فوجئ معتقلون بسجن بدر 3 في مصر، بسماح السلطات لأهاليهم بزيارتهم أخيراً، وذلك بعد سنوات من المنع، وعقب تحركات واحتجاجات قام بها المعتقلون، منها الإضراب عن الطعام ومحاولات انتحار، وتسريب رسائل من داخل السجن تكشف الواقع "المرير" الذي يعيشه السجناء، وهو القرار الذي فسره بعض المراقبين بأنه جاء استجابة لضغوط حقوقية.
وبحسب محامين وحقوقيين، لا يزال المعتقلون في سجن بدر 3 يعانون من تشديد صارم من الأجهزة الأمنية، وذلك بعد مرور شهر ونصف الشهر منذ أعلنوا احتجاجهم على الأوضاع المعيشية المتدنية داخل السجن، وعدم حصولهم على أي من حقوقهم المنصوص عليها في قانون تنظيم السجون ولائحته الداخلية، وعلى رأسها الحق في زيارة أسرهم لهم بشكل منتظم.
زيارات لعدد محدود من السجناء
وقال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي، في حديث لـ"العربي الجديد": "من المؤسف أن نتحدث عن الحد الأدنى لحقوق المعتقلين على أنها مزايا تقدمها السلطة، فالزيارات التي تم السماح بها هي لعدد محدود جداً من السجناء الذين تم ترحيلهم من سجن بدر 3 إلى سجن بدر 1. كما أن الظروف التي تتم فيها تلك الزيارات لا تشجع أبداً على الصمت على الانتهاكات التي ما تزال مستمرة في حق المعتقلين".
خلف بيومي: ليست لدينا معلومات كافية عمّا يحدث في سجن بدر 3، بسبب تعمد التعتيم على أوضاع المعتقلين
ولفت إلى "وجود أنباء عن السماح للباحث الإسلامي حسام البخاري بالزيارة، بعد سنوات من منعه من رؤية أسرته، وكذلك السماح للصحافي خالد حمدي بالزيارة، ليرى أسرته وأطفاله للمرة الأولى بعد 6 سنوات من المنع، وأيضاً توجد أخبار متداولة عن السماح للمعتقل عوض نعمان بزيارة أسرته للاطمئنان عليه، وهو المعتقل الذي حاول الانتحار أواخر فبراير/شباط الماضي بقطع شرايين يده، اعتراضاً على حبسه المطوّل، ومنعه من كافة حقوقه، وفقدان الأمل في الخروج من السجن، والذي تم نقله بعد ذلك من سجن بدر 3 إلى سجن وادي النطرون".
وأضاف بيومي: "السماح بالزيارة لبعض الأشخاص هو أمر محمود، ونتمنى استمراره وزيادته، ولكن أيضاً القدر المسموح بالزيارة لا يتم وفقاً لما ينص عليه القانون، بل هو أيضاً الحد الأدنى، من حيث ظروف مكان الزيارة، وما يُسمح بدخوله من المتعلقات الشخصية، وعدد المرات المسموح بها للزيارة، والمدة الزمنية في كل مرة".
وأكد "وجود مشكلة كبيرة ما تزال قائمة داخل سجن بدر 3"، قائلاً: "ليست لدينا معلومات كافية عمّا يحدث، بسبب تعمد التعتيم على أوضاع المعتقلين، وفي النهاية ليس لدينا رصد حقيقي لأعداد المعتقلين الذين تم ترحيلهم من السجن إلى سجون أخرى، أو الذين حاولوا الانتحار، بسبب ذلك التعتيم الذي تفرضه السلطة، وما يصلنا من معلومات بمثابة اجتهاد شخصي من المعتقلين الذين يتمكنون من تسريب بعض الرسائل للتعريف بأوضاعهم".
من جهته، علّق المحامي والحقوقي محمد رمضان قائلاً، لـ"العربي الجديد"، إن "الزيارة حق أصيل للمسجون وفقاً لقانون تنظيم السجون ولائحته الداخلية، فكيف نقول إن حصول مسجون على حقه القانوني إنه انفراجة؟ بل على النقيض إن ما نما إلى علمنا أن وقت الزيارة قصير جداً بما يخالف لائحة السجون، فكيف يمكن اعتبار مخالفة القانون ولائحة السجون انفراجة؟".
