تقف محافظة شبوة اليمنية على مفترق طرق مختلفة، قد تقود إلى تغييرات في المشهد السياسي والاجتماعي فيها بشكل كامل، وذلك جراء رضوخ الرئيس عبدربه منصور هادي، لضغوط التحالف الذي تقوده السعودية، وحلفاء الإمارات، والإطاحة بالمحافظ محمد صالح بن عديو، المتهم بالانتماء لحزب "التجمع اليمني للإصلاح" الإسلامي، على الرغم من النهضة التي حققها طيلة السنوات الثلاث الماضية خلال توليه منصبه.
وكانت شبوة، وهي محافظة غنية بالنفط والغاز جنوبي شرق اليمن، تعيش حالة من الاستقرار النسبي منذ عامين، مقارنة ببقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، في أعقاب طرد قوات النخبة الشبوانية (التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي والمدعومة من الإمارات) من عاصمة المحافظة عتق، من قبل القوات الحكومية في أغسطس/آب 2019، وإحكام الأخيرة سيطرتها على المحافظة.
وبعد شهرين من عودة شبوة إلى واجهة المشهد اليمني المضطرب، إثر سقوط 3 مديريات منها في قبضة الحوثيين، هي بيحان وعسيلان والعين، والأخيرة كانت إحدى مفاتيح جماعة الحوثيين لإسقاط الخاصرة الجنوبية لمحافظة مأرب بعد التوغل منها إلى مديرية حريب، عيّن الرئيس هادي، أول من أمس الجمعة، الشيخ عوض محمد عبدالله العولقي خلفاً لبن عديو، الذي رفض على الفور قرار تعيينه مستشاراً رئاسياً.
أرجع بن عديو قرار إقالته إلى "ضغوط كبيرة للغاية مورست على القيادة السياسية"
رفض بن عديو تعيينه مستشاراً رئاسياً
وأعلن بن عديو الذي كان قد غادر اليمن في رحلة علاجية خارجية بعد تسريبات عن قرب إقالته، رفضه للقرار الرئاسي بتعيينه مستشاراً للرئيس هادي، بالقول "أثمّن لفخامة رئيس الجمهورية ثقته في تعييني مستشاراً له، ولم أكن في يوم من اﻷيام معتذراً عن مهمة كلفني بها".
وأضاف "لكن اليوم أستسمحه في الاعتذار عن عدم قبول هذا المنصب والرغبة في العيش مواطناً منحازاً لمعاناة شعبنا وتطلعاته في استعادة دولته وسيادته وحريته وكرامته واستقلالية قراره الوطني".
وأرجع بن عديو قرار إقالته إلى "ضغوط كبيرة للغاية مورست على القيادة السياسية"، مشيراً إلى أن حياته "تهون في سبيل الوطن وتماسك جبهته الداخلية".
وذكر بن عديو، الذي اشتهر بمقارعة التواجد الإماراتي في منشأة بلحاف للغاز في شبوة، أنه كان يدرك أنّ "القرار الوطني من أهم التحديات التي يعدّ التفريط فيها إساءة للوطن"، لافتاً إلى أنه "قاوم كل الضغوطات وانحاز إلى رفع الصوت، وهو يدرك أن هذا الخيار له ثمن سيُدفع".
الشيخ عوض محمد عبدالله العولقي
وعلى الرغم من الالتفاف الكبير حول شخص المحافظ السابق، إلا أن قرار إقالته لم يجد رفضاً قبلياً أو شعبياً. غير أن سكان المحافظة المتاخمة لمأرب، يخشون من دخولها في دوامة جديدة، بعد أن تمكن حلفاء الإمارات من العودة إليها، وهذه المرة عبر بوابة حزب المؤتمر الشعبي العام وزعيم قبلي (العولقي) تم الدفع به من الإمارات مطلع الشهر الماضي.
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنه لا توجد أي معارضة رسمية للقرار، خصوصاً بعد دعوة المحافظ المُقال أبناء شبوة إلى التعاون مع خلفه، إلا أن هناك امتعاض شعبي على مستوى المحافظة واليمن بشكل عام، كون القرار جاء بسبب ضغوط التحالف ولم يكن سيادياً خالصاً.
وبعد اندلاع الحرب، ظل العولقي لأشهر عدة في صنعاء مستفيداً من موقعه الحزبي كعضو للجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان حينذاك حليفاً مع جماعة الحوثيين.
