استمع إلى الملخص
- محافظ البنك المركزي، الصديق الكبير، انحاز لمعسكر طرابلس، مما أدى إلى خلافات مع مجلس النواب الذي حاول إقالته، لكن التحالفات الجديدة أبقته في منصبه.
- الصراع الحالي يشمل جميع الأطراف بسبب أهمية المال كمصدر للسلطة والنفوذ، مما يكشف أن الهدف الأساسي هو السيطرة على الموارد المالية.
في الواقع يمكن وصف مرحلة الصراع المندلع في ليبيا هذه الأيام حول منصب محافظ البنك المركزي بأي وصف سوى الصراع السياسي، فللسياسة أدبياتها ومرجعياتها ومجالات يتحرك فيها الفاعلون وفقاً لقواعد اللعب في إطار قانوني حاكم لا يسمح بانفلات الأوضاع، وهو ما لا يتوفر منه شيء راهناً، على الرغم مما يحمله المتصارعون من صفات ومراكز قيادية.
على طول خط الأزمة المندلعة في ليبيا منذ العام 2014، تلاعبت جميع الأطراف بالأطر والوثائق الدستورية، بدءاً بالإعلان الدستوري الذي يمثل الدستور المؤقت، فتم تعديله حتى الآن 13 مرة، كما أن الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات لا تزال بعض فصوله غير مضمّنة في الإعلان الدستوري، أما اتفاق جنيف الموقّع عام 2021 فالتعامل معه تارة بوصفه ملحقاً بالاتفاق السياسي وتارة منفصلاً عنه، فلا حاكم للقوانين والقرارات التي يتم إصدارها حيناً وإلغاؤها حيناً آخر سوى المصالح الخاصة ومصالح من يدعمهم من الخارج.
ضمن تحالفات الصراع انحاز محافظ البنك المركزي الصديق الكبير لمعسكر طرابلس الذي تقوده حكومة الوفاق المعترف بها دولياً وقتها وفقاً للاتفاق السياسي الموقّع في جنيف. وبسبب الخصومة بين الحكومة ومجلس النواب، أصدر الأخير في العام 2018 قراراً بإقالة المحافظ وتعيين بديل عنه. لكن المجلس الأعلى للدولة، شريك مجلس النواب في تعيين شاغلي المناصب السيادية وفقاً للاتفاق السياسي، رفض ذلك، واستمر الكبير في منصبه، وحافظ على ولائه للسلطة التنفيذية التي أنتجها اتفاق جنيف، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية. طيلة هذه الفترة كان المحافظ يسيل الأموال للسلطات في طرابلس بدون إذن السلطة التشريعية، لكن اختلاف المصالح دفع الكبير ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح للتقارب وعقد صفقة للتحالف بينهما قبل أشهر، فأصدر صالح قراراً باستمرار الكبير في منصبه والأخير منح الميزانية لحكومة مجلس النواب كونها الشرعية وفقاً للقوانين المالية للدولة التي لم يحتكم إليها في الماضي، ما أغضب السلطة في طرابلس التي استندت إلى نصوص في اتفاق جنيف تسمح لها بتعيين قادة المؤسسات في حال إعلان الطوارئ، وحتى تحرج مجلس النواب وتثنيه عن عرقلتها استندت إلى قرار مجلس النواب السابق بعزل الكبير من منصبه.
صحيح أن سلوك الأطراف هذا ليس جديداً، فجميعهم يتحركون في فراغات تلك الوثائق الدستورية، لكن الجديد في الأمر والذي يبدو أنه أوصل الأوضاع إلى ذروتها، أن الصراع يتعلق بالمصدر الأساسي للمال، لذا شارك الجميع فيه، بخلاف معاركهم السابقة التي كانت تشارك فيها أطراف وتغيب أخرى. شارك الجميع هذه المرة، لسبب واحد انكشف أنه سبب كل الصراع الدائر منذ سنوات، وهي الأموال، فمن يسيطر على مصدرها يملك الغلبة ويمكنه حشد الأحلاف الإقليمية والدولية. تلك هي الطريقة التي يدير بها الخصوم اللعبة، لعبة المال والسيطرة، لا لعبة السياسة وفق قواعدها وسلوكياتها، فلا فرق بين المليشيات التي تتخذ من الأسماء والشعارات العسكرية والأمنية مطيّة لتحتمي وتتحرك بها، وبين هؤلاء القادة الذين يحتمون بأسماء الأجسام السياسية المستندة لقوانين الوثائق الدستورية، للوصول إلى مصالحهم الخاصة.