شهر على الاعتقالات: هل نجح سعيّد في إضعاف المعارضة؟

27 مارس 2023
شملت الاعتقالات الشابي الذي اقترب من "الخلاص" (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

مر أكثر من شهر على اعتقال أبرز قادة المعارضة التونسية. ولئن كان سبب الاعتقالات هو تهمة التآمر على أمن الدولة، فإن النتيجة الواضحة هي أن السلطة حصدت عبرها أبرز مكونات المعارضة وقيادييها الأكثر تحركاً وبروزاً، ما يفيد أنها لم تكن عشوائية، بل على العكس من ذلك كانت دقيقة وموجّهة.

وشملت الاعتقالات الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، الذي كان اقترب من جبهة الخلاص الوطني، وأعلن استعداده للعمل الجماعي مع كل من يضع استعادة الديمقراطية هدفاً له، فوق الاختلافات السياسية والأيديولوجية.

كذلك، اعتقل الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، الذي استقال من حزبه للتفرغ لمبادرة توحيد المعارضة، والناشط السياسي خيام التركي الذي كان يعمل أيضاً على مبادرة من هذا النوع، ويبدو أنه اقترب كثيراً من وضع أرضية تجمع المعارضة.

أحمد الغيلوفي: سجن المعارضين واعتقالهم لا يعني أن أمر المعارضة انتهى

كما طاولت الاعتقالات أبرز قادة جبهة الخلاص الوطني، جوهر بن مبارك وشيماء عيسى ورضا بلحاج، وعدداً كبيراً من قيادات حركة النهضة المتمرسين في التنظيم اللوجيستي الشعبي والانتخابي، علي العريض ونور الدين البحيري وسيد الفرجاني، وقائمة طويلة أخرى من القيادات في الجهات، بالإضافة إلى عدد كبير آخر من المعارضين الحزبيين ونشطاء مستقلين.

وتطرح حملة الاعتقالات اليوم سؤالاً حول نتائجها بعد شهر من تنفيذها، وما إذا نجحت السلطة في تحقيق أهدافها وضرب المعارضة أو على الأقل إضعافها، أم أنها تورطت أكثر في نحت صورة النظام الاستبدادي، وبالتالي توحيد الساحة المعارضة في الداخل والخارج؟

هدفا سعيّد من الاعتقالات

القيادي في حراك مواطنون ضد الانقلاب أحمد الغيلوفي اعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة ضعيفة بطبعها، وحتى قبل أن يضربها (الرئيس) قيس سعيّد، لكنه حقق عبر ضربها من خلال الاعتقالات هدفين مهمين: الأول أنه قام بشل أي محاولة لتقريب وجهات النظر بين المعارضة.

ويبدو أنه لهذا السبب بالذات قام بالانقضاض على المجموعة الموجودة الآن في السجن بدون أي دليل، وهم من كانوا يحاولون تقريب وجهات النظر بين كثير من مكونات المعارضة، لتصور ما بعد سعيّد، وتذليل الصعوبات وتجاوز العوائق الأيديولوجية".

وتابع الغيلوفي أن "الهدف الثاني هو ما تحقق له بعد 10 سنوات من الثورة، وهو أمر مثير للاستغراب والدهشة، والمتمثل في إخافة بقية المكونات السياسية والمدنية والنقابية وحتى الصحافيين. واتضح للجميع أنه لا يوجد أي عقل للدولة، وهي في حالة فوضى وهيجان تتحكم فيها أجهزة تضرب خبط عشواء، واستهداف الصحافيين المهنيين يؤكد أنّ الخطر أصبح داهماً".

واستدرك الغيلوفي بأن "هذا لا يعني أن أمر المعارضة انتهى بسجن بعض المعارضين واعتقالهم، وأن الصراع حُسم لصالح السلطة، لأن الحقيقة هي أن لدى سعيّد مشكلا بنيويا أساساً، وهو أنه عاجز عن إيجاد أي حل لأي مشكل موجود للتونسيين، ويعاني من غياب الفريق الذي يفكر معه، ويحاول تفكيك الصعوبات ويحسّن صورته".

وقال: "يبدو أن سعيّد، من حسن الحظ، يعمل ضد نفسه، بتفكيره الأهوج وفتح مشاكل مع الجميع، في الداخل وأيضاً في الخارج، مع المغرب وليبيا ودول جنوب الصحراء وفرنسا، وربما حتى الجزائر التي تتعاطى معه اضطراراً" بحسب قوله.