وعلى الرغم من سيطرة الحوثيين على مسقط رأسه في شبوة، إلا أن العولقي لم يصدر أي ردة فعل، حتى غادر إلى العاصمة الرياض وتم تعيينه مستشاراً لهادي، فيما تحدثت مصادر عن اتفاقه مع الحوثيين لاقتحام منزله في مديرية نُصاب، من أجل استلام مبالغ مالية من التحالف لقيادة المعركة.
وبعد تعيينه مستشاراً شرفياً لهادي، غادر إلى الإمارات وظل فيها طيلة السنوات الماضية، حتى عاد إلى شبوة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وعقد اجتماعات قبلية لحشد القبائل ضد المحافظ السابق محمد صالح بن عديو، وكان آخر ذلك دعوة أنصاره إلى الاعتصام في عاصمة المحافظة عتق.
عُرف الشيخ عوض العولقي والذي يقدم نفسه إعلامياً بـ"ابن الوزير"، كنائب برلماني من دون إنجازات تنموية لدائرته في مديرية نُصاب، كما ارتبط اسمه وفقا لمصادر قبلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، بإحياء الثاراث القبلية، ولعل أبرزها الثأر بين قبيلته "الدولة" وقبيلة "المرازيق" والذي لا يزال مستمراً من سنوات، وأدى إلى تعطيل الحياة في سوق مدينة نصاب غربي عتق.
وبحسب المصادر، فإن أسرته كذلك تعيش في صراع ثأر مع أسرة "آل عريق" وكلا الأسرتين تعودان لقبيلة "الدولة".
هناك امتعاض شعبي في شبوة كون القرار جاء بسبب ضغوط التحالف
ابتزاز "الشرعية" ومساومة التحالف
ووجد الانفصاليون في سقوط المديريات الثلاث في شبوة أخيراً، ضالتهم لإعادة إرباك المشهد داخل المحافظة التي ظلّت عصية عليهم منذ عامين.
وبالتوازي مع تحركات عسكرية غامضة لإرسال قوات عسكرية من عدن أو من الساحل الغربي، تم الدفع بالبرلماني المنتمي لحزب المؤتمر الشعبي العام، الشيخ عوض ابن الوزير العولقي إلى المحافظة التي ينحدر منها، بعد غياب دام سنوات.
وشرع العولقي، وهو واجهة قبلية لها ثقلها على مستوى قبيلته التي تمتلك أكبر قاعدة شعبية على مستوى المحافظة، في القيام بتحركات مكثفة لتأليب العشائر على قيادة السلطة المحلية.
وجاء ذلك بالتزامن مع تحركات أخرى لقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي في الرياض، والتي كانت تطالب بشكل صريح بإقالة المحافظ بن عديو، كشرط لتطبيق ما تبقى من بنود اتفاق الرياض الهش الذي وُقّع نهاية عام 2019.
وساوم المجلس الانتقالي، قيادة التحالف، في مسألة شبوة، إذ أبدى استعداده لتحرير مديريات المحافظة الثلاث وخنق الحوثيين في جبهات جنوبي مأرب، مقابل الإطاحة بالمحافظ بن عديو. ويبدو أن هذا النوع من الابتزاز السياسي قد نجح، كما حصل عند توقيع اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة.
وبعد لقاء عُقد الأسبوع الماضي، بين الرئيس اليمني ونائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، المسؤول عن الملف اليمني واتفاق الرياض، تواترت الأنباء عن قرب الإطاحة ببن عديو. وعزز ذلك مغادرة الأخير المحافظة إلى خارج البلاد في زيارة علاجية.
وكان من المتوقع أن ترضخ الرئاسة اليمنية للضغوط السعودية بتغيير بن عديو، ولكن ضمن حزمة قرارات تطاول كافة محافظي المحافظات الجنوبية.
لكن وكما حصل عند تشكيل حكومة المحاصصة وتعيين محافظ لعدن، أواخر العام الماضي، تنازلت الشرعية هذه المرة أيضاً عن مطالبها بتطبيق الشق العسكري من اتفاق الرياض وإخراج القوات والمعسكرات من عدن.
أبدى المجلس الانتقالي استعداده لتحرير مديريات شبوة الثلاث من الحوثيين، مقابل الإطاحة ببن عديو
جذور العداء بين بن عديو والتحالف
نشب الصراع الأول بين محافظ شبوة السابق، والتحالف الذي تقوده السعودية، بعد مطالبة بن عديو بتغيير مندوب التحالف بمطار عتق، في خطوة أراد منها المحافظ إدارة شبوة بعيداً عن تدخلات التحالف، بعد حجب التواصل بقيادات الجيش والأمن في المحافظة، وهو ما تم تنفيذه لاحقاً.
