صوّت سكان بلدة غريْز، البلدة الواقعة قرب لندن، بأغلبية ساحقة لصالح اتفاقية بريكست، التي انسحبت بموجبها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن بعد ثلاث سنوات على الانسحاب، ينتاب البعض شعور بالندم، فيما تشهد البلاد أزمة تلو الأخرى.
تقول ماريا إيفارس (42 عاماً): "صوتُّ لصالح بريكست، لكني نادمة على ذلك"، وتضيف أنها تشعر بأن السياسيين خدعوها.
وتوضح المستشارة النفسية في البلدة الواقعة على بعد 30 كيلومتراً شرق العاصمة البريطانية "لم يقدموا لنا الحقائق كاملة (...) أخبرونا أشياء لم تكن صحيحة".
وتشرح: "البلاد الآن مثل سفينة دون ربان" بعد تنحية رئيسين للحكومة المحافظة العام الماضي، أحدهما بوريس جونسون الذي قاد حملة الخروج من الاتحاد.
في الاستفتاء عام 2016، صوت 72.3 بالمائة من الناخبين لصالح الخروج من بريكست في دائرة ثوروك بمنطقة ساسكس، التي تضم غريْز وهي أكبر بلداتها ويسكنها قرابة 75 ألف شخص.
كانت النسبة رابع أكبر نتيجة مؤيدة لبريكست ضمن 382 منطقة تصويت في بريطانيا أيدت الانفصال.
واختار نايجل فاراج، المشكك في هيئات الاتحاد الأوروبي، دائرة ثوروك مكاناً للإعلان عن برنامجه المناهض للاتحاد، في الانتخابات العامة في مايو/ أيار من عام 2015.
والمنطقة التي كانت تعتمد على الصناعة واستقبلت العديد من المهاجرين من شرق أوروبا تضم أيضاً تيلبوري أحد أكبر موانئ الحاويات في البلاد.
يُذكر أنه في عام 2017 أعدت وكالة "فرانس برس" تقريراً من المنطقة، وجد أنه لم يكن لدى المؤيدين لبريكست ندم يذكر على تصويتهم بعد عام. لكن مفاعيل الخروج من الاتحاد لم تظهر بالكامل إلا في نهاية يناير/ كانون الثاني من عام 2020.
وعد جونسون بريطانيا "بتلال تضيئها الشمس"، لكنها تشهد الآن أزمة تكلفة معيشة خانقة نجمت عن تضخم مرتفع جداً.
كما أفلس مجلس ثوروك المحلي فعلياً في ديسمبر/ كانون الأول، بعد سلسلة من الاستثمارات الكارثية.
وفي وسط بلدة غريْز، المخصص للمشاة، وضعت على نافذة متجر مهجور لافتة "مغلق إلى الأبد".
ومثل العديد من الشوارع الرئيسية الأخرى في بريطانيا، فإن معظم المتاجر المتبقية يهيمن عليها تجار التجزئة الذين يقدمون خصومات ويعرضون سلعاً بجنيه واحد، ومتاجر خيرية ومكاتب رهانات.
وفيما تعزو الحكومة الصعوبات الاقتصادية في بريطانيا إلى الوباء والحرب في أوكرانيا، يُلقى باللائمة بشكل متزايد على بريكست في تراجع البلاد، بعد أن أغلقت الحدود مع السوق الأوروبية الموحدة عبر بحر المانش من إيسكس.
وقالت امرأة أخرى تبلغ من العمر 50 عاماً، طلبت عدم الكشف عن هويتها، "نعم صوتُّ لصالح بريكست وليتني لم أفعل ذلك".
وأضافت: "انظروا للبلد الآن، إنها كارثة أليس كذلك؟"، موضحةً أن معظم الأشخاص الذي تعرفهم نادمون على تصويتهم بنعم.
وقالت إيفارس إن الذين دافعوا عن تصويتهم لبريسكت يشعرون الآن "بالإحراج" بل "بالخجل".
ولم ينخفض مستوى التأييد لبريكست في أنحاء البلاد إلى هذا الحد من قبل، وفق استطلاع أجرته مؤسسة يوغوف ونُشر في نوفمبر/ تشرين الثاني.
ويعتقد أقل من ثلث البريطانيين أن قراراهم كان صائباً، أي أن واحداً من كل خمسة مؤيدين للخروج غيّروا رأيهم بحسب الاستطلاع.
وتساءل موظف لدى خدمة الصحة الوطنية في غريْز، أراد البقاء في الاتحاد، "ما الذي كان يتوقعه المؤيدون لبريكست؟"، مضيفاً: "خسرنا تمويل الاتحاد الأوروبي".
وكان "إنقاذ خدمة الصحة الوطنية (NHS)" شعاراً لحملة جونسون للخروج من الاتحاد. فقد كتب على حافلة حملته الانتخابية الحمراء: "نرسل للاتحاد الأوروبي 350 مليون جنيه إسترليني أسبوعياً (...) لنموّل NHS بدلاً من ذلك".
وحالياً ينظم عمال خدمة الصحة الوطنية ممن يشملون للمرة الأولى ممرضين وممرضات إضرابات احتجاجاً على الرواتب التي تقدمها الحكومة.
لكن إيلين ريد، البالغة من العمر 73 عاماً، والتي كانت تعمل في قطاع المال في لندن، ليست ضمن معسكر النادمين.
وقالت: "قد أصوت مجدداً لصالح الخروج (...) نحن نعيش على جزيرة. شعرت بأننا فقدنا السيطرة. بروكسل نقضت العديد من القوانين".
وتابعت: "الكثير من الأمور حدثت إلى حد لم تتح لنا الفرصة لرؤية كل فوائد" بريكست.
ويقدر مكتب الحكومة البريطانية المكلف بـ"مسؤولية الموازنة" أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيخفض حجم الاقتصاد البريطاني بنحو 4 بالمائة في المدى البعيد.
لكن لا حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك المحافظة، ولا حزب العمال المعارض يعدان بتغيير المسار، بل تعهدا بإنجاح بريكست.
وقال راي ييتس (70 عاماً)، عامل الميناء السابق، إن الوضع في ثوروك "مخيف"، مشدداً في نفس الوقت على أنه لا يزال يؤيد بريكست. وأضاف: "لكن الأمر سيحتاج لبعض الوقت، أقله 10 سنوات، وحكومة جديدة".
(فرانس برس)