على الرغم من إقرار الدستور العراقي عام 2005 حزمة مهمة من المواد التي تضمن مشاركة فاعلة للنساء في العملية السياسية ككل، ومنها اشتراط وجود ما لا يقل عن 25 من مقاعد البرلمان للنساء، فضلاً عن التمثيل الحكومي، إلا أن الوجود النسوي في العملية السياسية تعرض لتحديات كبيرة تورطت بها الأحزاب الدينية في العراق، وساهمت في جعله داخل البرلمان مقتصراً على التصويت، وفقاً لتوافقات قادة الكتل التي تنتمي النائبة لها، أكثر من كونه عنصراً فاعلاً في العملية السياسية. وعلى الرغم من ذلك، برزت ناشطات في المجال السياسي والحقوقي العراقي، لا سيما في العاصمة بغداد خلال السنوات الأخيرة، من خلال التصدي لملفات وقضايا مهمة حازت على اهتمام الشارع، كقوانين حقوق المرأة والعنف الأسري والحريات والحصول على المعلومات والنشر وغيرها، وتبني خطاب الدولة المدنية. وأخيراً الوقوف إلى جانب المتظاهرين العراقيين، والتصدي للخطاب الطائفي والإقصائي الذي تبنته عدد من القوى السياسية الإسلامية في البلاد بعد عام 2003.
وتظهر السياسية القادمة من أسرة شيوعية بغدادية معروفة، شروق العبايجي، وهي مهندسة وعضو سابق في البرلمان عن التحالف المدني، الذي يتألف من الحزب الشيوعي والتيار المدني العراقي، كواحدة من بين العراقيات القلائل المنخرطات في العمل السياسي خارج عباءة الأحزاب الدينية التقليدية في العراق. وتُقدّم نفسها اليوم كليبرالية، تجاهد لتحقيق الدولة المدنية، وتقف إلى جانب انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول، التي تقول إنها "أفرزت جيلاً من الناشطات في السياسة يحملن ملامح القيادة".
وتضيف العبايجي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تظاهرات العراق أظهرت شرائح واسعة من النساء المدنيات القويات والمساهمات في أكثر من جانب، ضمنها الجانب السياسي. إلا أن العمل السياسي في العراق عبارة عن محيط مُعقد وشائك، وفيه ألغام ومستنقعات من العمليات التشويهية والتسقيط والكذب". وتوضح "لذلك عملت المرأة المدنية في العراق خلال السنوات الماضية، بأدوار لا تجعلها في تصادم مباشر مع الجيوش الإلكترونية والجهات المسلحة المدعومة من بعض الأحزاب السياسية".
عراقيل كثيرة تقف في وجه المرأة، للمضي بالمشاريع السياسية
العبايجي، التي تقود حالياً تياراً مدنياً مهماً يضم عدداً غير قليل من الشبان والشابات العراقيات المطالبين بدولة المواطنة والمساواة، تقول إن "المرأة العراقية المدنية بقيت صامدة، وتشارك بنشاطات المجتمع المدني والاحتجاجات، وبقية الأساليب التي لا تجعلها في خط المواجهة مع الأحزاب المتنفذة". وتبين أن "هناك عراقيل كثيرة تقف في وجه المرأة، للمضي بالمشاريع السياسية، ومنها العقبات الاجتماعية، والمخاوف من السمعة السيئة التي قد تصيبها بسبب الحملات الإعلامية المضللة، التي تقودها الجهات المتنفذة في البلاد ضد النساء المدنيات والعلمانيات".
ولا تخفي العبايجي أنها تتعرض لحملات دائمة لتشويه صورتها وسمعتها من جيوش إلكترونية معروف أنها تتبع لأحزاب وجهات نافذة، لكنها تؤكد امتلاكها "رصيداً وطنياً وتاريخاً سياسياً ونشاطاً مدنياً يتكفل دوماً بالدفاع ضد تلك الهجمات". وتشدد على أن "انتفاضة تشرين أفرزت شريحة واسعة من الشباب الذين يمتلكون المواصفات القيادية، وهناك الكثير من النساء لديهن وعي وشخصية وحضور، ويصلحن لأن يتحولن إلى قياديات. ولكن هناك حاجة إلى الدعم والإسناد والخبرة، والنساء الناشطات بحاجة إلى تنظيم، لأن العمل الأحادي لا يمكنهن من اختراق حدود مجالات أخرى".
