شهر من المكاسب الإسرائيلية بالجملة من هدنة لبنان: حرية التحليق والقصف وأطماع البقاء

27 ديسمبر 2024
دمار في صور جراء العدوان الإسرائيلي، 4 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعزيز الردع الإسرائيلي: بعد اغتيال قيادات حزب الله، شعرت إسرائيل بثقة كبيرة، مما أدى إلى تعزيز انتهاكاتها في لبنان واستعادة الردع الذي فقدته في عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، مع تفكيك معادلة وحدة الساحات بين لبنان وغزة.

- تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية: رغم الاتفاق على وقف إطلاق النار، استمرت إسرائيل في انتهاكاتها اليومية في لبنان، مع عدم وجود رد عسكري لبناني، وتمكنت من إبعاد حزب الله عن الحدود ومصادرة أسلحته.

- ضغط على الجيش اللبناني: تضغط إسرائيل على الجيش اللبناني والقوات الدولية لمنع عودة حزب الله إلى الحدود، مع استمرار التوتر على الحدود وتحديات إعادة سكان الشمال.

تشعر دولة الاحتلال الإسرائيلي بثقة كبيرة كسرت حاجز الخوف من مواجهة حزب الله، بعد اغتيال قيادات الصف الأول خلال الحرب وتوجيه ضربات صعبة له ولترسانته العسكرية. وتعززت الانتهاكات الإسرائيلية خلال فترة 30 يوماً منذ الاتفاق على هدنة لبنان عبر اختبار إسرائيل بنجاح حرية الحركة والتحليق في أجواء لبنان، في عمليات تجسسية وهجومية، ومواصلة انتهاك الاتفاق، وقصف واحتلال مناطق في لبنان دون رد يذكر.

وتعزز عدم الرد على الانتهاكات الإسرائيلية تقديرات دولة الاحتلال بخسارة حزب الله نسبة وازنة من قدراته العسكرية ومقاتليه، فضلاً عن خسارته طرق وصول السلاح إليه عبر الأراضي السورية، وخسارة إيران نفوذاً واسعاً في المنطقة. وربما يؤكد كل ذلك، وشواهد أخرى، أن اتفاق هدنة لبنان كان سيئاً للبنان على الأقل حتى هذه المرحلة، رغم حاجة البلد إلى وقف إطلاق النار وعدم احتماله المزيد من الأزمات. وتراهن دولة الاحتلال أيضاً على تراجع نفوذ حزب الله داخل لبنان، كما مكّنها الاتفاق من تفكيك معادلة وحدة الساحات والفصل بين لبنان وغزة.

هدنة لبنان تعيد الردع لإسرائيل

وتعتبر استعادة الردع بعد فقدانه في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يوم عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، من أهم إنجازات إسرائيل على الجبهة اللبنانية، وفق الصورة الحالية التي تظهر بعد مرور شهر على هدنة لبنان التي لا تزال قيد الاختبار. فضلاً عن تعزيز التعاون الدولي، من قبيل التوافق مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق، وخفض التوتر بين الدولتين بسبب خلافات شهدتها ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، رغم عدم منعها السلاح عنها، كما أعلن نتنياهو أن الاتفاق سيسمح بتزويد إسرائيل بمزيد من الأسلحة الأميركية.

مكن الاتفاق إسرائيل من تفكيك معادلة وحدة الساحات والفصل بين لبنان وغزة

واستفادت إسرائيل بموافقتها على دور فرنسي في هدنة لبنان مقابل منح الحصانة لنتنياهو ووزير أمنه السابق يوآف غالانت من أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضدهما بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة. وربما استفادت على المستوى الدبلوماسي مع الأمم المتحدة بإبداء نوايا وكأنها حسنة أمام المجتمع الدولي، في وقت تواصل فيه حرب الإبادة التي تشنّها على قطاع غزة.

تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية وعجز لبناني

بعد الموافقة على وقف إطلاق النار، كان نتنياهو قد شكر الولايات المتحدة على دورها في التوصل إلى هدنة لبنان مشيراً إلى أنه يحافظ، بضمانات أميركية، على حرية الحركة لإسرائيل وتطبيقها الاتفاق في حال انتهاكه، وهو ما يبدو أن إسرائيل تجاوزته بهجماتها اليومية في لبنان، بحجة وجود تجاوزات من قبل حزب الله. وربما تحاول دولة الاحتلال، لحسابات داخلية وخارجية، من خلال الانتهاكات والهجمات المتكررة، وهو ما بدأ منذ اليوم الأول من دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إثبات أن يدها هي العليا، بعد تمكّنها من فرض واقع جديد على الحدود وعلى حزب الله عبر الضربات التي وجهتها إليه. وفيما ينص أحد بنود هدنة لبنان على حق إسرائيل ولبنان في الدفاع عن نفسيهما، يتضح بعد مرور 30 يوماً أن إسرائيل وحدها هي التي تهاجم بحجة الدفاع عن النفس، فيما لا رد عسكرياً من الجهة اللبنانية على الانتهاكات الإسرائيلية وإنما تقديم الدولة اللبنانية شكاوى ضد إسرائيل.

كما استفادت من إبعاد حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني وعدم عودته إلى الحدود مجدداً، وتختبر ذلك عملياً على أرض الواقع بعدم وجود أي تهديد لها رغم الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة. وفي المقابل، يواصل جيش الاحتلال تفكيك البنية العسكرية لحزب الله في الجنوب، كما يصادر أسلحة من القرى التي ما زال يحتلها. وأعلن جيش الاحتلال، الأربعاء الماضي، تمكنه من مصادرة أكثر من 85 ألفاً من قطع السلاح والوسائل القتالية والمركبات العسكرية والعتاد التابع لحزب الله خلال عمليته البرية في جنوب لبنان. وبالمقابل يبقي جيش الاحتلال على حالة التأهب والمراقبة الحثيثة لمنع إعادة تسليح الحزب.

