقت الثورة، ولكن الآن هناك إعادة نظر في الأمر، ويبدو أن قيس سعيّد في إطار حديثه عن السيادة الوطنية يرى أنه يجب الابتعاد عن هيمنة الغرب، سواء في سياسة تونس الخارجية أو الاقتصادية"، مضيفاً أن "هذه الزيارات وكأنها تكملة لزيارة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف إلى تونس (ديسمبر 2023) وهذا التقارب الدولي، ومع ما أُشيع عن وجود طائرات روسية في جربة التونسية، حيث تحدثت صحف غربية عن ذلك، وطلبت الولايات المتحدة الأميركية توضيحاً لذلك، لأن ذلك يعد تهديداً لمكانة الغرب".
وعن الانزعاج من التدخلات الغربية، وخصوصاً الفرنسية حيث تواترت الانتقادات في الصحافة الفرنسية حول الأوضاع في تونس، قال العبيدي "نحن لا يمكن أن نملي على فرنسا مواقفها، لأن فرنسا تعددية، ولديها مجتمع مدني قوي، وهي قائمة على حكومات تحالف، ولذلك لا بد أن ندرك أن هناك مواقف معلنة، بسبب الضغوط، وأخرى خلف الأبواب المغلقة، ولكن لا بد من أخذ جل المواقف بعين الاعتبار".
وشدد العبيدي على أنه "لا يمكن تغيير بعض الثوابت في العلاقات الدولية لتونس، مع أميركا أو مع فرنسا مثلاً، فهناك أجيال تونسية في فرنسا ومصالح تاريخية واقتصادية كبيرة جداً، ولا توجد حرية مطلقة في تغيير نظام العلاقات، لأن السياسة أرقام ومعاملات، ولكن في المقابل يمكن القيام بالتعديل بشرط ألا يعني ذلك تغييراً مطلقاً، ولا يصح أن يأخذ ذلك طابع التهديد أيضاً".
وأفاد العبيدي بأن "التعاون التونسي الأميركي موجود ومتواصل منذ سنوات، وحصلت مناورات مهمة بين الجيش التونسي والجيش الأميركي مؤخراً، وهناك منظور سياسي وتاريخي لا يمكن تجاهله أو القفز فوقه". ويذكر أن تونس والولايات المتحدة الأميركية عقدتا، الأسبوع الماضي، الدورة الـ36 للجنة العسكرية المشتركة، بحضور أعضاء المجلس الأعلى للجيوش والمكلّفة بالأعمال بسفارة الولايات المتحدة في تونس وقيادات عسكريّة رفيعة المستوى من الجانبين.
وأشرف عليها كل من وزير الدفاع التونسي، عماد مميش، ومساعدة وزير الدفاع الأميركي، سيلستا فالندر، وأشاد وزير الدفاع التونسي بـ"شراكة الولايات المتحدة لتونس التي تجسدت خاصة في حجم المساعدات العسكرية، وبرامج التعاون في مجالات التكوين والتدريب وتبادل المعلومات والخبرات". وقالت فالندر إن "التنسيق والدّعم لتونس باعتبارها شريكاً أساسياً في أفريقيا سيتواصل في هذا المجال".
كذلك استضافت تونس في 10 مايو/أيار فعاليات التمرين العسكري المشترك التونسي الأميركي "الأسد الأفريقي 24"، بحضور قيادات سامية من الطرفين، إضافة إلى مراقبين عسكريين من بعض الدول الأفريقية. ويذكر أن التمرين العسكري المشترك يُنظم في تونس للمرّة الرابعة على التوالي، ومثّل "فرصة لتعزيز قدرات الوحدات المشاركة، وتدعيم جاهزيتها في التصدّي للأزمات والتهديدات، على غرار التخطيط العملياتي المشترك بين مختلف القوات، والاستعلامات التكتيكية، والهندسة العسكرية، والإنزال المظلّي، والتفتيش بالبحر، والإسناد الصحي، ومقاومة الخطر البيولوجي والكيمياوي"، بحسب بيان وزارة الدفاع التونسية.