استمع إلى الملخص
- **نجاحات بارزة**: حققت الحملات نجاحات مثل فك ارتباط بلدية إسلنغتون ببنك باركليز، وسحب استثمارات بلدية والتهام فورست، ووقف استثمارات كلية كينغز لندن في شركات الأسلحة، وإلغاء معرض الأسلحة الدولي.
- **تأثير اقتصادي**: أكد عمر البرغوثي أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه تحديات كبيرة مع تزايد سحب الاستثمارات، مشيرًا إلى فقدان الثقة في الاقتصاد الإسرائيلي وتوقف شركة "إنتل" عن الاستثمار في إسرائيل.
تواصل حركة التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة نشاطها لمناصرة الشعب الفلسطيني في تحقيق العدالة بأشكال مختلفة، ومن تلك النشاطات البارزة العمل على حملات ممنهجة من أجل سحب الاستثمارات من إسرائيل ومقاطعتها وفرض عقوبات عليها، وهي مبادئ العمل التي تنشط لأجلها حركة مقاطعة إسرائيل المعروفة بـ"BDS" حول العالم منذ سنوات، في الوقت الذي حقق فيه حراك مقاطعة إسرائيل نجاحات جديدة ولافتة في الأسابيع الأخيرة.
وعقدت حركة التضامن مؤتمرًا خاصًّا السبت الماضي في لندن حضره المئات، تحت عنوان "سحب الاستثمارات من أجل فلسطين"، والذي تناول حملات سحب الاستثمارات في المملكة المتحدة من البنوك وصناديق التقاعد الحكوميّة المحليّة والجامعات، والسعي للعمل والتخطيط لسحب الاستثمارات من الشركات التي تساعد في دعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. واعتبر منظمو المؤتمر أن "حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة" أدّت إلى استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ونزوح أكثر من 85% من إجمالي السكان، مرات عديدة. وبسبب الحصار الإسرائيلي، واستهدافه البنية الأساسية التي تدعم الحياة، يواجه الفلسطينيون في غزة مجاعة وشيكة. ورأى المنظمون أن إسرائيل "لا تستطيع تنفيذ هجماتها المدمرة على الفلسطينيين في جميع أنحاء وطنهم" إلا بفضل الشركات والمؤسسات المالية الداعمة في جميع أنحاء العالم.
وهذا يشمل الشركات التي تُزوّد إسرائيل بالأسلحة والتكنولوجيا العسكريّة المستخدمة في هجماتها على الفلسطينيين، أو الشركات التي توفر البنيّة الأساسيّة، مثل الطرق أو خطوط النقل، للاحتلال العسكري الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية، إضافة للشركات التي تمارس نشاطًا تجاريًّا في أو مع المستوطنات غير القانونية، وبالتالي تساهم في استعمار إسرائيل الأراضي الفلسطينيّة.
مرحلة جديدة من النشاطات لسحب الاستثمارات
وقال المدير العام لحركة التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة بن جمال، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مشاركة المئات وقادة من حركات التضامن حول العالم "في هذا النشاط تعكس أهمية الحراك المتواصل لدعم الشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى أن "المملكة المتحدة تشهد توسعًا كبيرًا في حركة التضامن مع فلسطين، وهذا ينعكس في حجم المشاركة بالتظاهرات الوطنيّة المستمرة منذ عشرة أشهر في لندن"، في إشارة إلى الاحتجاجات الرافضة الحرب على غزة.
وقال بن جمال: "لكن ما يحتاجه الفلسطينيون هو إنهاء تواطؤ حكومتنا والمؤسسات والشركات. نحن نقوم بالتعبئة للضغط على حكومتنا، والمؤتمر اليوم هو لمناقشة كيفية أخذ القوة في تعبئتنا التي نشهدها في الشارع وترجمتها لأفعال وحملات تستهدف المجالس المحليّة والجامعات، لنضع مطالبنا أمامهم بالتوقف عن الاستثمار في شركات متواطئة بدعم نظام القمع الإسرائيلي، إضافة لاستهداف بنوك مثل بنك باركليز، الذي يستثمر في مشاريع توفر السلاح لإسرائيل".
وأشار بن جمال إلى أن المؤتمر جمع شخصيّات من جميع الحملات في المملكة المتحدة بهدف "التخطيط للمرحلة المقبلة في بناء دفعة جديدة لهذا النشاط". وكشف عن وجود مجموعات خاصّة تقوم بالبحث عن كل استثمارات الجامعات والمجالس المحليّة، ومن ثم نشر المعلومات على موقع الحركة على الإنترنت، المتعلقة بالاستثمارات في إسرائيل. وأضاف "لدينا 100 فرع للحركة في أنحاء المملكة المتحدة، الذين ينشطون ضمن شبكات في حملات ضغط مختلفة، ورأينا نتائج ذلك في أكثر من مكان، آخرها سحب أكبر صندوق تقاعد في المملكة المتحدة أصوله من إسرائيل وبيعها، إضافة لاستجابة عدد من المجالس المحليّة لمطالب الحملات".