وفيما ينص الاتفاق على وقف الانتهاكات الإسرائيلية وسحب إسرائيل كامل قواتها في غضون 60 يوماً منذ بدء الاتفاق، يستعد جيش الاحتلال لاحتمال البقاء في لبنان حتى بعد انقضاء هذه الفترة، بحسب ما أشار إليه تقرير في صحيفة هآرتس، أمس الخميس. وأكد الجيش أنه "إذا لم يلتزم الجيش اللبناني بتعهداته في الاتفاق، ولم يحقق السيطرة الكاملة على جنوب لبنان، فسيتعيّن على الجيش الإسرائيلي البقاء هناك حتى يفي الجيش اللبناني بالتزاماته". ويتوافق هذا التوجه مع ما أفادت به قناة "i24NEWS" الإسرائيلية، أخيراً، ونقلها عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن "الجيش اللبناني ينتشر في جنوب البلاد بوتيرة أبطأ بكثير مما تم الاتفاق عليه"، ونتيجة لذلك "بدأت المناقشات في المستوى السياسي حول السؤال: ماذا سيحدث إذا لم ينتشروا بالكامل في المنطقة بحلول نهاية أيام وقف إطلاق النار، هل ستنسحب إسرائيل كلياً حتى في هذا الوضع؟".

ضغط على الجيش اللبناني والقوات الدولية

وتضغط إسرائيل على الجيش اللبناني والقوات الدولية للعمل الجاد من أجل منع عودة حزب الله إلى المنطقة الحدودية، التي مُسحت معظم منازلها، في خط المواجهة الأول من الوجود، كما تواصل البقاء في جزء منها وتدمير الأنفاق. يضاف إلى ذلك قيام إسرائيل بطلعات تجسسية، وهو ما تضمنه لها الاتفاقية الجانبية مع الولايات المتحدة، فضلاً عن الاتفاق على تعزيز التعاون بين الطرفين في المعلومات الاستخباراتية بشأن لبنان. وقد تستفيد من التزام الولايات المتحدة بالتعاون لصد أي نشاط إيراني في لبنان، بما في ذلك منع نقل السلاح وغيره إلى حزب الله، ودعم واشنطن لما تعتبره حقها في الرد على التهديدات من الأراضي اللبنانية، وتحاول تبرير استمرار هجماتها على لبنان وانتهاكاتها للاتفاق بذريعة ذلك.

لا استقرار في الشمال

رأت أورنا مزراحي أن إحدى نقاط قوة الاتفاق، بالنسبة لإسرائيل، إعطاء دور للجيش اللبناني وتعزيز صفوفه

مع كل ما قد تعتبره إنجازاً لها في لبنان والمنطقة، تعاين دولة الاحتلال في الوقت ذاته الأضرار الكبيرة في المستوطنات المحاذية للحدود، التي دُمر بعضها على نحو واسع، وهو ما اتضح أكثر منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار، عدا عن الانتكاسة الاقتصادية والتحديات الاجتماعية، والخسائر العسكرية وغيرها. وسيكون الاختبار الحقيقي، على المدى الأبعد، لما قد تعتبره إسرائيل "إنجازاً"، القدرة على الحفاظ على الهدوء لفترة طويلة في الشمال، ومنع مواجهة أخرى مع حزب الله مستقبلاً. ومع كل ما حققته جراء الحرب ومواصلة الانتهاكات الإسرائيلية، فإنها لا تزال غير قادرة بعد على إعادة سكان الشمال الذين تركوا منازلهم، ومنهم من لن يعودوا أبداً على الأرجح بعد اعتيادهم حياة بجودة أفضل في منطقة تل أبيب ومناطق أخرى. وإذا فشل الاتفاق، فقد يؤدي حتى إلى عدم عودة شرائح واسعة من سكان الشمال الراغبين بذلك إلى المستوطنات والبلدات القريبة من الحدود مع لبنان. هذا على الرغم من مواصلة الاحتلال إقامة عوائق أمنية على الحدود مع لبنان، وتطوير وسائل دفاعية، وأخرى للكشف عن التهديدات تحت الأرضية، مثل الأنفاق وغيرها.

وتقول الباحثة في شؤون حزب الله في معهد أبحاث الأمن القومي أورنا مزراحي، في بودكاست نُشر قبل أيام، إن سلسلة الضربات التي تلقّاها الحزب أربكته ودفعته، إضافة إلى عوامل أخرى، نحو وقف إطلاق النار، بهدف العمل على إعادة تنظيم نفسه. في المقابل، أشارت إلى أن المفهوم الجديد في جيش الاحتلال، بالنسبة للجبهة الشمالية، أن لا مزيد من الاحتواء، ويهاجم مباشرة لدى وجود "انتهاكات". والسؤال برأيها: إلى أي مدى سيحتوي حزب الله الضربات؟ وترى أن إحدى نقاط قوة الاتفاق، بالنسبة لإسرائيل، إعطاء دور للجيش اللبناني وتعزيز صفوفه، "ولكن السؤال: أي جيش سيكون وأي علاقات سيبنيها مع حزب الله، الذي سيطمح بدوره ليكون على علاقة جيدة معه والتأثير عليه من الخارج والداخل، لكي يتيح له الجيش فعل ما يريد"، والعودة إلى جنوب لبنان عسكرياً. وأضافت: "مُنحت لنا الإمكانية للعمل ضد الانتهاكات، لكن من جهة أخرى هذا قد يخلق نوعاً من عدم الاستقرار الأمني على طول الحدود. يبدو أن هذا أمر سيتوجّب علينا التعايش معه".

المساهمون