في تطور جديد لأزمة سد النهضة الإثيوبي، ردت وزارة الخارجية المصرية، أول من أمس الأربعاء، على تصريحات لوزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية مسغانو أرغا، الثلاثاء الماضي، التي قال فيها إن "محاولة مصر تسييس مياه النيل وسد النهضة لن تفيد أي طرف". واستنكرت الخارجية المصرية "اتهام مصر بتسييس ملف مياه النيل"، مؤكدة أن "استمرار المفاوضات لعشر سنوات من دون نتائج دليل تعنت إثيوبي".
وكان وزير الري المصري هاني سويلم قال إن مصر "تواصل المفاوضات والمناقشات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وقدمت عدداً من المقترحات لها والحلول لتوفير الطاقة"، مضيفاً خلال لقائه أعضاء غرفة التجارة الأميركية في القاهرة، الإثنين الماضي، أن سد النهضة "يمثل ضغطاً على موارد المياه المصرية، لا سيما أن حجم الفيضانات يؤثر بشكل مباشر على كميات المياه الواردة، سواء مرتفعة أو منخفضة". ومع تصاعد حدة التصريحات بين الجانبين المصري والإثيوبي، ترددت في مصر أحاديث حول وجود عيوب فنية ومشاكل تواجه سد النهضة.
محمد حافظ: التوربينات تعمل وليست متوقفة
وقال أستاذ هندسة السدود المصري محمد حافظ لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن أن هناك مشاكل تشغيل بسد النهضة وأن التوربينات توقفت، جاء بناء على صور القمر الاصطناعي الذي يمر على المنطقة كل أسبوع تقريباً، إذ لا يظهر فيها أي دوامات بحوض تصريف التوربينات المنخفضة، ولهذا فقد تم استنتاج أن التوربينات المنخفضة لا تعمل وهناك مشاكل فنية تواجه إدارة سد النهضة".
تصريحات الخبراء المصريين
وأضاف حافظ: "بشكل عام هذه النوعية من التصريحات تتماشى مع التوجه الإعلامي المصري الذي يسعى لإظهار نواقص بسد النهضة، ومثال على ذلك تصريحات العديد من الخبراء المصريين العام الماضي بوجود شروخ بجسم سد السرج، وأن صور القمر الاصطناعي أظهرته باللون الأسود، مع العلم بأن عرض أي شروخ في البلاطة الخرسانية المسلحة الحامية لسد السرج، لا يمكن أن يزيد عن بضعة ميليمترات، ولا يمكن أبداً رؤيتها بالقمر الاصطناعي، بالتالي ما أظهرته الصور حينذاك كان فواصل إنشائية محشوة ببيتومين (الزفت). ولهذا فعندما هطلت الأمطار ظهرت الفواصل محاطة باللون الأسود، لون بيتومين، إلا أنه بعدما تبين خطأ تفسير الخبراء المصريين بهذا الشأن لا يزال الإعلام المصري يستخدم تلك التفسيرات غير المنطقية".
ولفت حافظ إلى أن "تلك التصريحات المضللة تعطي نوعاً من الراحة النفسية لمسؤولي إدارة ملف النهضة، وبشكل عام صور القمر الاصطناعي لا تكذب، وتحتاج إلى تفسير علمي. صحيح أن جميع صور القمر الاصطناعي لسد النهضة وسد الروصيرص السوداني لا تظهر أي دوامات بحوض تصريف التوربينات المنخفضة، ولكن هذا لا يعني أبداً أن التوربينات لا تعمل، بل تعني أنها لم تعمل لحظة مرور القمر الاصطناعي عليه، وتلك اللحظة لا تطول لأكثر من 10 دقائق كل أسبوع".
وأوضح حافظ أن "فائدة الطاقة الكهرومائية المتولدة من السدود، أنها دائماً في حالة استعداد، ففي أقل من 3 ثوان، يمكن تشغيل التوربين لتوليد الكهرباء للشبكة العامة من أجل تعويض أي نقص أو تلبية أي أمر. لذلك إن برنامج تشغيل التوربينات، خصوصاً في الدول النامية يُضبط على التشغيل خلال ساعات الذروة، أي غالباً ما بين الساعة 10 صباحاً حتى 6 مساءً، وربما يمتد حتى الساعة 10 ليلاً. وهي الفترة الحرجة التي تحتاج إلى تدخل التوربينات لتوليد الطاقة، خصوصاً عندما لا يكون لدى سد النهضة غير توربينين يجب الحفاظ عليهما للعمل خلال فترة الذروة، من أجل تعويض أي نقص ناتج من محطات الكهرباء الأخرى التي تعمل حرارياً بالغاز الطبيعي أو الديزل". ولفت حافظ إلى أن "هناك تجهيلا متعمدا للحقائق الخاصة ببرامج تشغيل السدود الكهرومائية، لذلك فبعض وسائل الإعلام المصرية لا تزال تصدق أوهام البعض، بأن توربينات سد النهضة متوقفة منذ شهر سبتمبر/أيلول الماضي".
