مرّت أكثر من 5 أشهر على تعيين الرئيس التونسي قيس سعيد، رئيس الحكومة أحمد الحشاني، خلفاً لنجلاء بودن، متلافياً مطالب أنصاره بإجراء تعديل حكومي شامل، أو سد الشغورات في الحقائب الحساسة، كحل لتجاوز الأزمة الخانقة التي تمر بها تونس.
وعيّن الرئيس سعيد، الحشاني (66 عاماً) في الأول من أغسطس/ آب، على رأس حكومة أغلب وزرائها معيّنون خلال ولاية رئيسة الحكومة السابقة، ومنذ ذلك الوقت يواصل العمل منقوصاً من وزراء التشغيل والصناعة والاقتصاد، إذ جرت إقالة وزير التشغيل والمتحدث باسم الحكومة نصر الدين النصيبي في 23 فبراير/ شباط الماضي، ووزير الصناعة والطاقة والمناجم نائلة نويرة القنجي، في الرابع من مايو/ أيار، ووزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويرى مراقبون أن الرئيس سعيد طالما ألقى اللوم على مسؤولين ووزراء عيّنهم لتسيير الوظيفة التنفيذية التي وضع سياساتها بنفسه، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وغلاء الأسعار، وفقدان المواد الأساسية، وضعف الخدمات العامة، "ولا يكترث كثيراً للشغورات في المؤسسات والمناصب المركزية والجهوية".
وفي سياق متصل، يناقش البرلمان مع الحكومة موازنة الدولة لعام 2024 ، بينما يعمل مجلس الشعب منذ 13 مارس/ آذار منقوصاً عددياً من 8 نواب حيث لم تجر انتخابات في 7 دوائر في الخارج، بسبب عدم تسجيل ترشحات لصعوبة جمع التزكيات، بالإضافة إلى سجن نائب منذ 9 أشهر، فيما لم تبادر السلطات بسد الشغور.
وقال القيادي والمتحدث الرسمي باسم حزب حركة الشعب (مساندة لـ25 يوليو 2021) أسامة عويدات، في حديث لـ"العربي الجديد"، "طالبنا منذ البداية بحكومة سياسية، وقد تبيّن اليوم بعد كل هذه المدة ضرورة تشكيلها ببرنامج واضح، فالمسألة ليست موقعاً ومنصباً بقدر ما هي سياسات عامة تنسجم مع 25 يوليو".
وأضاف أن "الحكومة الحالية هي تكرار للحكومة السابقة وهو أمر غير معقول، فقد طالبنا بسياسات عامة في شكل برامج تنفذ في إطار استراتيجي برؤية وتصور واضحين".
وانتقد عويدات تعيين الحشاني قائلاً: "لا يمكن اليوم إحضار موظف كان يعمل في جهاز إداري مقيد، ونطلب منه تنفيذ تصورات منسجمة مع مسار 25 يوليو/ تموز، باعتبار أن غالبيتهم كانوا يعملون مع الجهاز القديم وينفذون أجندات معينة"، مضيفاً: "لذلك نلاحظ أن طريقة العمل القائمة على نقل البرامج القديمة نفسها كما هي".
وقال إن "الشغورات تؤثر في العديد من القطاعات الحيوية، وتعطل مؤسسات عديدة، ولكن طالما أن الحكومة تتصرف دون رؤية واستراتيجيات وتعمل على تكرار الطريقة السابقة نفسها بعيداً عن أهداف مسار 25 يوليو فإنها تفرز إجراءات لا تسمن ولا تغني من جوع وتعطل المواطنين".
وحمل عويدات هيئة الانتخابات، المسؤولية في سد الشغورات في البرلمان، وقال: "هناك تونسيون غير ممثلين في البرلمان، ونحن بصدد إجراء انتخابات المجلس الثاني، بينما لم نستكمل المجلس الأول".
وفي مقابل ذلك، قال القيادي في جبهة الخلاص الوطني المعارضة، ونائب الأمين العام لحزب العمل والإنجاز، أحمد النفاتي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مسار 25 يوليو بني على فكرة واحدة، وهي لعن عشرية الثورة وشيطنة الأحزاب وتخوين معارضيه. لذلك لا تملك مؤسساته رؤية ولا استراتيجية ولا برنامج عمل، وفي هذا السياق جيء بالسيد الحشاني ليغطي على فشل المسار، ويؤجل خيبة أمل داعميه".
وتابع النفاتي: ''لا ننتظر منه (الحشاني) لا برنامجاً ولا إنجازات سوى تنفيذ التعليمات، وكما كان متوقعاً لم يكن لتغيير بودن بالحشاني أي تغيير على واقع العمل الحكومي، إذ إن الأولويات لم تتغير، بل واصلت الحكومة في دعاية الانكباب على مقاومة الفساد عبر سردية تطهير الإدارة وفتح ملفات رجال الأعمال، ومقاومة أعداء الدولة من المتآمرين".
واعتبر أن "الواقع يحيل إلى نتيجة حتمية وهي العجز الكامل للحكومة عن معالجة أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها افتقاد المواد الأساسية، وتواصل ارتفاع الأسعار، والتدهور المتواصل للمقدرة الشرائية للفرد، فضلاً عن تدهور جودة الخدمات العمومية".
وأضاف: "في المقابل يتواصل إمعان السياسة الحكومية في استهداف المعارضين ورجال الأعمال مما يؤدي لمزيد من انسداد مناخات الاستثمار، وتشتيت أولويات البلاد، وتحويل بوصلة الإدارة من الاهتمام بالملفات التي تنفع الناس إلى معارك سياسية جانبية، همها الوحيد تثبيت السلطة القائمة".
ورأى النفاتي أن المشهد البرلماني هو نتيجة طبيعية لمسار تشكله، لافتاً إلى أن البرلمان جاء نتيجة لانتخابات غير شرعية شارك فيها 11% فقط من التونسيين، وهي أقل نسبة إقبال في التجارب الديمقراطية على مستوى العالم.
وقال: "علينا ألا ننسى أيضاً أن هذا البرلمان هو منتج لمسار 25 يوليو، وتحديداً دستور السيد قيس سعيد غير التشاركي، ونتيجة لانتخابات لم يشارك فيها إلا الغوطة الداعمة لتفرد الرئيس بالسلطة، أو فئات أخرى آثرت استغلال الفراغ القائم، من خلال غياب القوى السياسية ومقاطعتها لمسار 25 يوليو في مجمله، لذا من غير المستغرب أن تشوب أعماله تجاوزات وشغورات وغياب للعديد من التمثيليات، كما أنه غير قادر على لعب دور رقابي تجاه السلطة التنفيذية".