وعن الانتخابات المبكرة التي حددها رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في 6 يونيو/حزيران من العام المقبل، ترى السياسية العراقية أن "الانتخابات هي الوسيلة الأخيرة بيد الشعب العراقي، لتغيير المنظومة السياسية الحاكمة من منطلق الطائفية والفساد، والتخلص من هذه المنظومة، على الرغم من كونها سيطرت على الانتخابات وأساليب التزوير، ولا يمكن تغييرها إلا عبر الانتخابات". وتوضح العبايجي أن "الأحزاب التقليدية التي تحكم العراق منذ عام 2003، تشعر بالتهديد من جيل سياسي جديد، وتواجه خطراً بالإزاحة بسبب انتفاضة تشرين (الأول) التي سحبت الشرعية منها. وتحاول هذه الأحزاب حالياً السيطرة على الانتخابات المبكرة. ولذلك قد تواجه الانتخابات حالات من الحرق والبلبلة، لأنها ستكون معركة فاصلة بين الأحزاب السياسية والإرادة الشعبية".
وعن التظاهرات العراقية ومستقبلها، تقول إن "التظاهرات تطورت بشكل نوعي بعد مرور عام كامل، ولا يمكن التعامل مع الاحتجاجات المقبلة على أنها عمليات استذكار لما سبق من تظاهرات، إنما باعتبارها عامل قوة شعبية. وعلى الرغم من محاولة الأحزاب الدخول على خط الاحتجاجات وسعت إلى تفتيتها، لكنها فشلت. والانتفاضة بقوتها الواقعية لا تزال مستمرة".
وتستدرك أن "الغضب والتحدي هو الذي دفع الشباب في العراق إلى التظاهر. وبعد مرور سنة باتت التوجهات والأجواء وطريقة صياغة المطالب متطورة". وتعتبر أن "تجدد الاحتجاجات لا يمكن قياسه بعدد المحتجين، ولا بالصدامات، بل بالقوة التي تتجلى باستمرار الحراك الشعبي. ولكن هناك حاجة ملحة لتنظيم المتظاهرين والابتعاد عن بعض أطر السلوك الاحتجاجي السابقة، من أجل التوصل إلى نتائج تخدم المتظاهرين أكثر، وتحديداً ما يتعلق بالدخول على خط صنع القرار السياسي". وتلفت إلى أن "الأحزاب السياسية لم تتنازل أمام مطالب الشعب، بل تعاملت باستهانة مع المطالب الجماهيرية، ولكنها لا تدرك أنه كلما بقيت الأحزاب متمسكة بمصالحها، فإن النهايات ستكون أكثر دراماتيكية... وأن حكومة الكاظمي جاءت كنوع من الموازنة بين الشعب الغاضب ورغبة الأحزاب المتنفذة بالتكيف مع الأوضاع الجديدة".
وحول ملف قتل المتظاهرين الذي يطالب المحتجون بفتحه ومعاقبة المتورطين فيه، تشير العبايجي إلى أن "الكاظمي لا يريد التصادم مع المليشيات والفصائل المسلحة، المتهمة بقتل المتظاهرين وقنصهم واختطافهم وترويعهم. ولا يبدو أن الكاظمي لديه القدرة على اتخاذ إجراءات قوية وجادة في هذا الملف، ويكتفي بالتصريحات والقرارات الصورية".
الكاظمي لا يريد التصادم مع المليشيات والفصائل المسلحة، المتهمة بقتل المتظاهرين وقنصهم واختطافهم
ورداً على سؤال "هل سيُحقق المدنيون والعلمانيون في العراق منجزاً أو حضوراً في البرلمان عقب إجراء الانتخابات المبكرة؟"، تجيب أن "هذا الأمر يعتمد على مدى نجاح الانتخابات من دون تزوير أو تلاعب بالأرقام. لكن المدنية هي المطلب لغالبية العراقيين، وظهر هذا الشيء بشكل واضح خلال الاحتجاجات، وهي الأكثر شرعية ورغبة من الجماهير، يقابله رفض كبير للأحزاب التقليدية". وتتابع أن "تمدن المجتمع أهم من تمدن البرلمان، لأن المجتمع في النهاية هو الذي يفرض على البرلمان والحكومة الحذر. ولو أجريت انتخابات نزيهة وحقيقية، فإن القوى المدنية والعلمانية ستكون الأغلبية. والدليل على ذلك سعي بعض الأحزاب الدينية والتقليدية لتأسيس كيانات سياسية مدنية وعلمانية، وهو أمر لا مشكلة لدينا به، ولكن بشرط أن تلتزم هذه الكيانات الممولة من الأحزاب بالثوابت الوطنية للدولة المدنية".