تناولت صحيفة "إل باييس" الإسبانية، في عددها الصادر اليوم الإثنين، الشأن اللبناني، متحدثة عن أن البلد سيبقى على خطى الأجداد المؤسسين للطائفية "إلى حين تحقّق ديمقراطيته العلمانية"، وأن ما يظهره حكم الواقع أن الأمة اللبنانية، الموجودة كطموح في قلوب أبناء المجتمع، ليست سوى إرث.
الصحيفة الإسبانية، الواسعة الانتشار، فصّلت الواقع اللبناني، بعيد اعتذار مصطفى أديب عن عدم تشكيل حكومة جديدة، بقولها: "حيث يستمر اللبنانيون بصراخهم على وسائل التواصل الاجتماعي تعبيرا عن غضبهم وإحباطهم بعيد انفجار مرفأ بيروت، لم يتمكن مصطفى أديب من التوصل لاتفاق بين الأطراف".
وعرجت "إل باييس" على زيارتي الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى بيروت بقولها إنه "رغم الحملة الدعائية التي رافقت ماكرون على أساس سيناريو مساعدة الشعب اللبناني، إلا أنه اصطدم بحائط مسدود من نظام قديم في التعددية الهوياتية والتوافقية، التي تتجذر في الدولة اللبنانية الحديثة ونظامها العاجز".
وأردفت الصحيفة أن "كل الجهود للتغيير يبدو أنها ذهبت سدى. فالزعامات الرئيسة للطوائف الدينية في المجتمع، (الرئيس اللبناني) ميشال عون و(زعيم حزب القوات اللبنانية) سمير جعجع عن المسيحيين، و(أمين عام حزب الله) حسن نصر الله و(رئيس مجلس النواب) نبيه بري عن الطائفة الشيعية، بالإضافة إلى (رئيس الوزراء السابق وزعيم تيار المستقبل) سعد الحريري عن السنّة، يُمسكون بخيوط النسيج شديد التعقيد في لبنان"، مشيرة إلى أنه "رغم انقساماتهم إلا أنهم يطلقون شعارا مشتركا عن رفض التدخل الخارجي، أو تغيير إحداثيات الواقع، إلا بموافقة القوى القوية بينهم".
وبعد استعراضها لتقسيمات لبنان الطائفية، وشروط تغيير الوضع، عرجت "إل باييس" على واقع آخر يعقد مشهد لبنان الداخلي، أو ما سمته "مفاتيح تاريخية لتحديد الإحداثيات في لبنان". وفي هذا الاتجاه رأت أن "حزب الله يمثل قوة رئيسة اعتمادا على الإمدادات الإيرانية له، وهو ليس لاعباً على المستوى الوطني (المحلي) فحسب، بل هو قوة إقليمية أيضا بتداعيات كثيرة في الشرق الأوسط على مدى السنوات العشرين الماضية، واعتبر نفسه ضامناً أكثر من الجيش (اللبناني) ضد إسرائيل"، مشددة على أنه "متغير إستراتيجي يحدد كل المفاوضات الداخلية بين اللبنانيين".
وتضيف حول دور "حزب الله" في المعادلة اللبنانية أنه "طالما ليست هناك تسوية سلمية، ولا تمضي الأمور قدما، مع الدولة المجاورة (دولة الاحتلال)، فسيكون من شبه المستحيل ابتكار طريقة ممكنة لبناء دولة مشتركة (للبنانيين)، لأن حزب الله يرفض نزع سلاحه في السياق، طالما أن لبنان غير قادر على حماية حدوده.. وكذلك في غياب احتمالات اقتراب السلام وحماية دولية فعالة برعاية الأمم المتحدة".
واستعرضت "إل باييس" ما يذكره باحث علم الاجتماع اللبناني ملحم شاؤول، عن أنه "كلما كانت الدولة المركزية أكثر هشاشة تشبثت الشرائح الاجتماعية بجماعتها الأولى"، وهذا يعني وفقا للصحيفة "أن مجتمع النظام التوافقي الطائفي ليس في حد ذاته المشكلة، لأن الطائفية حقيقة تاريخية لا يمكن تغييرها بحركة واحدة، ولكن المشكلة في غياب دولة داخلية مشتركة كأمة، وبعد 100 سنة من نشوئها فشلت الدولة في تحقيق الهدف".
وعرجت "إل باييس" على حراك الشارع اللبناني خريف العام الماضي، قائلة: "عبّر المحتجون في 2019 عن تصميمهم على بناء دولة مدنية، لكنهم أدركوا أنهم يواجهون تزايد شراسة الأجداد للاحتفاظ بالسلطة، وما يظهره حكم الواقع أن الأمة اللبنانية، الموجودة كطموح في قلوب أبناء المجتمع، ليست سوى إرث، طالما أن البلد لم يصل إلى تحقيق الديمقراطية العلمانية".
وختمت الصحيفة بالقول: "ولهذا السبب تم اقتراح جعل الدعم المالي الدولي مشروطا ببناء مجتمع مدني، بوصفه المحور الأهم والرئيس"، قبل أن تضيف: "صحيح أنه ليس من السهل قبول هذا الطريق، ولكن من الصحيح أيضا أنه لا يوجد طريق آخر".