مخالفات إثيوبية
من جهتها، اعتبرت الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية، خبيرة الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "لا بد من التأكيد على مخالفة إثيوبيا للقوانين والأعراف الدولية. وكل ما تروّج له بأن نهر النيل هو نهر خاص أو محلي مخالف للأعراف الدولية، لأن نهر النيل دولي، وليس داخلياً، يمكن أن تستغله لمصلحتها الحصرية".
ورأت أن "إثيوبيا تستخدم المفاوضات كباب خلفي لتكريس حق مطلق لذاتها لتشييد مشروعات مستقبلية أخرى، وقد عبّرت عنه أديس أبابا في خطاب رسمي لوزير المياه الإثيوبي في 8 يناير/كانون الثاني 2021، جاء فيه أنه لا يوجد أي التزام على بلاده لتوقيع أي اتفاق مع أي دولة لتشييد السد أو أي مشروعات مستقبلية".
نجلاء مرعي: كل ما تروّج له إثيوبيا بأن نهر النيل هو نهر خاص أو محلي مخالف للأعراف الدولية
وأشارت مرعي إلى أن "مصر ليست ضد التنمية للشعب الإثيوبي أو دول حوض النيل، ولكنها تعترض على أي فعل أحادي من دول حوض النيل، من دون الأخذ في الاعتبار مصالح دول المصب".
ولفتت إلى أنه "خلال المفاوضات في السنوات الـ12 الماضية، وجّهت مصر رسالة تعاون لإثيوبيا، مفادها أن نهر النيل للجميع، وأنها متضامنة مع كل ما يفيد الشعب الإثيوبي، ولكن ليس على حسابها، ولا تمانع في استخدام السد لتوليد الطاقة الكهربائية".
وبرأي مرعي، فإنه "في جميع الأحوال، تعتبر كفاءة السد متدنية سواء بالمعايير الدولية أو المعايير الإثيوبية نفسها، ولا ننسى أن تقرير لجنة الخبراء الدولية في عام 2013، اللجنة الوحيدة التي عقدت خلال أزمة سد النهضة، أكد أن في السد أخطاء فنية لم تُراعِ الآثار البيئية الخاصة بالمنطقة. ولا ننسى أن إعلان المبادئ عام 2015 نص على منح إثيوبيا 15 شهراً لاستيفاء تعليقات لجنة الخبراء الدولية".
وأوضحت مرعي أن "إعلان إثيوبيا أخيراً أنها بدأت في توليد الكهرباء، هو إعلان سياسي بسبب أزماتها الداخلية في إقليم تيغراي، فالطاقة المتولدة للسد حتى الآن ما زالت ضعيفة جداً لتشغيل مدينة صغيرة".
وأشارت إلى أن "هناك أهدافا استراتيجية لبناء سد النهضة، لا تنموية فقط كما يروج لها الجانب الإثيوبي، من بينها قضية بيع المياه، ومحاصرة الدولة المصرية سياسياً واستراتيجياً من الجنوب، فإثيوبيا تتعامل مع سد النهضة على أنه النواة التي ستجعل دولتهم فاعلة أو مهيمنة إقليمياً في حوض النيل".
وأشارت مرعي إلى أن "إعلان إثيوبيا عن الملء الرابع، بمثابة إعلان لحالة صراع بين دول حوض نهر النيل، وليس فقط مصر والسودان، لخطورة هذه الخطوة سياسياً، أكثر من الخطورة الاقتصادية أو التنموية، وانفرادها أيضاً بالإجراءات الأحادية هو أمر سلبي، حتى على المستوى الأخلاقي في محيطها الأفريقي، كما أنها لا تلتزم بإعلان المبادئ في 2015، وأفرغته من مضمونه، خاصة في مبدأ التعاون في ملء وإدارة السد".
وشدّدت على أن "المخاوف المائية لمصر، لا تقتصر على سد النهضة فقط، ولكن أن يكون هناك خصم من نصيب حصة مصر التاريخية والمكتسبة، وهناك مخاوف لعدم التوصل لاتفاق ملزم لسد النهضة، سيكون بمثابة سابقة قانونية تستند إليها إثيوبيا في بناء باقي السدود، وقد أعلنت عن خطتها لبناء ثلاثة سدود كبرى تضاهي سد النهضة في سعته التخزينية من المياه، وهناك خطة إنشاء 33 مشروعاً على النيل الأزرق".