وقعت السلطات الانتقالية التشادية والعديد من جماعات المعارضة التشادية، اتفاقاً للسلام في العاصمة القطرية الدوحة، أمس الإثنين، بهدف وضع حدّ للحرب المستمرة منذ سنوات في هذا البلد، وبدء خطوات المصالحة الوطنية.
وشارك في توقيع الاتفاق الذي احتضنته الدوحة وفد من الحكومة الانتقالية، وممثلون عن المعارضة المسلحة، وممثلون عن الاتحاد الأفريقي ومنظمات دولية وإقليمية، ووزراء خارجية دول جوار تشاد، ليبيا والسودان وتوغو.
وينص اتفاق الدوحة للسلام في تشاد على وقف شامل لإطلاق النار والتزام الأطراف الموقعة على الاتفاق، المجلس العسكري الانتقالي والحركات العسكرية المسلحة، عدم القيام بأي عمل عدائي أو انتقامي على أساس عرقي أو سياسي، كما يؤكد على نبذ خطاب الكراهية، ويشتمل على آليات وبرنامج نزع السلاح وإطلاق الأسرى وإعادة الاندماج، استناداً إلى المعايير الدولية. وأحال اتفاق الدوحة للسلام العديد من القضايا الإشكالية على الحوار الوطني الشامل، الذي قرر المجلس العسكري الانتقالي في تشاد عقده في 20 أغسطس/آب الحالي.
الحركات الموقعة على اتفاق السلام في تشاد
وتُعد حركة اتحاد قوى المقاومة، برئاسة تيمان إرديمي، إحدى أهم الحركات التشادية التي وقعت على الاتفاق. مع العلم أن إرديمي، وهو أحد أبرز المعارضين في تشاد، لجأ إلى الدوحة منذ عام 2009 بعد وساطة قطرية.
كما وقع على الاتفاق أمس ممثلو نحو 30 حركة سياسية وعسكرية، منهم: زعيم اتحاد قوى الجمهورية محمد عبد الكريم حنو، ونائب رئيس تجمع وحدة أبناء تشاد للتنمية محمد عثمان طاهر راكب، والمتحدث باسم حركة اتحاد القوى للتغيير الديمقراطي محمد أحمد كبير، ورئيس الحركة التشادية للتغيير عمر محمد الدقي، والمستشار التنفيذي للجبهة الشعبية لتحرير جنوب تشاد، كابي بامينغار.
أحال اتفاق الدوحة العديد من القضايا الإشكالية على الحوار الوطني الشامل، في 20 أغسطس
كما وقع على الاتفاق رئيس الجبهة الوطنية من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد عبدالله شيدي جوركودي، ورئيس المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية قاسم شريف، ورئيس التجمع الوطني الديمقراطي الشعبي، بشر أسد محمد عقيد، ورئيس التحالف الجديد من أجل استعادة الجمهورية علي نناي محمد طاهر.
أبرز الحركات الرافضة
في المقابل، كانت حركة جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد، "فاكت"، قد أعلنت رفضها التام لاتفاق السلام في تشاد الذي وُقع في الدوحة. وقالت الحركة في بيان، إن هذا الرفض يأتي لعدم أخذ مطالبها بعين الاعتبار، وأهمها تكافؤ المندوبين في اللجنة المكلفة بتنظيم الحوار الوطني الشامل في أنجمينا، وإنشاء لجنة جديدة للحوار، وإطلاق سراح الأسرى فور توقيع الاتفاقية، وتعديل الميثاق الانتقالي الحالي.
وأكد نائب رئيس وفد حركة "فاكت" إلى الحوار التشادي في الدوحة، محمد شريف جاكو، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن حركته ستظل منفتحة على الحوار، مضيفاً أنها "جاءت إلى الدوحة لتحقيق السلام في تشاد".
وأبرز الحركات التي غابت عن التوقيع على اتفاق السلام أيضاً المنسقية الوطنية من أجل التغيير والإصلاح بزعامة بشير الخليل حمدي، وحركة المجلس الوطني للمقاومة من أجل الديمقراطية بزعامة أبكر توليمي، وحركة المجلس الوطني لنهضة تشاد بزعامة بشارة إدريس حقار، والحركة الديمقراطية التصحيحية بزعامة محمد بشير خليل.
وأعلنت 18 حركة سياسية وعسكرية تشادية معارضة، والتي رفضت التوقيع، أمس، في بيان صحافي، عن رغبتها في البقاء "موحدة"، وتشكيل "إطار دائم للتشاور والتفكير"، وذلك لـ"استكشاف السبل والوسائل لتحقيق سلام نهائي" في تشاد". واعتبرت أن محادثات الدوحة انتهت بـ"فشل ذريع"، محملة المجلس العسكري الانتقالي في تشاد المسؤولية في ذلك.
