قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن الخطاب الذي أدلى به رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، أمس الخميس، لتهنئة الصين بالذكرى المئوية للحزب الشيوعي الحاكم، تم التخطيط له على سبيل استهداف تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، بما يسمح بعدم وقوف بكين في طريق انعقاد جلسة مجلس الأمن المرجوة من القاهرة والخرطوم للنظر بالنزاع حول سد النهضة الإثيوبي. والأهم من ذلك، تشكيل عامل ضغط أكبر على أديس أبابا لمنعها من إلحاق الضرر بمصر خلال عملية الملء الثاني وما سيليها من إجراءات خاصة بالملء والتشغيل.
ففي بادرة نادرة، أفرد السيسي أمس خطاباً متلفزاً بلغت مدته نحو خمس دقائق لتهنئة الصين بذكرى تأسيس الحزب الشيوعي، وصفه خلالها بـ"الصرح العملاق العظيم الذي قاد بلاده بحكمة مثلت قصة نجاح يسعى كثيرون إلى دراستها والاستفادة منها". وأوضح أنه يسعى لتوسيع آفاق التعاون بين البلدين، موجهاً الشكر للصين "على دعمها الكبير لرفع قدرات مصر في مواجهة جائحة فيروس كورونا".
تعرقل الصين انعقاد جلسة لمجلس الأمن حول السد
وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أنّ التقارب بين البلدين بشكل ملحوظ في عهد السيسي، والدعم الذي منحته بكين بصور مختلفة لمصر مقابل منح مزايا لمستثمريها في مشروعات حكومية مختلفة على رأسها في العاصمة الإدارية الجديدة، والتعاون الأمني في السنوات الماضية لترحيل الطلاب المسلمين الإيغور من مصر، ومواجهة ما تصفه الدولتان بـ"التطرف الإسلامي"، لم يكن كافياً لتغيير موقف الصين من سد النهضة، إذ ما زالت تعرقل إلى حد كبير دعوة مجلس الأمن إلى الانعقاد لدراسة القضية.
كما أنّ المساعدة الصينية في القضية لا تقتصر على الموقف في مجلس الأمن، بل تتعلق أيضاً بالإسراع في تنفيذ التعهدات السابقة، بتقديم مساعدات كبيرة لمصر لمساعدتها على منع وقوع الأضرار المتوقعة بما لها من خبرات طويلة في التعامل مع قضايا الأنهار، وذلك عبر دعم جهود مصر في معالجة المياه ورفع كفاءة تحليتها وإعادة استخدامها وتحسين جودة مياه النيل ذاتها، من خلال جلب منظومات جديدة للتعامل مع أشكال من التلوث المتوقع دخولها على مياه النيل جراء تغيّرات عدة ستحدث على منظومتي الري الإثيوبية والسودانية بسبب السد، بما سيغيّر الطبيعة البيئية للمياه الواصلة إلى بحيرة ناصر المصرية. إذ تؤكد المصادر أنّ التقارير الفنية لا تتحدث فقط عن خروج آلاف الأفدنة من الرقعة الزراعية على مراحل، وربما يبدأ ذلك في العام المقبل، ولكن أيضاً عن الإنفاق المالي الضخم الذي يجب على مصر الاستعداد له لعلاج نتائج التطور الذي سيطرأ على استخدام المياه للأغراض الزراعية والصناعية والتنموية في كل من إثيوبيا والسودان، من استخدام مكثف للمبيدات وزيادة كميات الصرف الصناعي والزراعي في حوض النيل.
وهناك مشروعات تدخل في حزمة التعامل مع آثار سد النهضة، تعتبر ضخمة بالنسبة لمشروعات منظومة المياه المصرية الحالية، وتسعى القاهرة للاستفادة من خبرات التعامل معها في دول كالصين، خاصة في مجالات علمية متقدمة كالأدوات المتقدمة لحساب البصمة المائية، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بطرق غير معتادة في الشرق الأوسط، وتحسين البيئة النهرية وخفض الهدر العام من المسطحات المائية. وترى بكين أن هذه فرصة مواتية لزيادة تأثيرها الاقتصادي وتعميق مستوى التعاون مع جميع الدول الرئيسية بحوض النيل.