وتوالت الخلافات بشأن مرور القوات الإماراتية من بلحاف إلى معسكر العلم شرق مدينة عتق، واعتراض طريقها من قبل النقاط الأمنية وتوقيفها، حتى جاءت مشكلة بلحاف وصراع السلطة المحلية مع القوات الإماراتية لتدق الناقوس الأخير بشأن الخطر الذي تشكله السلطة متمثلة في المحافظ.
وبحسب مصدر حكومي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن "المشكلة الحقيقية بين التحالف والمحافظ بن عديو، هي أن الإمارات تريد شخصاً تابعاً لها داخل المحافظة، وكان هذا مستحيل مع بن عديو، نظراً لثقله المجتمعي وشخصيته ومكانته، فهو يحظى باحترام كبير داخل شبوة نظراً لمكانته القبلية، إذ ينحدر من بيت المشيخة لقبائل حمير اليمنية كافة".
وأضاف المصدر: "كما أن تعامل بن عديو كرجل دولة وعبر قنوات رسمية، أزعج الحلفاء، الذين ينظرون لليمني كمطيع لما يقولون". وأشار إلى أن بن عديو "أحدث نهضة ملحوظة في المجالات التنموية والأمنية والصحية كافة، على الرغم من أنه جاء في ظروف معقدة للغاية، وهذا الأمر جعله يحظى بتقدير كبير داخل شبوة وعلى مستوى اليمن بشكل عام".
ويعتقد مراقبون أن النشاط اللافت لبن عديو، وتشييد المشاريع بتمويل كامل من ميزانية السلطة المحلية التي تحصل عليها من حصة بيع النفط، أحرج التحالف الذي ظهر عاجزاً عن تقديم مشاريع حقيقية في المحافظات الأخرى التي يحكم سيطرته عليها بشكل كلي.
وحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، فمنذ تولي بن عديو منصب محافظ شبوة خلال السنوات الثلاث الماضية، قدمت السعودية له دعوات عديدة لزيارة الرياض، وكثير من تلك الدعوات قوبلت بالاعتذار نظراً لانشغاله.
السيناريوهات المحتملة في شبوة
مع تسليم أبناء شبوة وقبائلها بالقرار الرئاسي، تأمل قبائل شبوة أن تتواصل مسيرة النهضة التنموية في محافظتها وكذلك تحقيق الاستقرار، وعدم تركها ساحة لتصفية الحسابات مع القبائل أو قوات الجيش التي ساندت المحافظ السابق في دحر قوات النخبة الشبوانية المدعومة إماراتياً.
وتكمن المخاوف مستقبلاً، من إمكانية إصرار التحالف على استقدام قوات من ألوية العمالقة السلفية أو قوات طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني المخلوع الراحل علي عبد الله صالح، إلى شبوة من أجل تحرير مديريات بيحان وعسيلان والعين من الحوثيين.
مخاوف من عودة النخبة الشبوانية وقيامها بعملية انتقام من أنصار المحافظ السابق
فهذا الأمر قد يؤدي إلى صدام مع قوات الجيش الوطني الموالية للشرعية في شبوة، التي تزيد المخاوف من إزاحتها عن المشهد وتمكين حلفاء الإمارات فقط من الملف الأمني والعسكري.
وفي ظلّ الغموض حول مصير القوات الحكومية في محور عتق، أكدت مصادر محلية في شبوة، لـ"العربي الجديد"، أن "القوات الحكومية لن تذهب إلى أي موقع، فهي تتبع وزارتي الدفاع والداخلية، ولها مسرح عمليات وإمكانيات تابعة للدولة وتعمل وفق المستجدات التي تعيشها المحافظة؛ سواء مع المحافظ الجديد أو غيره".
ولعل أكبر المخاوف في شبوة، يتمثل في عودة النخبة الشبوانية وقيامها بعملية انتقام من أنصار المحافظ السابق، أو العودة لإنشاء معتقلات سرية، كما هو حاصل في سجون المليشيات المدعومة إماراتياً في عدن أو مطار المكلا في حضرموت.
إلى ذلك، عبّر الناشط السياسي ياسر الصايلي، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بعدم عودة قوات النخبة الشبوانية إلى شبوة، نظراً لكونها قوات غير قانونية ومحسوبة على المجلس الانتقالي فقط. ولفت إلى أنه "ليس من مصلحة التحالف خلق صراعات داخل محافظة شبوة، بل عليه تجنب إشعالها".