شبح صدام مسلح في أفق ليبيا بعد تكليف مجلس النواب باشاغا برئاسة الحكومة و"إسقاط" الدبيبة
دخل المشهد الليبي مرحلة جديدة من التعقيد مع اختيار مجلس النواب، أمس الخميس، فتحي باشاغا رئيسا لحكومة جديدة، بديلا عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي أعلن رفض الخطوة وتشبثه بالبقاء في منصبه، ما ينذر بظهور صراع جديد لا يعرف ما إذا كان سيقف عند حد الانقسام الحكومي، أو يتطور إلى صراع مسلح يعيد البلاد إلى مربع الفوضى مجددا.
واختار باشاغا أن تكون العاصمة طرابلس أولى محطاته بعد اختياره رئيسا للحكومة الجديدة، وألقى أول كلمة له وسط أنصاره داخل مطار امعيتيقة، حملت العديد من الرسائل الموجهة للدبيبة، كان أبرزها مطالبته له بـ"التسليم السلمي للسلطة"، فيما أعقب ذلك رد الدبيبة الذي عبر عن خشيته من انجراف الأوضاع إلى أتون صدام مسلح.
وفي إشارة إلى فشل الدبيبة وحكومته في العمل مع الأطراف السياسية الليبية، قال باشاغا "لا يمكن للحكومة أن تنجح بدون التعاون مع السلطة التشريعية، مجلسي النواب والدولة"، وهو حديث أيضا يحمل في طياته أن الدبيبة بات في مواجهة الأجسام السياسية كلها، التي سبق أن أكد الدبيبة أن حكومته لن تسمح لها بـ"الاستمرار والتمديد لنفسها".
وعلى الرغم من تأكيد الدبيبة، خلال لقاء أجرته معه قناة "ليبيا الأحرار" أمس، على موقفه الرافض لـ"محاولات جر الليبيين نحو حرب جديدة"، إلا أنه عبر عن خشيته من عودة الحرب.
وفي معرض تعليقه على اختيار مجلس النواب باشاغا رئيسا لحكومة جديدة، قال الدبيبة "يجب ألا ننسى بأن العاصمة كانت قد حوصرت بالدبابات والطائرات لاقتحامها"، في إشارة إلى العدوان العسكري للواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس.
واعتبر أن دخول باشاغا لطرابلس "محاولة جديدة لدخول العاصمة للأهداف السابقة نفسها بالقوة لكن بأدوات مختلفة"، قبل أن يضيف "أهل طرابلس لن يقبلوا بالدخول لمدينتهم بالقوة من أي طرف أو أحد"، في إشارة للمجاميع المسلحة في طرابلس التي قاتلت ضد مليشيات حفتر، وأحبطت محاولة اقتحامها لطرابلس.
وحصر الدبيبة أساس الخلاف في شخص رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وقال "رئيس مجلس النواب لديه مشكلة معي منذ خسارة قائمته في انتخابات ملتقى جنيف، وهو لم يقبل الخسارة كما أنه مرشح للانتخابات الرئاسية وينافسني في الانتخابات".
وبادرت قيادة مليشيات حفتر إلى الترحيب بتكليف مجلس النواب باشاغا رئيسا للحكومة، وتعهدت بدعمها والعمل معها.
نقل الصراع إلى داخل طرابلس
وفي الأثناء، كثفت وزارة الداخلية من نشر فرقها الأمنية في محيط مقر رئاسة الوزراء، منذ مساء أمس الخميس، فيما أقيمت تمركزات أمنية مزودة بالمدرعات والأفراد على الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية إلى المقر الحكومي.
ووصل التوتر والترقب إلى ذروته بطرابلس في الساعات الأولى من صباح أمس الخميس، عندما تعرض موكب الدبيبة لإطلاق النار، وقال الدبيبة إن من نفذه "شخصان مأجوران" حاولا اغتياله، مشيرا إلى أن المعلومات الأولية للتحقيقات في الحادث أوضحت أن المسلحين طُلب منهما تنفيذ العملية والمغادرة سريعا.
تعليقا على ذلك، قال الباحث الليبي في الشأن السياسي مالك هراسة إن "عقيلة صالح وحفتر نجحا في نقل حالة الصراع إلى داخل العاصمة طرابلس، وإبعاد الجدل عن ملف الانتخابات واستحقاق إجرائها في وقت قريب"، مبديا خشيته، في حديث لـ"العربي الجديد"، من وقوع صدام مسلح بطرابلس.
ومن تلك المعطيات الرفض المعروف من قبل تشكيلات طرابلس المسلحة لشخصية باشاغا، وفق هراسة، موضحا أن "مسلحي طرابلس سبق أن ضغطوا على رئيس حكومة الوفاق السابقة فايز السراج لوقف باشاغا عن عمله كوزير للداخلية على خلفية مشاريعه التي كانت تهدف لحل هذه التشكيلات وإعادة دمجها تحت سلطته، ومن غير المرجح أن يقبلوا به الآن رئيسا للحكومة في ظل وجود حكومة أخرى يمكن أن يعملوا تحت شرعيتها".
كما يرى أن "مبادرة ترحيب حفتر بباشاغا رئيسا للحكومة معطى آخر قد يسرع من عملية رفض وجوده في طرابلس"، مضيفا "خصوصا أن الدبيبة حذر من أن دخول باشاغا لطرابلس يمثل محاولة جديدة يقف وراءها حفتر وعقيلة صالح لإنجاح ما فشلا فيه في السابق".
لكنه يرى في الوقت نفسه أن الحديث عن عودة الحرب "ما زال مبكرا"، مضيفا "رغم إيهام باشاغا بوحدة موقف مجلسي النواب والدولة، غير أن ما حدث في مجلس النواب يوم أمس ليس نهاية الأمر، فمجلس الدولة ينتظر أن يعلن عن موقفه الرسمي من قرارات مجلس النواب غدا السبت، خصوصا تغيير الحكومة".
كما لفت هراسة إلى أهمية موقف المجتمع الدولي والأمم المتحدة، قائلا "لن يسمح المجتمع الدولي والأمم المتحدة أيضا بعودة الانقسام للبلاد مجددا، وليس في الحكومة فقط، فهناك انقسام واضح داخل مجلسي النواب والدولة حيال خطوة تغيير الحكومة وتأجيل الانتخابات"، مرجحا أن تحمل الساعات المقبلة الكثير من المتغيرات.