انخرط المغرب وإسبانيا، مساء أمس، في سجال دبلوماسي زاد من حدة التوتر الذي يلقي بظلاله على علاقات البلدين منذ أسابيع، وذلك قبل ساعات قليلة من المثول المتوقع لزعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية، إبراهيم غالي، اليوم الثلاثاء، أمام القضاء الإسباني.
وأثار بيان للخارجية المغربية، اعتبر أنّ أصل الأزمة مع إسبانيا ليس زعيم "البوليساريو"، بل "انهيار الثقة بين البلدين والمواقف العدائية" لمدريد بشأن ملف الصحراء المغربية، سجالاً علنياً وتبادلاً للاتهامات بين الرباط ومدريد.
فبعد تصريحات لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، التي اتهم فيها المغرب بـ"توظيف ورقة الهجرة بسبب خلافات حول السياسات الخارجية"، ردّت الخارجية المغربية ببيان ثانٍ الإثنين اعتبرت فيه أن رد الفعل الصادر عنه يثير "اندهاشاً كبيراً".
وكان المغرب قد استبق مثول زعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية إبراهيم غالي، أمام المحكمة العليا الإسبانية، بإصدار بيان عصر الإثنين، اتهم فيه مدريد بـ"التواطؤ مع خصوم المملكة للنيل من وحدة أراضيها"، معتبراً أنّ جذور الأزمة في الواقع تتمثل في "الثقة التي انهارت بين البلدين".
ودعت الخارجية المغربية السلطات الإسبانية إلى "توضيح صريح لمواقفها وقراراتها وخياراتها"، بعدما كشفت قضية غالي "المواقف المناوئة والاستراتيجيات العدائية لإسبانيا تجاه قضية الصحراء المغربية. وكشفت تواطؤات الجار الشمالي مع خصوم المملكة لتقويض وحدة أراضيها"، بحسب البيان.
وقالت: "كيف يمكن للمغرب في هذا السياق أن يثق بإسبانيا مرة أخرى؟ كيف يمكن أن نضمن أن إسبانيا لن تتآمر مرة أخرى مع أعداء المملكة؟ هل يمكن للمغرب حقا أن يثق بأن إسبانيا لن تنصرف من وراء ظهره؟ كيف يمكن استعادة الثقة بعد هذا الخطأ الجسيم؟.. في الواقع، يتعلق الأمر بطرح السؤال الأساسي: ما الذي تريده إسبانيا فعلاً؟".
بيان الخارجية المغربية أثار حفيظة رئيس الحكومة الإسبانية، الذي أعلن في وقت لاحق الإثنين رفضه، معتبراً، في تصريح صحافي، أنّ الخلافات السياسية بين البلدين ليست مبرراً لفتح الحدود أمام المهاجرين غير النظاميين.
وفي خطوة تصعيدية، اتهم سانشيز الرباط بـ"توظيف ورقة الهجرة بسبب خلافات حول السياسات الخارجية"، في إشارته إلى موقف مدريد من نزاع الصحراء، معتبراً أنه "من غير المقبول أن تفتح الحدود أمام عشرة آلاف مهاجر لكي يتمكنوا في أقل من 48 ساعة من دخول مدينة إسبانية".
وفي الوقت الذي حاول فيه سانشيز التلطيف من حدة اتهاماته بالقول إنّ المغرب "حليف استراتيجي" لإسبانيا، وإنه "يتعين ألا ينسى أن لا حليف أفضل له من إسبانيا في الاتحاد الأوروبي"، بدا لافتاً استقبال الخارجية المغربية تصريحاته بغضب واستغراب، من خلال بيان أصدرته مساء الإثنين، واعتبرت فيه أنّ رد الفعل الصادر عن رئيس الحكومة الإسبانية "الرافض للبيان المغربي من خلال ربطه بالهجرة" يثير "اندهاشاً كبيراً".
وقالت الخارجية المغربية إنّ الأزمة الثنائية ليست مرتبطة بمسألة الهجرة، وإنّ نشأتها (الأزمة) وأسبابها العميقة باتت الآن معروفة، ولا سيما من قبل الرأي العام الإسباني، معتبرة أنّ "إثارة قضية الهجرة لا ينبغي أن تكون ذريعة لصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للأزمة الثنائية".
وتابعت: "من المشروع أن نتساءل عما إذا كان رئيس الحكومة الإسبانية قد اطلع جيداً على مختلف البيانات ذات الصلة بهذه الأزمة، ولا سيما البيان الصادر اليوم (الإثنين)"، مؤكدة أنه "ليس من صلاحية المسؤولين الأجانب تحديد أي وزير مغربي يتعين عليه التحدث بشأن أي مواضيع".
ومن المنتظر أن يُستمَع إلى غالي، اليوم الثلاثاء، عبر تقنية الفيديو من المستشفى حيث يعالج، في قضيتين، تدور الأولى التي تقدّم بها فاضل بريكا، المنشق عن "البوليساريو"، والذي يحمل الجنسية الإسبانية، حول تهمة ارتكاب "تعذيب" في مخيمات تندوف. في حين تتعلّق الثانية بتهم ارتكاب "إبادة جماعية" و"قتل" و"إرهاب" و"تعذيب" و"إخفاء قسري"، بناء على شكوى تقدمت بها الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومقرّها إسبانيا.
وتعيش العلاقات المغربية الإسبانية على وقع أزمة مكتومة مستمرة منذ أشهر، أشعلها استقبال مدريد لزعيم "البوليساريو"، في 21 إبريل/نيسان الماضي، بهوية جزائرية مزيفة، للعلاج بعد إصابته بفيروس كورونا. وزاد تدفق المهاجرين من الأراضي المغربية إلى مدينة سبتة المحتلة، الأسبوع الماضي، من حدة الأزمة.
وتجمع الرباط ومدريد مصالح عديدة وملفات تعاون في المجال الأمني ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وترسيخ تعاون تسليم المجرمين، وقضايا الأسرة والأحوال الشخصية، والتبادل التجاري والاستثمارات والصيد البحري.
وإلى جانب ذلك، يمثل المغرب الشريك الأول لإسبانيا في مجال محاربة الهجرة غير النظامية، وهو ما ساهم في خفض نسبة المهاجرين الذين استطاعوا العبور نحو إسبانيا بنسبة 45%، حسب ما أكده وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، في لقاء سابق جمعه بنظيره المغربي عبد الوافي لفتيت.
غير أن توقف قنوات الاتصال بين البلدين بفعل أزمة استقبال إبراهيم غالي، وإرجاء القمة الاستثنائية التي كان مقرراً عقدها أواخر العام الماضي، جراء الموقف الإسباني المناهض للاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء؛ أثرا سلباً وعطّلا الحوار حول العديد من القضايا الأمنية والاستراتيجية، وعلى رأسها التنسيق الأمني والهجرة غير النظامية.