سعيّد زاد من قوة المعارضة

في المقابل، اعتبر رئيس حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن سعيّد لم ينجح في إضعاف المعارضة، بل بالعكس تماماً، فقد زادها قوة من حيث الطرح السياسي، كونه ديكتاتوراً وسيضرب الجميع وكل الحريات. وبيّن أنّ "ما خسرته المعارضة في توحدها من حيث الوقت بسبب الاعتقالات، ستربحه لاحقاً، لأن العدو مشترك ولا بد من التوحد لمقاومته".

وأكد المكي أن "أغلب المعارضة اقتنعت أنه إن لم تتوحد فسينتظرها مزيد من قمع الحريات". ولفت إلى أن "سعيّد وجّه ضربة استباقية لمساعي توحيد المعارضة، لكنها ستوحد الرؤى السياسية في تشخيص الطرح السياسي للرئيس التونسي".

عبد اللطيف المكي: بعض المواقف والمفردات الغربية اليوم هي في حقيقة الأمر تشخيص لما أكدته المعارضة

وأضاف أنهم "منذ البداية أكدوا أن سعيّد له مشروع حكم فردي واستبدادي وقمع الحريات، وسيزيد الوضع الاقتصادي تدهوراً، ولن يأتي بأي حلول لمشاكل البلاد، وهذا بدأ يتبين للجميع، حتى من كان يشكك في ذلك، وسيتوحد حوله الجميع بسرعة أكثر بعد الاعتقالات".

وعن الضغوط الدولية والانتقادات لسقوط منظومة الحريات وحقوق الإنسان بعد حملة الاعتقالات، أشار المكي إلى أنّ "هناك جهات دولية كانت تمنح سعيّد الفرص، وبالتالي كانت له مساندة ضمنية، وربما راهنت على أن يكون ديمقراطياً ويُوجِد حلولاً وسطى لتونس ويرعى نوعاً من الحوار، ولكن بعض المواقف والمفردات الغربية اليوم هي في حقيقة الأمر تشخيص لما أكدته المعارضة".

وبين المكي أنهم "عوّلوا على أنفسهم، وسيعولون على المعادلات الداخلية لتغيير الوضع"، مؤكداً أن "هناك أطرافاً دولية ستلتحق بنفس التشخيص، وهذا يدل على أنهم في الطريق الصحيح".

وعن الموقف الإيطالي الخاص الذي يدعم سعيّد بوضوح، لفت المكي إلى أن "الموقف الإيطالي ينطلق من قضية الهجرة أساساً، والحكومة اليمينية المتطرفة مصابة بعمى استراتيجي وسينتهي بانتكاسته قريباً".

ورأى أن "مقاومة المعارضة مستمرة، وهي متأكدة أن هذا مجرد مرض أصاب المرحلة الانتقالية، كما يصيب أي انتقال ديمقراطي، وستشفى منه البلاد وستكتسب المناعة من هذه الأمراض". وخلص إلى أنه "صحيح أن القيادات السياسية قامت بأخطاء قبل 25 يوليو/تموز 2021، ما سهل انقلاب سعيّد، ولذلك عليها القيام بمراجعات، لأن هذا أساسي لبناء المستقبل".

الضغوط الدولية مرتبطة بمصالح الدول

من جهته، اعتبر القيادي في حركة النهضة نور الدين العرباوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الضغوط الدولية أكثرها مرتبط بمصالح بعض الدول، ولكن هذه المصالح ليست بالضرورة مخالفة للديمقراطية". وبيّن أن "التدخل الخارجي مرفوض، لكن المتسبب في انتكاسة المسار الديمقراطي هي السياسات المتخذة منذ 25 يوليو 2021، ولولا التضييقات الكبيرة الحاصلة في البلاد لما تدخّل هؤلاء في شؤون تونس".

وأوضح العرباوي أن "الاعتقالات والحقوق المنتهكة والاعتداءات العشوائية طاولت كل الأطياف، سياسيين ونقابيين وحقوقيين ورجال أعمال وإعلاميين، وتقريباً كل أصناف المعارضين، ولذلك لا يمكن الحديث عن سلطة تحترم الحقوق، وهذا ما يراه العالم ويتأكد له يوماً بعد يوم".

وأفاد بأن "الأمر لا يقف عند حد الاعتقالات، بل وقع التنكيل بالموقوفين وكانت ظروف اعتقالهم سيئة، وهناك معاناة المعتقل وعائلته، ومنذ أن حصل الانقلاب أي منذ عامين تقريباً، هناك خسارة جديدة يومياً لمكاسب بنيت بعد الثورة من كرامة وحرية وحقوق".

ولفت العرباوي إلى أنه "لولا السياسات الخاطئة للسلطة لما تدخّلوا في تونس، ولو كانت السياسات العمومية شرعية وصحيحة ولو لم يحصل انقلاب على المؤسسات الشرعية لما كان هناك تدخّل".

المساهمون