حق المسجون بزيارة كاملة
وتابع: "المسجون له الحق في زيارته كاملة، والمسجون لا يمنع من الزيارة إلا بقرار من النيابة ما عدا محاميه، بمعنى أنه في حالة إصدار قرار من النيابة العامة بمنع أحد المتهمين أو المسجونين من الزيارة بدواعي خطورة القضية، أو لأسباب تخص التلاعب بالأدلة أو التحقيقات، فليس من حقها منعه من زيارة محاميه، فزيارة المحامي مستثناة من أي قرار للمنع، ولكن ما يحدث حقيقة عكس ذلك، فما يدعونه بالانفراجة هو السماح بالزيارة لوقت قصير جداً، ولعدد محدود من المعتقلين في سجن بدر 3 الذين تم نقلهم إلى سجون أخرى، وهذا في حد ذاته انتهاك".
أما محامي المفوضية المصرية للحقوق والحريات، حليم حنيش فقال، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "دائماً ما تواجه وزارة الداخلية الإضرابات عن الطعام داخل السجون والحركات الاحتجاجية بإجراءات تعسفية، ولا تستجيب لأي مطالب أو حقوق للمعتقلين".
وأضاف: "لدى الوزارة ومصلحة السجون أساليب معينة تتبعها في كل مرة للسيطرة على تمرد المعتقلين من بينها تكتيك "التغريب"، أي نقل المعتقلين من السجن الموجودين به إلى سجون أخرى، وهو أيضاً ما حدث مع السجناء في بدر 3، حيث تم تغريب غالبية قوة السجن إلى سجون أخرى، منها بدر 1 ووادي النطرون".
تفكيك الحركة الاحتجاجية
وتابع حنيش: "هدفت الداخلية من تغريب المعتقلين تفكيك الحركة الاحتجاجية وإضعاف قوتها ووحدتها، خصوصاً بعدما تصاعدت الأحداث بشكل قد يؤدي للخروج عن السيطرة، إلى جانب وجود مؤشر جديد ورسالة واضحة ترسلها الداخلية المصرية بأن بدر 3 هو سجن مشدد ومعزول، والسجناء في بدر 3 لن يُسمح لهم بالزيارة تحت أي ظرف، والدليل على ذلك أن بعض المعتقلين الذين نُقلوا إلى سجون أخرى سُمح لهم بالزيارة، فما المنطق من وراء نقلهم إلى مكان آخر بدلا عن السماح لهم بالزيارة في سجن بدر 3؟".
حليم حنيش: لدى الوزارة ومصلحة السجون أساليب معينة تتبعها في كل مرة للسيطرة على تمرد المعتقلين
وفسر حنيش الأمر قائلاً إنه "كان يمكن الاستجابة لحقوق المعتقلين والسماح لهم بالزيارة في نفس السجن، ولكن الرسالة التي تريد الداخلية إرسالها، هي أن بدر 3 بديل عن سجن العقرب، ولن يُسمح لقاطنيه بالزيارة، بل إن حتى سجن العقرب كان يُسمح فيه بالزيارة في بعض الأحيان بعد ضغوط من المعتقلين والمحامين والمنظمات الحقوقية"، على حد تعبيره.
وأردف حنيش: "لا يمكن أبداً تسمية ما يحدث في سجن بدر 3 بالانفراجة مثلما يتم الترويج بسبب السماح لعدد محدود من المعتقلين، الذين تم تغريبهم إلى سجون أخرى بزيارة ذويهم، وهو حق أصيل لهم، بينما يستمر التنكيل وتزداد حدته بالمعتقلين داخل سجن بدر 3، ويتم تهديدهم والاعتداء عليهم ونقلهم من الغرف إلى غرف أخرى شبه انفرادية بعدما تم نقل وتغريب أغلب قوة السجن".
وكان المعتقلون في سجن بدر 3 بدأوا فيما يشبه الاحتجاجات والإضرابات عن الطعام الجماعية في النصف الثاني من فبراير الماضي، اعتراضاً على حبسهم المطول وأوضاعهم المعيشية السيئة.
وأقدم العشرات على الأقل منهم، خلال الفترة الماضية، على محاولة الانتحار، وسط تعتيم متعمد لما يحدث داخل السجن، ونفي في بيان رسمي من الداخلية المصرية منذ ثلاثة أسابيع لحدوث أي انتهاكات داخل سجن بدر، من دون إشارة مباشرة إلى اسم السجن.
وقال المحامي الحقوقي محمد رمضان، لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة انتشار حالات الانتحار داخل سجن بدر، ترجع أولاً للشعور بالاعتقال ظلماً، من دون اقتراف أي جرم، بالإضافة إلى غياب الرقابة الحقيقية على أوضاع السجون. فغياب الرقابة يؤدي إلى حدوث انتهاكات بالجملة داخل السجون، والرقابة على السجون في المقام الأول من اختصاص النيابة والقضاء".