وأكدت الجماعات التي رفضت التوقيع على الاتفاق أنها لا تزال منفتحة على الحوار، على الرغم من عدم الأخذ بمطالبها وملاحظاتها، ومنها "إلغاء لجنة تنظيم الحوار الوطني الشامل بشكلها الحالي، وإطلاق سراح سجناء الرأي وتعديل ميثاق الفترة الانتقالية وإعادة هيكلة قوات الدفاع والأمن". كما شكرت دولة قطر والمجتمع الدولي على جهودهما.
قطر: الاتفاق نقطة تحول
وأكد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمس، أن اتفاقية الدوحة للسلام في تشاد تعد مرحلة جديدة وهامة في تاريخ هذا البلد، وذلك خلال استقباله في الديوان الأميري رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي إتنو، وممثلي عدد من أطراف المعارضة الموقعين على الاتفاق. وشدّد أمير قطر على أن الاتفاقية تعتبر خطوة أولى تمهد الطريق أمام حوار للمصالحة الوطنية الشاملة في تشاد، داعياً جميع الأطراف في تشاد إلى الانضمام إليها
بدوره، قال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في كلمة له في حفل التوقيع، إن "قطر لن تدّخر جهداً لتأكيد الحفاظ على السلام في تشاد". وأضاف: "نتطلع بقوة إلى أن يكون اتفاق السلام نقطة تحول على طريق الاستقرار في تشاد"، معرباً عن أمله في "أن تلحق بقية المجموعات التشادية الأخرى التي لم توقع على الاتفاق بركب السلام، لتحقيق تطلعات الشعب".
وأكد وزير الخارجية القطري، أن الدوحة "لم تتردد لحظة في قبول الوساطة واستضافة المفاوضات بين الأطراف التشادية، إيماناً منا بأن التصالح الحقيقي للشعب التشادي لاستدامة السلام والاستقرار وبناء دولة القانون والتنمية في تشاد".
استضافت الدوحة الحوار، بين المجلس العسكري في تشاد ونحو 52 حركة
وأضاف الوزير القطري: "إنني على يقين من أن نتائج المفاوضات التي تمّت في الدوحة والتوقيع على اتفاقية الدوحة للسلام والمشاركة في الحوار الوطني بين معظم الأطراف التشادية سوف تشكل مرحلة مهمة ودقيقة للشعب التشادي خلال الحوار الوطني لإيجاد حلول لكافة المسائل الخلافية، وتحقيق المصالحة الوطنية وتلبية طموحات الشعب التشادي".
من جهته، قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، خلال الحفل: "هنيئاً للدوحة مدينة السلام على دورها في تحقيق السلام في دولة تشاد"، مشدداً على أن "الشباب التشادي يأمل السلام ويحلم بمستقبل أفضل".
وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري لـ"العربي الجديد"، أن قطر ستكون مراقباً في الحوار الوطني الشامل الذي سيعقد في العاصمة التشادية أنجمينا أواخر الشهر الحالي، كما أنها ستكون أحد الضامنين لتطبيق اتفاق الدوحة للسلام في تشاد ومشاركة الحركات السياسية والعسكرية التشادية في الحوار الوطني الشامل، مؤكداً على نهج دولة قطر المستمر في دعم جهود الوساطة دولياً وحلّ النزاعات عبر السبل السلمية.
وعبّر رئيس حركة الميثاق، نجيب محمد عبد الرحمن، عن شكره للدور القطري في التوصل إلى هذا الاتفاق. وأكد عبد الرحمن لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاق "يلبي طموحات الشعب التشادي والشعب يتبناها وهو ينتظر من عقود"، داعياً الحركات التشادية التي رفضت التوقيع إلى الإسراع في العودة عن قرارها والتوقيع على الاتفاق.
واستضافت الدوحة، منذ 13 مارس/ آذار الماضي، الحوار التشادي، بين المجلس العسكري الانتقالي ونحو 52 حركة سياسية وعسكرية تشادية، بهدف التوصل إلى اتفاق سلام أولي ينهي عقوداً من الحروب، ويمكّن حركات المعارضة من المشاركة في الحوار الوطني الشامل لتحقيق المصالحة الوطنية في البلاد، وإجراء انتخابات حرة يشارك فيها الجميع، بعد فترة انتقالية يجري الاتفاق على مدتها.
وشهدت المفاوضات، التي دارت خلف أبواب مغلقة، العديد من العقبات، تمكن الوسيط القطري من تذليل أغلبها، وأهمها العدد الكبير للحركات التي شاركت في الحوار والمفاوضات، حيث جرى توحيدها في ثلاث مجموعات، هي مجموعات الدوحة وقطر وروما، من أجل تسهيل عملية التفاوض.
كما قدّم الوسيط القطري خلال الشهور الماضية مشاريع عدة للسلام في تشاد، جرى تعديلها، لتحقيق مطالب المجموعات السياسية والعسكرية. وحاز مشروع السلام الأخير على موافقة الحركات التي وقعت على الاتفاق، فيما رأت الحركات الرافضة للتوقيع أنه لا يستجيب لمطالبها وأنه رحّل القضايا الإشكالية إلى الحوار الوطني الشامل.