صراع النفوذ ينفجر داخل حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"

13 يوليو 2021
فاقم سقوط كركوك بيد القوات العراقية في تأجيج الخلاف (الأناضول)
+ الخط -

يشهد حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" حاكم مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، خلافات بلغت مرحلة الصدام المسلّح، بين قطبي الحزب، بافل الطالباني، نجل ثاني الرؤساء العراقيين بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 جلال الطالباني، والرئيس المشترك للحزب، لاهور شيخ جنكي. ويعود السبب إلى إجراء تغييرات في المناصب الهامة بالمحافظة، تحديداً منصبي رئاسة مؤسسة المعلومات، ومؤسسة مكافحة الإرهاب في السليمانية. وكان على رأس المؤسستين شخصيات محسوبة على شيخ جنكي تم استبدالهما بآخرين أقرب إلى بافل. ودفعت التوترات إلى تدخل رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي ينتمي لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" أيضاً، في سبيل التوصل إلى تهدئة.
ومنذ وفاة جلال الطالباني في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2017، مؤسس "الاتحاد الوطني الكردستاني"، ثاني أكبر أحزاب إقليم كردستان المعروف بعلاقاته القوية مع إيران وفتورها مع تركيا، لم يتفق الحزب على رئيس جديد. وتمّ الاتفاق في حينه على صيغة ترضية من خلال رئاسة مشتركة بين بافل، نجل الطالباني الأكبر، والرجل الأمني الأقوى في المدينة لاهور شيخ جنكي، وهو أيضاً ابن شقيق جلال الطالباني. لكن الخلافات تواصلت على النفوذ، وسط اتهامات بوجود بصمات لأربيل في محاولات إضعاف شيخ جنكي ودعم بافل الطالباني، ما تسبب باتساع رقعة الخلافات.


كادت الحرب أن تشتعل في السليمانية يوم الخميس الماضي

وفي ساعة متأخرة من مساء الخميس الماضي، بلغ الخلاف ذروته بين الطرفين، وكاد يفضي إلى مواجهة مسلحة واسعة، وفقاً لوسائل إعلام كردية، مع الإعلان عن أوامر بإجراء تغييرات في هرم القيادات الأمنية بمحافظة السليمانية وحلبجة، فضلاً عن مفاصل إدارية أخرى من قبل بافل الطالباني وبدعم من رئيس الإقليم نيجرفان البارزاني. وطاولت التغييرات رئيس مؤسسة المعلومات (وهي مؤسسة أمنية رسمية في الإقليم)، محمد تحسين الطالباني، وكذلك مستشار رئيس المؤسسة، رنج شيخ علي، إضافة إلى قيادات أخرى. وجرى تسمية شخصيات أخرى مقرّبة من بافل الطالباني، وكذلك من أربيل، في خطوة اعتُبرت أنها بمثابة انقلاب أبيض على لاهور شيخ جنكي ومحاولة إضعافه. وتمّ توقيف آخرين محسوبين عليه قبل إطلاق سراحهم، نتيجة تدخل عدد من القيادات السياسية في السليمانية، بينها "حركة التغيير"، التي تمثل جبهة المعارضة الأبرز في إقليم كردستان.

بعد هذه التطورات، شهدت السليمانية انتشاراً موسعاً لوحدات مسلحة تابعة للشيخ جنكي تبادلت إطلاق النار مع قوات من "الأسايش" وسط المدينة، قبل أن يتم احتواء الموقف بتدخل عاجل من الرئيس العراقي، الموجود في السليمانية في الفترة الحالية لتهدئة الموقف. وعلى الرغم من ذلك، نجح بافل الطالباني في الإبقاء على المسؤولين الموالين له بالمناصب الأمنية، إذ تسلم وهاب حلبجي قيادة مؤسسة مكافحة الإرهاب، وأجي أمين رئيساً لمؤسسة المعلومات، بدءاً من أول من أمس الأحد. ولن تقتصر التغييرات على المناصب الأمنية، إذ تكشف مصادر سياسية من السليمانية، أن تغييرات ستطرأ على مناصب كثيرة في المدينة، ومنها مطار السليمانية، الذي يخضع لنفوذ لاهور شيخ جنكي أيضاً. وتجري عملية الاستبدال هذه في سبيل ما تصفه الدوائر المقرّبة من عائلة الطالباني بأنها "من أجل تحقيق الإصلاح"، لكن أحد الأعضاء البارزين في "الاتحاد الوطني الكردستاني"، يشير إلى أن "الحراك السياسي الصعب والمتوتر في مدينة السليمانية، يأتي في ظل الاستعداد للانتخابات البرلمانية (الانتخابات العراقية المقررة في 10 أكتوبر المقبل) التي يستعد لها بافل الطالباني، من أجل تحقيق جناحه الحزبي مكاسب انتخابية أكثر من جناح شيخ جنكي".

