- رغم ترحيب البعض بالموقف الجديد للهيئة، يرى آخرون أنه جاء متأخرًا وينتقدون استمرار بعض الأفراد في تبني مواقف سابقة تبرر أو تتسامح مع الانقلاب، مما يساهم في تعميق الانقسامات.
- تجري محاولات لإعادة بناء جسور الحوار والتوافق في تونس، في ظل إدراك متزايد لأهمية توحيد الجهود لاستعادة الديمقراطية وتجنب تكرار الأخطاء السابقة، مع التأكيد على أهمية الصحوة الصادقة حتى لو كانت متأخرة.
تفاجأ متابعون من بيان مجلس الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، الخميس الماضي، بسبب حدة لهجته التي جاءت مغايرة لمواقف الهيئة من السلطة خلال السنوات الأخيرة، إذ نددت بـ"تردّي واقع الحريات في تونس"، وقالت إنه ''أصبح يزخر تحت نير المرسوم الـ54 واستفحال الإيقافات والإحالات للعديد من المحامين والسياسيين والناشطين''. وطالبت الهيئة ''بالإفراج الحيني عن المحامين والسياسيين والناشطين الموقوفين". وأكدت "حق الشعب في نظام سياسي متطور عصري وديمقراطي تشاركي يعبّر عن تطلعاته في الحرية والكرامة، أساسه علوية القانون وعماده تفريق السلطات...".
وفيما رحّب كثيرون بهذا الموقف، على الرغم من أنهم أكدوا أنه جاء متأخراً، لا يزال آخرون يمارسون الأسلوب نفسه في التعامل مع متغيّرات المشهد في تونس، متمسكين بآلاتهم الحاسبة، يشمت بعضهم بالمعتقلين الجدد الذين لحقهم أذى الانقلاب، ويعودون إلى مواقفهم القديمة التي برّرت أو تراخت في موقفها من الانقلاب، أو كانوا قبل ذلك ممّن يعتبرونهم ساهموا في ضرب الانتقال الديمقراطي.
ولئن كان بعض هذا صحيحاً، فإنه في غير وقته ولا زمانه، لأنه لن يخدم إلا الانقلاب من جهة، ولأنه من جهة أخرى قد يعني أن هؤلاء الناقدين كانوا بلا خطيئة، ولم يسهموا، عن قصد أو سوء تقدير، في سقوط التجربة الديمقراطية الهشة. كذلك قد يعني أنهم لم يكونوا سبباً مباشراً أو غير مباشر في هذه القطيعة التي حصلت بين التونسيين والشأن العام، بتحالفاتهم الخاطئة أو قراراتهم غير الناجعة، أو على الأقل بسبب قلة تجربتهم وسذاجتهم في التعامل مع الأحداث التي قادت في نهاية المطاف إلى سقوط السقف على رأس الجميع. لذلك، إن تقييم المرحلة السابقة ضروري، لضمان عدم تكرار الأخطاء نفسها، ولكن عندما يحين وقته وتنضج ظروفه، ويتوافر النقاش بعيداً عن منطق الكراهية والحقد.
تجري محاولات في تونس هذه الأيام لهدم هذه الجدران العالية التي بناها بين بعضهم المتمسكون بالديمقراطية، وبحث أرضية التقاء جديدة قد تتوصل إلى توافق على الحد الأدنى للتوحد، لعلهم يستطيعون استعادة الديمقراطية، بعد أن جرّبوا معنى خسارتها، وبعد أن سلّموا مفاتيحها لسجانهم، ظناً منهم أنه سيريحهم من عدوهم، أو منافسهم، فإذا بالجميع يقتنع أخيراً بأنهم سيكتوون بالنار ذاتها.
لذلك لا يمكن أن نستكثر على أحد صحوته، إذا كانت صادقة طبعاً، ولو كانت متأخرة، لأن الجميع يحتاج للدعم وتجميع القوى لإعادة التونسيين إلى طاولة الحوار، على الرغم من أن كثيرين يشككون في جدوى ذلك اليوم، ولكن لا تلعن المستقبل أبداً لأنك لا تعرف ما يخبئ.