وكشفت المصادر أنّ المسؤولين الصينيين أبلغوا في الساعات الأخيرة أطرافاً مختلفة داخل مجلس الأمن، من أعضاء دائمين وحاليين، بأنهم على استعداد للانخراط في وساطة حركية لحل أزمة سد النهضة، على ألا يتم تداولها في مجلس الأمن على الإطلاق، الأمر الذي أصاب الجانب المصري بالإحباط والغضب.
وفي انعكاس للخلافات القائمة بمجلس الأمن حول القضية، لم يعلن المجلس حتى مساء أمس الخميس، عن جدول أعماله لهذا الشهر، ومن المتوقع إعلان ممثل فرنسا، رئيس المجلس لهذا الشهر، عنه خلال ساعات. وتأمل مصر والسودان أن يتضمن جدول الأعمال العادي لشهر يوليو/تموز الحالي، تطرق جلسة أو أكثر للقضية خلال الأسبوع الأول، قبل الدخول في الأوقات الحاسمة قبل إتمام الملء الثاني المتوقع في 22 يوليو الحالي.
إثيوبيا تقترب من مستوى الملء الأول لبحيرة سد النهضة
وفي سياق المتابعة الفنية للأزمة بالتوازي مع الجهود الدبلوماسية، كشفت مصادر فنية مصرية عن حدوث زيادة جديدة في حجم أعمال التعلية الوسطى لسد النهضة تتراوح بين 575 و577 متراً فوق سطح البحر، خلال هذا الأسبوع، مع ارتفاع في منسوب بحيرة السد إلى حوالي 4.5 مليارات متر مكعب من المياه، وهو ما يقل بنحو 500 ملايين متر مكعب عما كان عليه منسوبها في أغسطس/آب الماضي بنهاية فترة الملء الأول. وذكرت المصادر أنّ الملء حتى الآن يسير بصورة "عادلة"، إذ ما زالت إثيوبيا تسمح بخروج المياه من السد إلى حوض النيل الأزرق لتصل إلى بحيرة سد الروصيرص في السودان، مع عدم رصد أي مؤشرات سلبية لبدء الملء على أول السدود السودانية أو أي سدود أخرى بعده حتى السد العالي المصري، حتى الآن.
وأوضحت المصادر أنّ السيناريو الأسوأ حالياً، هو أن ترفع إثيوبيا بسرعة معدل الإنجاز في التعلية الوسطى وتتجه إلى غلق فتحتي المياه من السد لزيادة معدلات التخزين مع زيادة معدلات سقوط الأمطار، لتعويض ما فات من موسم الفيضان، أخذاً في الاعتبار التباطؤ الذي كان يسود الأعمال في إبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين. وأشارت المصادر في هذه النقطة، إلى أنّ التعلية الحالية ما زالت لا تسمح لإثيوبيا بإنجاز الملء الثاني كما كانت تريد، بحجز 10 مليارات متر مكعب تقريباً من المياه، أي ضعف ما تم تخزينه في الملء الأول، وأقل بنحو 3 مليارات متر مكعب مما كان الإثيوبيون يطمحون له في الملء الثاني، لكنه بالتأكيد سيكفي المرحلة الأولى التجريبية لتوليد الكهرباء والمقررة في الأسبوع الرابع من أغسطس/آب المقبل.
وكانت إثيوبيا قالت في تقرير حديث رفعته لمجلس الأمن، إن الملء الثاني لن تزيد نسبته عن 22 في المائة من متوسط تدفق النيل الأزرق، مما يعني إمكانية استفادة السودان ومصر من النسبة الباقية كلها خلال الموسم الحالي. وذكرت أنّ هذه الكمية في الأساس كانت مصر والسودان تُحرمان من الاستفادة من ضعفيها على الأقل بسبب ضعف إمكانات التخزين في السودان تحديداً، بالإضافة إلى أن معدل التغيّر في التدفق السنوي كان متوسطه في العشرين سنة الأخيرة 8 مليارات متر مكعب، مما يعني احتمالية فقدانها من الأساس. وذكر التقرير أن الملء الثاني للسد يهدف فقط إلى التشغيل التجريبي لمولدين اثنين من مولدات الطاقة التي تم تزويد السد بها.