ويضيف العضو في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "معظم قادة حزب الاتحاد، يدعمون توجهات بافل الطالباني، لكن المقرّبين من الإدارة الأميركية يدفعون باتجاه تصدير شيخ جنكي كرئيس أوحد للحزب، على اعتبار أن بافل مقرّب من المعسكر الإيراني، وبالتالي فإن حزب الاتحاد بات ساحة لتصفية حسابات إيرانية أميركية".

ووفقاً للمصدر نفسه، فإن الأيام المقبلة قد تشهد الكشف عن كثير من الملفات المتعلقة بالفساد والانتهاكات داخل السليمانية ومن أعطى أوامر فتح النار على المتظاهرين العام الماضي، والتسبب بوفاة وجرح العديد منهم في بلدات حلبجة وسيد صادق ورانيا. غير أن أخطر الملفات، تلك المتعلقة بتهريب النفط إلى خارج العراق، وكذلك العلاقة الجيدة بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" وحزب "العمال الكردستاني"، عكس العلاقة السيئة والمتوترة بين الأخير والحزب "الديمقراطي الكردستاني". ويلفت المصدر إلى أن الرئيس العراقي برهم صالح تحرك إلى جانب عقيلة الرئيس الراحل جلال الطالباني، القيادية في "الاتحاد الوطني الكردستاني"، هيرو إبراهيم خان، من أجل التهدئة التي "تحققت بالوقت الحالي لكنها غير مضمونة الاستمرار".

في المقابل، تكشف مصادر أخرى لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب الديمقراطي الذي يقوده مسعود البارزاني، يقود دوراً خفياً في الأزمة الحالية بدعم بافل الطالباني والعمل على إضعاف لاهور شيخ جنكي، لأسباب تتعلق بموقف الأخير من اجتياح القوات العراقية لمدينة كركوك عام 2017 ودوره في ما بات يُعرف داخل الإقليم، بالتخاذل في الدفاع عن مدينة كركوك".


الأميركيون يدعمون شيخ جنكي والإيرانيون يؤيدون بافل الطالباني

لكن للقيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني" غياث سورجي، رأياً آخر، بقوله لـ"العربي الجديد"، إن "هناك حاجة كبيرة من أجل منع الاستغلال السياسي للقوات الأمنية في الإقليم، تحديداً أجهزة الشرطة والأسايش (الأمن) والبشمركة، لأن الحكومة في الإقليم لا تملك أي سيطرة على هذه القوات التي تخضع لتوجهات الأحزاب". وبشأن الأحداث الأخيرة في السليمانية، يشير سورجي إلى أن "معظم المدراء، في بعض الأقسام الأمنية والمدنية، لم يتغيروا منذ 10 سنوات، بسبب توقف المؤتمرات الخاصة بحزب الاتحاد الذي يقرر التغييرات، لكن المؤتمر الرابع للحزب الذي عقد العام الماضي أشار إلى ضرورة إجراء تغييرات إصلاحية. وحين أراد الحزب إجراء التغييرات حصل اختلاف رؤى، لكن أعداء الحزب والمنافسين له في الإقليم، عمدوا إلى تضخيم وتهويل الحدث في السليمانية".

بدوره، يرى الباحث علي ناجي، أن "التغييرات بالمناصب تأتي ضمن الصراعات الداخلية للاتحاد، الذي ما زال بغير رئيس أو قيادة موحدة لقيادة الحزب، خصوصاً أنه يعاني من عدة مشاكل حزبية وجماهيرية مثل أزمة كركوك وغيرها. وستكون تداعيات التغييرات، إعطاء قوة لأبناء جلال الطالباني على حساب ابن عمهم لاهور شيخ جنكي، وبالتالي سيتم تحجيم دور لاهور وجناحه بالاتحاد الذين لديهم خصوم مع حزب البارزاني". ويوضح في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الجناح الأقوى حالياً هو جناح بافل طالباني وأخيه قوباد، القريبين من حزب البارزاني، مما سيوحد صفوف الحزبين سواء على مستوى الداخلي في إقليم كردستان أو خارجها، مثل المناطق المتنازع عليها مع بغداد".

في السياق ذاته، نشرت مواقع كردية بينها موقع "زيان" الإخباري الناطق باللغة الكردية، والمحسوب على لاهور شيخ جنكي، خبراً شرح أسباب الخلاف، معتبراً إياه أنه "كان بسبب قرار بإجراء تغيير في المناصب من دون الرجوع الى قيادة المكتب السياسي للاتحاد الوطني". واتهم الموقع كل من بافل الطالباني وشقيقه قوباد بالوقوف خلف هذا التحرك. وأشار الموقع إلى أن القرار تسبب بتوتر الوضع، خصوصاً بعد محاولة تنفيذ قرارات تغيير قادة ومدراء المناصب عبر استخدام القوة وتحريك القوات للسيطرة على مؤسسة المعلومات، وهي "أكثر الأجهزة الأمنية حساسة للاتحاد الوطني الكردستاني ووضع رئيس المؤسسة ومستشاريها قيد الحجز لمدة 24 ساعة".