ولفت بن جمال إلى أن "الـ23 من الشهر الحالي، سيكون يومًا وطنيًّا لحركة التضامن للخروج في وقفات وتظاهرات تهدف إلى سحب الاستثمارات من إسرائيل في عدة مواقع"، قائلًا إن الحركة "تبني على النجاحات السابقة، بهدف الضغط على الأجسام الأخرى للتجاوب، خصوصًا المجالس المحليّة التي ستشهد انتخابات عامّة بعد عامين، وسنقوم بتحويل هذه القضيّة، إلى قضيّة شعبيّة في الانتخابات كما فعلنا مؤخرًا في انتخابات مجلس العموم البريطاني".
نجاحات بارزة لحملات سحب الاستثمارات
يذكر أن الحكومة البريطانيّة السابقة بقيادة حزب المحافظين، عملت على سن قانون لمنع الأجسام المحليّة مثل المجالس والبلديات والجامعات، من مقاطعة شركات ودول بسبب مواقف سياسيّة وأخلاقيّة، وهو ما كان يستهدف بالأساس حركة مقاطعة إسرائيل، إلا أن تبكير الانتخابات البرلمانيّة وخسارة المحافظين، منع سن هذا القانون بشكل نهائي.
ومن النجاحات الأخيرة التي حققتها حملات سحب الاستثمارات، إعلان بلدية إسلنغتون في لندن فك ارتباطها ببنك باركليز؛ بسبب تعاونه مع جهات مشبوهة، وتورطه في دعم الاحتلال الإسرائيلي. ووعد رئيس الشؤون الماليّة في بلدية إسلنغتون بعقد شراكة مالية جديدة مع جهات أكثر التزامًا بالمعايير الاخلاقيّة، بعد تواطؤ بنك باركليز في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في غزة، إلى جانب استثماراته في شركات الوقود الأحفوري. كما أعلنت بلدية والتهام فورست في لندن سحب استثماراتها من الشركات المرتبطة بإسرائيل، حيث تستثمر البلدية التي يديرها حزب العمال حوالي 773 ألف باوند من أموال المتقاعدين في شركات تصدر الأسلحة إلى إسرائيل. وقال مجلس بلدية والتهام فورست إنه سحب هذه الاستثمارات بعد أن أعاد النظر في الشروط الأخلاقية للاستثمارات.
وفي نهاية الشهر الماضي، أعلنت كلية كينغز لندن إصدار قرار يقضي بوقف استثماراتها في شركات تعمل في إنتاج الأسلحة أو تصديرها، وذلك بعد احتجاجات طلابيّة واسعة النطاق شهدتها الجامعة تضامنًا مع غزة. ولعل الخبر الأبرز كان إعلان أكبر صندوق تقاعد في القطاع الخاص في بريطانيا، عن بيع 80 مليون جنيه إسترليني (102 مليون دولار) من الأصول الإسرائيليّة رفضًا لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد الفلسطينيين، لينضم إلى موجة من صناديق التقاعد العالميّة التي تبيع الأصول الإسرائيليّة، بما في ذلك أكبر صندوق تقاعد في النرويج.
وأعلنت حركة التضامن مع فلسطين تحقيق نجاح جديد صباح الاثنين، تمثل في إلغاء معرض الأسلحة الدولي للمركبات المدرعة من ملعب تويكنهام في لندن، وذلك بعد سنوات من حملات الضغط، كما جاء في حسابهم على موقع إكس. وقالت الحركة: "لن يعود معرض الأسلحة الذي تشارك فيه الشركات المنتجة للأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في هجماتها على الفلسطينيين إلى تويكنهام في عام 2025".
البرغوثي: الاقتصاد الإسرائيلي سفينة بدأت تغرق
بدوره قال العضو المؤسس في حركة مقاطعة إسرائيل، عمر البرغوثي في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إن "المؤتمر الذي تنظمه أهم منظمة تضامن في بريطانيا، ومن أبرز حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني في العالم، له أهمية بالغة في حراك سحب الاستثمارات، لأن الكثير من البلديات والجامعات والمستشفيات والمسارح والمجالس المحلية والمؤسسات الكبيرة جميعها لديها استثمارات في شركات وبنوك تدعم الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي". وأشار إلى أهمية وجود حركة مقاطعة إسرائيل في المؤتمر "لأن مسؤولية حركة التضامن مع فلسطين ليس فقط رفع شعارات للشعب الفلسطيني، مثل إنهاء الاحتلال والأبارتهايد، وعودة اللاجئين، وهذا مهم جدًّا، بل إنهاء التواطؤ. المهمة الأولى لحركة التضامن هو إنهاء تواطؤ المؤسسات وتواطؤ الشركات وتواطؤ الحكومة".
