بدأت المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل، اليوم الجمعة، زيارة رسمية أخيرة إلى اليونان، لتغلق فصلاً صاخباً من العلاقات اليونانية-الألمانية كان قد بدأ خلال أزمة ديون أثينا.
لكن الزيارة لم تخلُ، وفق ما ظهر، من استرجاع الماضي، وإبداء عتب يوناني على ميركل، التي تبنت فرض إجراءات اقتصادية قاسية على أثينا، وهو ما أثار مشاعر سلبية لا تزال موجودة إلى الآن من قبل اليونانيين تجاه المستشارة الألمانية.
وناقشت ميركل، خلال اجتماع اليوم مع الرئيسة اليونانية كاتيرينا ساكيلاروبولو، علاقات اليونان المتوترة في السنوات الماضية مع ألمانيا، القوة الاقتصادية الأوروبية.
وكان لقاء ساكيلاروبولو هو أول اجتماع رسمي لميركل خلال زيارتها للبلاد، التي كانت أزمتها المالية تمثل جزءاً كبيراً من فترة ولايتها في المستشارية الألمانية، التي استمرت 16 عاماً.
مثّلت أزمة اليونان المالية جزءاً كبيراً من فترة ولاية ميركل في المستشارية الألمانية
وقالت ميركل، بعد لقائها ساكيلاروبولو، إن العلاقات مع أثينا "شهدت تقلبات، لكنها ترتكز على أسس متينة". وأضافت عبر مترجم: "ما أعطانا قوة خلال هذه الفترة هو أنه كان لدينا الشعور دائماً بأننا ننتمي بعضنا إلى بعض".
ولم تلق الاستقامة المالية الألمانية أصداءً جيدة لدى اليونانيين، الذين جعلوا من ميركل ووزير ماليتها آنذاك فولفغانغ شويبله هدفاً لغضبهم، فيما كانت البلاد في أوج أزمتها المالية بعد 2008، والتي دفعت بالاتحاد الأوروبي إلى فرض إجراءات تقشف مشددة.
بدورها، قالت رئيسة اليونان، وهي قاضية بارزة سابقة أصدرت أحكاماً بشأن بعض الاقتطاعات في الموازنة، لميركل: "كانت هناك أوقات صعبة وتوتر"، في إشارة إلى العلاقات بين البلدين. وأضافت أن اليونان طُلب منها "دفع ثمن باهظ. كان وضعاً غير مسبوق، وفي بعض الأوقات شعرت اليونان بأنها وحيدة" ضمن الدول الأخرى في الاتحاد. لكن التجارب اللاحقة، بما يشمل مساعدة ألمانيا خلال أزمة الهجرة في 2015، ساهمت في الوصول "إلى تفاهم متبادل"، كما أضافت الرئيسة اليونانية.
ووصفت صحيفة "بيلد" الألمانية ميركل بأنها "إحدى النساء الأشد كرها في اليونان". وكانت ميركل قد أقرت في سبتمبر/أيلول الماضي، بأن "أصعب لحظة في ولايتها كانت حين قدمت مثل هذا القدر من المطالب لليونان". فاعتباراً من العام 2010، طالبت المستشارة الألمانية رئيس الوزراء اليوناني آنذاك الاشتراكي جورج باباندريو، بإجراءات تقشف لخفض العجز العام للبلاد. ومنذ ذلك الحين، تعتبر في اليونان "المرأة الحديدية" لأوروبا التي تطلب جهوداً غير عقلانية من اليونانيين.
ساكيلاروبولو لميركل: اليونان طُلب منها دفع ثمن باهظ
وطلبت ميركل وشويبله من أثينا اقتطاعات مؤلمة في الموازنة، ورفع ضرائب كبير، مقابل ثلاث خطط إنقاذ دولية بقيمة أكثر من 300 مليار يورو، كانت ألمانيا أكبر مساهم فيها من 2010 إلى 2018. كما تم خفض رواتب التقاعد وتراجع الحد الأدنى للأجور إلى حوالى 500 يورو، وبدأت عمليات الخصخصة، واضطرت الخدمات العامة، وخاصة المستشفيات، للعمل بعدد أقل من الموظفين، كما عانت من نقص في الأدوية والمعدات.
وفي 2012، في ذروة أزمة الديون، استُقبلت المستشارة في اليونان بتظاهرة كبرى مناهضة للتقشف رُفعت فيها الصلبان المعقوفة ورسوم كاريكاتورية تصور المستشارة بشارب مثل آدولف هتلر.
ومع انتخاب الزعيم اليساري المتشدد ألكسيس تسيبراس رئيساً للوزراء، في يناير/كانون الثاني 2015، بدأ صراع قوة بين البلدين. وعبّر رئيس الوزراء اليوناني في إحدى المرات عن رغبته في "تمزيق المذكرات"، ودعا ميركل لـ"العودة إلى بلادها". ووصلت الأمور إلى حد تهديد أثينا باستبعادها من منطقة اليورو، إلى أن رضخت اليونان بضغط من الجهات الدائنة واتخذت إجراءات تقشف جديدة.
في ختام 16 عاماً من توليها المستشارية الألمانية، ما زالت ميركل لا تحظى بتأييد من جانب اليونانيين. فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "بيو" للأبحاث في 16 دولة أن 30 في المائة فقط من اليونانيين يقولون إنهم يثقون بها، مقارنة مع ما معدله 77 في المائة في الدول الأخرى.
وقال رئيس الوزراء اليوناني الحالي كيرياكوس ميتسوتاكيس، في 22 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، في بروكسل، إنه يعتقد "بأنها ستكون أول من يعترف، وبعد كل ما قامت به، بأنها طلبت الكثير ومرات عدة من اليونانيين، وأن التقشف قد تجاوز قدرة المجتمع اليوناني على تحمله".
وصفت صحيفة "بيلد" الألمانية ميركل بأنها "إحدى النساء الأشد كرهاً في اليونان"
من جهته، اعتبر عضو مجلس إدارة المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية ألكسندر كريتيكوس، رداً على أسئلة وسائل إعلام ألمانية، أن "الزيارة الوداعية لأنجيلا ميركل إلى أثينا هي مؤشر مهم على أن السنوات التي مرت، وكانت صعبة، من عمر الأزمة الاقتصادية في اليونان، يمكن الآن أن تعتبر منتصف الطريق إلى نهايتها". وأضاف: "مع الحكومة اليونانية المحافظة الحالية، وجدت ميركل أجواء عمل ودية تشير أخيراً إلى عودة الأمور إلى طبيعتها".
بدوره، قال مصدر حكومي يوناني إن زيارة ميركل إلى أثينا تمثّل "منعطفاً لليونان التي باتت الآن تمضي إلى الأمام بعد الأزمة"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "فرانس برس". وعلى جدول أعمال مباحثات ميركل أزمة الطاقة ووباء كورونا، ومسألة الهجرة، والوضع في ليبيا، وحتى العلاقات مع تركيا، بحسب المصدر نفسه.
وتأمل أثينا خصوصاً بألا يكون المستشار الألماني المقبل "متساهلا" مع تركيا، علما أن عمليات التنقيب عن الغاز التي تقوم بها أنقرة في مناطق بحرية متنازع عليها مع اليونان وقبرص توتر علاقاتها مع جيرانها في المتوسط منذ أشهر.
(فرانس برس، أسوشييتد برس)