شراكة روسيا وكوريا الشمالية... هل تغير موازين القوى العالمية؟

08 يوليو 2024
كيم وبوتين في بيونغ يانغ، 20 يونيو 2024 (رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **توجه السياسة الخارجية الروسية شرقاً**: بعد تنصيب بوتين لولاية خامسة، اتجهت السياسة الخارجية الروسية نحو الشرق، حيث اقتصرت زياراته الدولية على البلدان الآسيوية مثل الصين وكوريا الشمالية، مما أرست شراكة جديدة مع بيونغ يانغ.

- **التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية**: الشراكة بين البلدين تضمنت تعاوناً عسكرياً، حيث قدمت كوريا الشمالية أسلحة تكتيكية لروسيا مقابل تحديث القوات الجوية والدفاع الجوي.

- **رسائل جيوسياسية إلى الغرب**: الشراكة بين روسيا وكوريا الشمالية تحمل رسائل جيوسياسية إلى الغرب، وتعتبر رداً على تحالفات الغرب المعادية لروسيا، مع إمكانية تأسيس حلف عسكري بين البلدين.

بعد تنصيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لولاية رئاسية خامسة في السابع من مايو/أيار الماضي، بدا واضحاً توجه السياسة الخارجية الروسية شرقاً، إذ اقتصرت كافة زياراته الدولية على البلدان الآسيوية، مثل الصين وأوزبكستان وكوريا الشمالية وفيتنام وصولاً إلى الزيارة الأخيرة إلى كازاخستان للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون مطلع يوليو/تموز الحالي. إلا أن زيارة بوتين إلى بيونغ يانغ، الأولى من نوعها منذ عام 2000، أرست شراكة روسيا وكوريا الشمالية رغم عزلة الأخيرة وخضوعها لعقوبات دولية على خلفية برنامجها النووي وبقائها، في الواقع، الدولة الوحيدة في العالم المطبقة للنظام الشيوعي الشمولي أقرب إلى نموذج الاتحاد السوفييتي السابق. ومن اللافت أن زيارة بوتين إلى بيونغ يانغ جاءت بعد سلسلة من التسريبات الإعلامية أفادت بحصول موسكو على ذخيرة من بيونغ يانغ لاستخدامها في أعمال القتال في الأراضي الأوكرانية، إذ مهّدت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة في 19 يونيو/حزيران الماضي، لإخراج التعاون العسكري الروسي الكوري الشمالي إلى العلن.

شراكة روسيا وكوريا الشمالية

حول هذه التطورات، اعتبر كبير الباحثين بمركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا في موسكو، يوري ليامين، أن شراكة روسيا وكوريا الشمالية رسخت تعاوناً عسكرياً تقنياً متبادل المنفعة، وذلك عبر تقديم بيونغ يانغ أسلحة تكتيكية من فئات مختلفة لموسكو، في مقابل مساعدة الأخيرة لها في تحديث القوات الجوية والدفاع الجوي وحتى إنتاج أقمار اصطناعية. وأضاف ليامين في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "في المبدأ، تملك كوريا الشمالية احتياطات ضخمة من الأسلحة وقدرات إنتاجية هائلة لإنتاج مختلف نظم المدفعية والذخيرة والمنظومات الصاروخية التي يمكنها توفيرها لروسيا، علماً أن هذه الأخيرة تحتاج إلى تلك الأنواع منها ذات الاستخدام الأكثر كثافة على الجبهة".

وحول رؤيته لنوعية المساعدة الروسية لكوريا الشمالية، أوضح أن "روسيا تستطيع مساعدة كوريا الشمالية في تحديث قواتها الجوية ووسائل الدفاع الجوي وإنتاج الأقمار الاصطناعية وغيرها من المجالات التي تشكل طيفاً واسعاً للتعاون". ولفت إلى أن شح الموارد أحدث خللاً في التوازن بين أنواع الأسلحة المنتجة في كوريا الشمالية، قائلاً: "على مدى عقود طويلة، ركزت بيونغ يانغ على تطوير الأسلحة من الفئات ذاتها، مثل الصواريخ والمدفعية مع استمرار تدهور القطاعات الأخرى مثل الطيران". وضرب مثلاً على هذا الخلل، بالإشارة إلى أن كوريا الشمالية قادرة على إنتاج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ولكنها عاجزة عن إنتاج الطائرات والمروحيات.