البرغوثي الذي شارك في أعمال المؤتمر اعتبر أنه خلال الأشهر الأخيرة خلال "حرب الإبادة الإسرائيليّة ضد شعبنا في غزة، حققنا إنجازات أكثر بكثير من سنوات نضالنا في حركة المقاطعة، رغم عدم تغطية ذلك في وسائل الإعلام المهيمن في الغرب. على سبيل المثال أكبر صندوق استثماري في بريطانيا سحب استثماراته من أسهم شركات متورطة مع إسرائيل بالذات سندات الحكومة الإسرائيلية وهذا مهم جدًّا، لأنه عندما يقوم صندوق محلي استثماري ببيع أصوله من السندات الحكوميّة الإسرائيليّة معناه فقد الثقة في إمكانية أن يقف الاقتصاد الإسرائيلي على قدميه في المستقبل. هي سحب ثقة من الاقتصاد الإسرائيلي".
وأضاف البرغوثي "نحن في حركة المقاطعة نتحدث دومًا على أنه يوجد واجب أخلاقي في عدم الاستثمار في نظام الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، وهناك واجب قانوني بألا تستثمر في دولة تمارس الإبادة الجماعيّة فهذا يخالف القانون، ولكن إلى جانب ذلك أيضًا، هناك غباء اقتصادي أن تستثمر في سفينة تغرق، هذه اللغة التي نستخدمها في حركة المقاطعة. الاقتصاد الإسرائيلي سفينة تغرق. ويمكننا تشبيهه بلحظة اصطدام سفينة تايتانيك بجبل الجليد، ونحن لا نبالغ". وأشار إلى عدد من المؤشرات لذلك تتعلق بالتصنيف الائتماني لإسرائيل، وحالة البنوك الإسرائيليّة، وظاهرة سحب رؤوس الأموال الضخمة من الاستثمار في الهايتك (التكنولوجيا المتطورة) في إسرائيل وغيرها، قائلًا: "هناك مؤشرات عديدة على أن الاقتصاد الإسرائيلي بدأ بالانهيار. لا نريد أن نبالغ ونقول إنه سينهار غدًا، ولكن بدأ بالانهيار لذلك الاستثمار في إسرائيل هو استثمار غبي".
وتطرق البرغوثي عن ذلك لتصريحات رئيس المجلس الاقتصادي في مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلي سابقًا، يوجين كاندل، وهو شخصيّة اقتصاديّة مهمّة بالقول: "بحسب تقديره، فإن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه الموت البطيء أو الموت السريع. يعني إما السرطان أو السكتة القلبية. وهو يعتقد أن الاقتصاد الإسرائيلي لا أمل له إلا إذا حصلت تغيّرات جوهريّة غريبة، لكن رأس المال جبان. عندما يفهم رؤساء الشركات والمستثمرون أن هذا الاقتصاد يشكل تهديدًا حقيقيًّا على استثماراتهم، فلن يستثمروا". وأضاف "بعض المستثمرين صهاينة ويستثمرون بسبب الأيديولوجيا فقط، لكن أغلب المستثمرين يريدون أرباحاً، ولن تتمكن من جني أرباح في اقتصاد قد ينهار أو قد يتعرض لانهيار مفاجئ، لذلك بدأ سحب الاستثمارات من إسرائيل من منطلق أخلاقي وقانوني وأيضًا من منطلق اقتصادي، كما حصل مع الصندوق النرويجي وهو أكبر صندوق سيادي في العالم الذي باع كل أسهمه في سندات الحكومة الإسرائيلية، ما يقارب 500 مليون دولار. وكونه أهم صندوق سيادي في العالم فكل صناديق الاستثمار تنظر إليه، مما يدلل على وجود مشكلة في الاقتصاد الإسرائيلي جعلت النرويجيين يشعرون بعدم الثقة فيه".
وتوقع البرغوثي حصول عمليات سحب استثمارات مماثلة في المستقبل، مشيرًا إلى توقف شركة "إنتل" الأميركية، المتخصصة في رقاقات ومعالجات الكمبيوتر، عن الاستثمار في إسرائيل "التي كانت ستستثمر مبلغ 25 مليار دولار في مصنع إضافي في (مستوطنة) كريات غات، وهي قرية عراق المنشية المهجرة، التي تبعد فقط 25 كيلومتراً من غزة". وأشار إلى أن توجهات حركة المقاطعة لشركة إنتل كانت حول "الواجب الأخلاقي وأيضًا القانوني لعدم الاستثمار. قلنا لهم قد نلاحقكم كمديرين وشركات قانونيًّا، فكل من ينتهك حقوق الإنسان بشكل متعمد، قد يتعرّض للملاحقة قانونيًّا من ناحية جنائية". وأضاف "كذلك أشرنا إلى أنهم يستثمرون في مصنع بمبالغ كبيرة على بعد 25 كيلومتراً من غزة. هل هذا الاستثمار ذكي؟ واضح أن هذه الرسالة تحديدًا أثرت جدًّا في كبار المساهمين في شركة إنتل، وقاموا بشبه ثورة داخليّة، وأجبروا الشركة على وقف هذا الاستثمار"، على حد تعبيره.