تكتّمت الخرطوم، كعادتها، على تفاصيل الزيارة التي قام بها أمس الإثنين وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إيلي كوهين، إلى السودان.
وفيما تشير التصريحات الإسرائيلية إلى حدوث تفاهمات حول قضايا أمنية بالدرجة الأولى، برزت تسريبات من السودان عن توافق على "تبادل فتح سفارات بأقرب وقت"، الأمر الذي نفاه مصدر حكومي.
وفي حديث مع الـ"العربي الجديد"، قال المصدر الحكومي إنّ السودان "لا يزال بعيداً عن هذه الخطوة" لأنّ قانون مقاطعة إسرائيل الصادر في عام 1958، والذي تتجه الخرطوم لإسقاطه، لا يزال سارياً.
وبحسب المصدر، فإنّ وزارة العدل السودانية بدأت بإجراء تعديلات على القانون، لكن لم تودعه مجلس الوزراء ولا مجلس السيادة، لافتاً إلى أن هناك اتجاهاً عاماً لإحالته إلى البرلمان الجديد.
وبات يُنظر إلى النفي المتكرر من الحكومة المدنية لحدود التطبيع مع إسرائيل بكثير من التشكيك في السودان، إذ إنه في كل مرة يتم فيها نفي أي حدث ويتبين عكس ذلك.
وفيما أعلن كوهين عن اجتماعه، خلال زيارته إلى الخرطوم، بكل من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ووزير الدفاع الفريق يسن إبراهيم يسن عبد الهادي، قال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، رفض الكشف عن اسمه لكونه غير مخول بذلك، إن الوفد الإسرائيلي التقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. ونفى مصدر مقرب من حمدوك لـ"العربي الجديد" علمه بحدوث اللقاء.
وفي حال صحت التسريبات بشأن اجتماع حمدوك وكوهين، فإن ذلك يمثل أول لقاء مباشر بين وفد إسرائيلي والمكون المدني في السلطة الانتقالية، بعد أن كانت تيارات ضمن هذا المكون قد أبدت في فترات سابقة تحفظات على التطبيع والطريقة التي تتم به، وتصر على ترك أمر إقراره النهائي للمجلس التشريعي، المقرر تشكيله في الأيام المقبلة.
أما حمدوك، فسبق له أن شارك في مكالمة هاتفية جماعية، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ضمت كلاً من الرئيس الأميركي في ذلك الحين دونالد ترامب ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتوافقوا فيه على المضي قدماً في عملية التطبيع.
ولفت المصدر الحكومي الذي تحدث لـ"العربي الجديد" إلى أن لقاءات الوفد الإسرائيلي تخللتها مناقشة عدد من القضايا، بينها موضوع مكافحة الإرهاب، إلى جانب التعاون في مجالات عدة خصوصاً المياه والزراعة والطاقة والطيران والصحة والبنية التحتية.
من جهتها، أوضحت مصادر أخرى، لـ"العربي الجديد"، أن اللقاء تناول كذلك مقترحاً من الجانب الإسرائيلي لإعادة مئات المهاجرين السودانيين إلى بلدهم، كما لم تكن التوترات على الحدود الشرقية بين السودان وإثيوبيا بعيدة عن مباحثات كوهين مع وزير الدفاع.
وذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم"، اليوم الثلاثاء، أنّ السودان وإسرائيل وقّعا، أمس الإثنين، خلال زيارة كوهين إلى السودان ولقائه بمسؤولين، على مذكرة تفاهم في القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تم بحثها خلال لقاءات كوهين في الخرطوم.
وكان أول اختراق تطبيعي بين إسرائيل والسودان الخارج للتو من ثورة شعبية، بلقاء جمع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مدينة عينتبي الأوغندية في فبراير/ شباط 2020، وذلك بقوة دفع أميركية إماراتية.
ورفضت غالبية "قوى إعلان الحرية والتغيير"، التحالف الحاكم، اللقاء وعدّته تدخلاً من البرهان في صلاحيات مجلس الوزراء، المعني أولاً وأخيراً بالسياسة الخارجية،كما رأت تلك القوى أنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني يتنافى مع مبادئ الدولة السودانية، وموقفها التاريخي المساند للقضية الفلسطينية، وأبرزها اللاءات الثلاث التي رُفعت في الخرطوم في مؤتمر القمة العربية 1967 عقب النكسة حيث "لا تطبيع ولا مصالحة ولا استسلام".
ورويداً رويداً، بدأ المكون المدني في التماهي مع دعوات التطبيع، خصوصاً بعد أن ربطت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، شرط التطبيع ضمن شروط أخرى، لتتخذ قرار شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقد اتخذت واشنطن القرار في 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفي ذات اليوم جمعت مكالمة هاتفية جماعية كلاً من ترامب والبرهان وحمدوك ونتنياهو.
وفي السادس من يناير/ كانون الثاني الحالي، وقّعت الحكومة السودانية بواسطة وزير العدل نصر الدين عبد الباري على ما يسمى بـ"اتفاق أبراهام" على هامش زيارة وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إلى الخرطوم، الذي أكمل، بالمقابل، اتفاقيات مع الحكومة السودانية تمنح بموجبها حوافز التطبيع بأكثر من 1.1 مليار دولار، ووعود بإعفاء 3 مليارات من الديون الأميركية المستحقة على السودان، مع وعود قوية بحثّ بقية الدول والمؤسسات على إلغاء ديونها للخرطوم ويصل مجملها إلى نحو 60 مليار دولار.
ولم تصدر ردود فعل قوية على زيارة كوهين والتفاهمات التي وُقّعت، حتى الآن.
وعبّر حزب "المؤتمر الشعبي" المعارض عن استنكاره الشديد، لـ"الإمعان في مخالفة التوجهات الشعبية المناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب".
وقال أبوبكر عبد الرزاق، القيادي بالحزب، لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، إنّ الزيارة "ستزيد المشهد السياسي تعقيداً على تعقيده، لا سيما أن الجهة التي تنفذها هي حكومة غير منتخبة ولا تمثل إجماع الشعب الذي قرر منذ عقود موقفاً رافضاً للتطبيع مع إسرائيل"، وتوقّع أن تقود زيارة إيلي كوهين إلى تصاعد وتيرة المناهضة وسط القطاعات الشعبية كافة.