يوري ليامين: كوريا الشمالية قادرة على إنتاج الأسلحة النووية ولكنها عاجزة عن إنتاج المروحيات

من جهته، رأى الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، أن شراكة روسيا وكوريا الشمالية بمثابة رسائل جيوسياسية إلى الغرب، مقراً في الوقت نفسه بأن لموسكو قدرة على تزويد بيونغ بأحدث التكنولوجيا والمعدات العسكرية في حال اتخذت مثل هذا القرار على المستوى السياسي. وأضاف بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "من الواضح أن روسيا تدفع إلى تنمية شراكتها مع كوريا الشمالية لإغاظة الغرب، إذ يمكن لموسكو وبيونغ يانغ مساعدة إحداهما الأخرى، خصوصاً أن كوريا الشمالية تملك احتياطات هائلة من ذخيرة المدفعية، بينما تستهلك روسيا كميات كبيرة من الذخائر في أوكرانيا".

ورأى بلوخين أن "كوريا الشمالية قد تستفيد من مختلف التصاميم التكنولوجية الروسية، مما قد يسمح القرار السياسي الروسي بتمريره إلى بيونغ يانغ، إذ تملك روسيا طيفاً تكنولوجياً واسعاً تبدأ فئاته من صواريخ أس ـ 400 للدفاع الجوي وصولاً إلى التكنولوجيا فرط الصوتية". واعتبر بلوخين أن شراكة روسيا وكوريا الشمالية رد سياسي على الغرب، قائلاً: "من الواضح أن شراكة روسيا وكوريا الشمالية تشكل إجراءً مضاداً وردّ فعل على أعمال الغرب، الذي أعطى الضوء الأخضر لأوكرانيا لاستخدام أسلحته بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، فلم تعد أيدي روسيا مكبلة في مسألة توريد أسلحة مماثلة إلى كوريا الشمالية وغيرها من الدول".

وتطرق بلوخين في ملف شراكة روسيا وكوريا الشمالية إلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تم توقيعها في إطار القمة الروسية الكورية الشمالية في 19 يونيو الماضي، لافتاً إلى أنها لم تقتصر على التعاون العسكري - التقني، بل نصت المادة الرابعة من الاتفاقية على أنه "في حال تعرض أحد الطرفين لهجوم مسلح من قبل أي دولة أو بضع دول وتصبح بذلك في حالة حرب، فسيقدم الطرف الآخر على الفور دعماً عسكرياً وغيره بكافة الوسائل المتاحة". وقال بلوخين إن الرئيس الروسي شدّد في ختام المحادثات على أن "روسيا الاتحادية لا تستبعد لنفسها احتمال الدفع بالتعاون العسكري - التقني مع جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (الاسم الرسمي لكوريا الشمالية) وفقاً للوثيقة الموقعة"، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت العلاقات بين البلدين ترقى إلى مستوى تأسيس لحلف عسكري بين البلدين.

التعاون العسكري بين موسكو وبيونغ يانغ

إلا أن بلوخين جزم بأن التوصل إلى اتفاقات التعاون العسكري لا يعني تطبيقها على أرض الواقع تلقائياً، مشيراً إلى أن "التحالف الاستراتيجي وشراكة روسيا وكوريا الشمالية يمكن قراءته على أصعدة مختلفة، وفي مقدمتها الصعيد الجيوسياسي في سياق الرد على إقامة الغرب تحالفات معادية لروسيا والصين مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو) وحلف أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة (أوكوس)". وتساءل: "لِمَ على روسيا الامتناع عن إقامة تحالفات معادية للغرب بمشاركة أكبر عدد ممكن من الدول مثل كوريا الشمالية التي تراها الولايات المتحدة وحلفاؤها أكبر مبعث للقلق من آسيا منذ عقود؟". وكانت لموسكو تجربة التعاون العسكري - التقني مع بيونغ يانغ منذ حقبة الاتحاد السوفييتي وتأسيس كوريا الشمالية في عام 1948، إذ وقع البلدان الشيوعيان في عام 1961 على اتفاقية الصداقة والتعاون والعون المتبادل القاضي بتقديم "العون العسكري وغيره"، في حال "تعرض أحد طرفي الاتفاقية لهجوم مسلح من قبل أي دولة أو تحالف من الدول وأصبح بذلك في حالة حرب".

