يكتنف الغموض مجموعة عسكرية معارضة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، سلطة الأمر الواقع في شمال سورية، والتي يحكم جهازها الأمني سيطرة مطلقة على إدلب ومحيطها، ما يحول دون نشاط مناهض للهيئة، التي تمر بـ"اضطراب أمني"، في ظل أنباء عن اكتشافها شبكات "تخابر" و"تجسس" داخلها لصالح التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
"سرايا درع الثورة" في إدلب
وأعلنت مجموعة تطلق على نفسها اسم "سرايا درع الثورة"، الأول من أمس الجمعة، عن اغتيال قيادي في الجهاز الأمني لـ"هيئة تحرير الشام" يدعى إبراهيم محمد العلي، ومعروف باسم "أبو صهيب سرمدا"، إثر استهدافه بعدة طلقات بعد نصب حاجز مؤقت للمجموعة في منطقة بئر الطيب القريبة من مدينة معرة مصرين، شمالي محافظة إدلب، شمال غربي سورية.
وبثت المجموعة صوراً للقيادي أثناء إلقاء القبض عليه، وصوراً أخرى بعد اغتياله، وتركت بالقرب من جثته شعار "الجيش السوري الحر"، وكُتب تحته اسم المجموعة التي نشرت صور بطاقات شخصية عسكرية كان يستخدمها القيادي للتخفي والتنقل ضمن مناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري" في منطقة "درع الفرات" في ريف حلب، شمالي البلاد.
وكانت مجموعة ملثمة قد أعلنت، منتصف يونيو/ حزيران الماضي، في تسجيل مصور، عن تشكيل ما يسمى "سرايا درع الثورة"، متوعدة مكونات "هيئة تحرير الشام" في حال عدم إطلاق سراح المعتقلين في سجونها.
محمود السايح: السرايا ذراع خفية لهيئة تحرير الشام
وفي نهاية الشهر ذاته، أعلنت المجموعة في مقطع فيديو عن استهداف مقر عسكري لـ"هيئة تحرير الشام" في قرية حرزة القريبة من بلدة الدانا على الحدود السورية ـ التركية، في ريف إدلب الشمالي، مؤكدةً وقوع قتلى وجرحى بين مسلحي الهيئة جراء الاستهداف.
وتفرض "هيئة تحرير الشام" قوانين متشددة على مناطق سيطرتها، وهي تعارض أهداف الثورة السورية، وتسعى لفرض "كانتون" في شمال غربي سورية، تحكمه وفق هذه القوانين، وهو ما يرفضه أغلب القاطنين في محافظة إدلب ومحيطها.
وشكك الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية محمود السايح، في حديث مع "العربي الجديد"، في وجود مجموعة تحمل اسم "سرايا درع الثورة" في شمال غرب سورية، مناهضة أو معارضة لـ"هيئة تحرير الشام"، معرباً عن اعتقاده بأنها مجرد "ستار" للهيئة لـ"تصفية الأشخاص المنتهية صلاحيتهم، والذين يشكلون خطراً محتملاً على استقرار الأوضاع الحالية في المناطق التي تسيطر عليها في محافظة إدلب وبعض ريف حلب".
وتابع: يبدو أن مجموعة "سرايا درع الثورة" ذراع خفية للسلطات القائمة (هيئة تحرير الشام) موكل إليه تنفيذ عمليات كي يبقى الجهاز الأمني التابع لها بعيداً عن دائرة الاتهامات.
وجاءت عملية اغتيال القيادي في الجهاز الأمني داخل "هيئة تحرير الشام" في ظل "اضطراب أمني كبير" تعيشه الهيئة، وفق باحث في شؤون الجماعات الإسلامية فضّل عدم ذكر اسمه. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "يبدو أن قيادة الهيئة أمرت خلال الأيام القليلة باعتقال عدد من عناصرها بتهمة التخابر مع التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة".
وأشار إلى أن "سرايا درع الثورة اسم فضفاض يمكن أن يعمل تحته أكثر من طرف، ويمكن من خلاله تصفية حسابات بين هذه الأطراف في شمال غرب سورية".
صناعة "هيئة تحرير الشام"؟
ولا يستبعد الباحث أن تكون هذه المجموعة "من صنع هيئة تحرير الشام نفسها لتنفيذ عمليات اغتيال بحق معارضين لها أو منشقين عنها"، لافتاً إلى أن الجهاز الأمني التابع للهيئة "قادر على الوصول إلى أي شخص أو جهة تمارس نشاطاً معارضاً لها"، مضيفاً: "الهيئة تحكم سيطرتها على محافظة إدلب ومحيطها، ومن ثم من الصعوبة بمكان أن تنشط أي مجموعة أو فصيل داخل مناطق سيطرة الهيئة وتبقى خارج دائرة الاستهداف والسيطرة".
باسل معراوي: لا يمكن عزل حادث اغتيال العلي عن عملية تصفية وصراع واسع النطاق داخل الهيئة
وتسيطر "هيئة تحرير الشام" منذ نحو ست سنوات على الشمال الغربي من سورية، الذي يضم قطاعاً واسعاً من محافظة إدلب، وبعض القرى والبلدات من ريف حلب، وجانباً من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي.
وحاولت، أواخر العام الماضي، توسيع نطاق سيطرتها ليشمل منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، مستغلة خلافات داخل فصائل المعارضة السورية، إلا أن الجانب التركي حال دون ذلك، وأجبرها على العودة إلى مناطق سيطرتها في ريف إدلب، إلا أنها احتفظت بحضور من خلال فصائل معارضة تدور في فلكها.
وفي السياق، لا يستبعد الباحث باسل معراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تكون مجموعة "سرايا درع الثورة" مجرد "تنظيم وهمي ولا وجود له على أرض الواقع"، مستدركاً بالقول: "حتى لو كان موجوداً بالفعل، فهو لا يمكن أن يشكل خطراً على القوة الأمنية والعسكرية الضاربة لـ(هيئة تحرير الشام) في مناطق سيطرتها".
ولفت إلى أن الهيئة "ابتلعت وروّضت عشرات الفصائل العسكرية بمختلف اتجاهاتها خلال السنوات السابقة، ولا يمكن أن يهددها تنظيم سري من هذا النوع في مناطق سيطرتها".
ورأى معرواي أنه "لا يمكن عزل حادث اغتيال القيادي إبراهيم محمد العلي عن عملية تصفية وصراع واسع النطاق داخل الهيئة، طفا على السطح أخيراً، مرتبط بكشف شبكات التجسس والتخابر ضمن صفوفها"، معرباً عن اعتقاده بأن الهيئة حالياً "مأزومة وتخشى على مستقبلها في ظل المسار الرباعي الذي تقوده موسكو للتقريب بين النظام وتركيا".
وأشار إلى ان الهيئة تلقت أخيراً "ضربة قاسية، حيث تبيّن أنها مخترقة من التحالف الدولي عبر شبكات داخلها ضمت شخصيات مهمة ومؤثرة داخل جهازها الأمني"، مضيفاً: هناك أنباء عن اعتقال الهيئة نحو 200 شخص داخلها يبدو أنهم مرتبطون بالتحالف الدولي.
وكان التحالف الدولي قد استهدف في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" شخصيات بارزة في تنظيمات متشددة، لعل أبرزها زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي الذي قتل في ريف إدلب نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019. كما قتل التحالف خليفته أبو إبراهيم القرشي، في فبراير/شباط من العام 2022، بغارة في محافظة إدلب، شمال غربي سورية، الذي تحكم السيطرة عليه "هيئة تحرير الشام".