لكن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، تم إلغاء هذه الاتفاقية، شأنها في ذلك شأن غيرها من الاتفاقيات الحكومية مع كوريا الشمالية، وحلت محلها اتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون الموقعة في عام 2000، مشكلة بداية لاستعادة العلاقات الثنائية في أول زيارة لبوتين إلى كوريا الشمالية. إلا أن أحكام الاتفاقية في حينه نصت على "تعاون يلبي المصالح المتبادلة في مجال الدفاع والأمن" بلا تقديم عون عسكري. وطوال السنوات الماضية، لم تتبلور أي بوادر لاستعادة موسكو وبيونغ يانغ المستوى السابق للعلاقات، إذ لم يعد لدى روسيا التي شهدت تغييراً للأيديولوجيا والنظامين الاقتصادي والسياسي، ما تقدمه لكوريا الشمالية.

على عكس الاتحاد السوفييتي، لم تعد وريثته روسيا مستعدة لتقديم دعم عسكري - تقني مجاني لكوريا الشمالية وغيرها من الدول، بل عارضت برنامجها الصاروخي النووي، فاقتصر الدور الروسي على المشاركة في المفاوضات السداسية لتسوية المشكلة النووية في شبه الجزيرة الكورية وأداء دور هامشي في المنطقة مقارنة مع الصين. أما كوريا الشمالية، فانشغلت بحل المشكلات الداخلية وإجراء اتصالات دبلوماسية مكثفة مع كوريا الجنوبية، وحاولت تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ولكن هذه المحاولات فشلت مع وصول إدارة الرئيس جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض (حكم لولايتين، بين 2001 و2005، ثم بين 2005 و2009). وعلى أثر ذلك، باشرت كوريا الشمالية أولى خطواتها على طريق تطوير الترسانة النووية توج بإجرائها أول تجربة نووية في عام 2006 وانضمامها إلى "النادي النووي" بحكم الأمر الواقع.

قسطنطين بلوخين: التوصل إلى اتفاقات التعاون العسكري لا يعني تطبيقها

التقدم الكوري الشمالي

خلال عقد مضى، حققت كوريا الشمالية تقدماً هاماً، كماً ونوعاً، في تطوير التكنولوجيا الصاروخية النووية، متمكنة خلال فترة وجيزة نسبياً من استعراض واختبار ذخائر نووية ذات قوى مختلفة، وكذلك نظم جديدة لنقل السلاح النووي من النظم التكتيكية والصواريخ الباليستية للغواصات والصواريخ الباليستية العابرة للقارات العاملة على الوقود السائل وأخيراً أخرى تعمل بالوقود الصلب. وشهدت البلاد إنتاجاً واسع النطاق للصواريخ الأكثر فاعلية التي أجريت لها اختبارات ناجحة، وهي ذات مدى مختلف، بما فيها عابرة للقارات. وبحسب تقديرات مختلفة متوفرة عبر مصادر مفتوحة، فإن لدى كوريا الشمالية عشرات الذخائر النووية ذات قوى مختلفة، كما أنها قادرة على إنتاج بضع ذخائر جديدة سنوياً. وأشارت توقعات معهد التحليل الدفاعي الكوري الجنوبي المتوفرة عبر مصادر مفتوحة، إلى أن مخزون كوريا الشمالية بحلول عام 2023 سيبلغ 166 رأساً حربياً، قابلة للارتفاع إلى 300. لكن نظراً لزيادة عدد قطع السلاح النووي، واجهت كوريا الشمالية، الصغيرة نسبياً وبلا قواعد بالخارج، تحدياً متعلقاً بتوزيع هذه القطع بين القوات، لأن الطريقة الأكثر فاعلية لتوزيع القوى النووية تقليدياً هي الثالوث النووي المكون من عناصر برية وبحرية وجوية.

غير أن الأستاذ المساعد بقسم العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأقصى الفدرالية الروسية، أرتيوم لوكين، جزم في مقال بعنوان "نهاية الوحدة الاستراتيجية لكوريا الشمالية؟" نشر بمجلة "روسيا في السياسة العالمية" مطلع العام الحالي، أن كوريا الشمالية غير قادرة على إنشاء حتى الثنائي النووي (بمكونيه البري والبحري)، نظراً للتكلفة العالية والصعوبة التكنولوجية للمكونين الجوي والبحري. ومع ذلك، ثمة تساؤلات حول ما إذا كانت قوة إقليمية مثل كوريا الشمالية في حاجة أصلاً إلى إنشاء "ثالوث" على غرار قوى نووية عالمية مثل واشنطن وموسكو، إذ اختارت القوتان النوويتان العظميان الثالوث الكلاسيكي لتوزيع قدراتها في ستينيات القرن الماضي، في ظروف وقائع الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، والمواجهة الحازمة من أجل الهيمنة العالمية وسباق التسلح بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة.