يكبر الصدام بين زعيم "حركة الإنصاف" رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، وحكومة شهباز شريف، وصولاً إلى حد بحث السلطات حظر حزب خان الذي يحظى بشعبية كبيرة يراهن عليها في الانتخابات المقبلة.
غير أن خلفية هذا الصراع تتخطى الخلاف بين الحكومة والمعارضة، إذ يبرز دور المؤسسة العسكرية في قيادة الحملة ضد رئيس "حركة الإنصاف"، خصوصاً أن الأخير لم يتوان عن مواجهة هذه المؤسسة علناً.
محاولة تقويض نفوذ المؤسسة العسكرية
عندما كان خان رئيساً للحكومة (بين 2018 و2022) قبل أن يسحب البرلمان الثقة منه في إبريل/ نيسان من عام 2022، حاول بشكل دائم تقويض نفوذ المؤسسة العسكرية والحد من صلاحيات القيادة العسكرية، لا سيما في ما يتعلق بميزانية تلك المؤسسة، ودورها في السياسة الخارجية، وتحديداً علاقات باكستان مع الولايات المتحدة ودول المنطقة، وهو ما أثار غضب الجيش وأدى إلى الإطاحة بحكومته.
حينها كانت لدى خان فرصة جيدة لإعادة النظر في سياسته إزاء المؤسسة العسكرية، لكن لم يفعل ذلك، واستمر في نبرته الحادة وانتقاداته اللاذعة لقيادة هذه المؤسسة، ما زاد الأمور تعقيداً.
كما أن تعيين أحد أهم المعارضين لخان داخل المؤسسة العسكرية، وهو الجنرال عاصم منير الذي بات قائد القوات المسلحة، صعّب الأمور أكثر في وجه خان.
ولا يبدو أن خان كان يتوقع أن تصل المواجهة مع المؤسسة العسكرية إلى وضعها الحالي، ولعل شعبيته الواسعة كانت رصيداً دفع خان لمواجهة المؤسسة والاستخبارات بشكل علني، وهذا ما لم يفعله أي حزب في تاريخ باكستان، إلا أنه بات في وضع معقد للغاية، برفع عشرات القضايا ضده في المحاكم، وتوقيفه لأيام بين 9 و11 مايو/ أيار الحالي، وهو ما أثار رد فعل غاضباً من أنصاره، ودفعهم للخروج في تظاهرات، يومي التاسع والعاشر من الشهر الحالي تخللها أعمال الشغب، أدت إلى مقتل 25 شخصاً وإصابة المئات.
هذه القضية باتت مدخلاً للمؤسسة العسكرية لزيادة الضغوط على خان وحزبه، عبر الإصرار على ملاحقة الضالعين في استهداف مقرات الجيش يوم 9 و10 مايو، في المحاكم العسكرية، وهو ما أيده البرلمان الباكستاني باعتماد قرار في هذا السياق في 18 مايو الحالي.
وقال وزير الدفاع خواجه آصف، في خطاب له أمام البرلمان في 18 مايو، إن الضالعين في أعمال الشغب في التاسع من الشهر الحالي "أساؤوا إلى دماء شهداء الجيش والمؤسسة العسكرية الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الدفاع عن الوطن وسيادته، ومن أساؤوا إليهم ودمروا تماثيلهم واستهدفوا مقرات الجيش لن يُغفر لهم، ولا بد من ملاحقتهم في المحاكم العسكرية والتعامل معهم كإرهابيين".
تبحث الحكومة الباكستانية راهناً حظر "حركة الإنصاف" التابعة لخان
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل إن الحكومة تبحث راهناً حظر "حركة الإنصاف" كما قال وزير الدفاع للصحافيين أمس الأربعاء، معتبراً أن هذا الحزب هاجم "أساس الدولة بذاته" وهو أمر لا يمكن التسامح معه، مشيراً إلى مهاجمة أنصار خان يوم 9 و10 الحالي منشآت عسكرية، بما في ذلك مقرات للجيش ومبانٍ حكومية. وأضاف أنه سيتعين على البرلمان منح الموافقة النهائية على قرار الحكومة بحظر الحزب.
خان يتهم الجيش باستهدافه
ولم يتوان عمران خان عن توجيه اتهامات للجيش باستهدافه، وقال في حديث مع الصحافيين في 21 مايو الحالي، إن التحالف الحاكم في البلاد يتواطأ مع المؤسسة العسكرية من أجل إبعاده عن السياسة، مشيراً إلى أن أعمال الشغب يومي التاسع والعاشر من الشهر الحالي، كانت مؤامرة كبيرة ضد حزبه.
وشدد على أنه منذ اليوم الأول كان يدعو إلى احتجاجات وتظاهرات سلمية وأن مناصريه خرجوا مسالمين، غير أن مجموعة مغرضة كانت تحرّض المحتجين على الهجوم على المقرات العسكرية والمنشآت الحكومية، داعياً إلى تحقيقات نزيهة في القضية.
وسبق أن أكد خان جهاراً أن "الاستخبارات الباكستانية وراء تلك المؤامرة"، وأنها كانت قد خططت لإيقاع أنصاره في هذا الفخ، موضحاً أن قيادات حزبه كانت تمنع المحتجين من الدخول إلى الأماكن الحساسة كمراكز الاستخبارات ومقرات الجيش، غير أن تلك المجموعات كانت تحرضهم على ذلك وتستغل مشاعر المحتجين، وجلهم من فئة الشباب.
وعلى الرغم من هجومه على المؤسسة العسكرية، أعلن خان أنه مستعد للتفاوض معها ومع الحكومة، لكن الجانب الثاني غير مستعد لذلك، مشدداً على أن هناك تواطؤاً بين التحالف الحاكم والمؤسسة العسكرية من أجل إبعاده عن السياسة. وأضاف أن الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى أن حزبه يشمل جميع العرقيات والأقاليم الباكستانية، وأن 70 في المائة من الباكستانيين يدعمونه، بينما الـ30 في المائة الآخرين موزعون بين أحزاب دينية وسياسية.
على الرغم من هجومه على المؤسسة العسكرية، أعلن خان أنه مستعد للتفاوض معها ومع الحكومة
ويرى مراقبون أن المؤسسة العسكرية هي التي تتحكم بالأوضاع في البلاد، وهي ترفض التفاوض مع خان في الفترة الحالية، وبالتالي يواجه الأخير مأزقاً كبيراً في مساره السياسي على الرغم من شعبيته الكبيرة في الشارع الباكستاني.
لكن آخرين يشيرون إلى أن الأجواء تغيرت عن السابق، فالفجوة بين تكبر بين الشعب والمؤسسة العسكرية، كما أن هذه المؤسسة تواجه تحديات أمنية كبيرة، لا سيما مع ازدياد الهجمات من قبل مسلحين بشكل متواصل. يضاف إلى ذلك وضع البلاد المعيشي الهش، إذ انخفضت قيمة الروبية الباكستانية إلى 306 مقابل الدولار، وهي عوامل قد تجعل المواطن الباكستاني يرفع صوته حتى ولو كان ضد المؤسسة العسكرية.
وعن ذلك، قال المحلل السياسي الباكستاني محمد مسعود خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن من راقب مجريات الأحداث، لا سيما ما حصل من أعمال الشغب يومي 9 و10 مايو، يعرف أنه كان هناك تخطيط لها من قِبل الحكومة، موضحاً أنه عندما وصل المحتجون إلى منزل رئيس الفيلق في مدينة لاهور وأحرقوه ودمروا محتوياته، كانت المسافة بين مكان التظاهر والمنزل ثلاثة كيلومترات، وعلى امتداد تلك الطريق لم يكن هناك أي حاجز أمني ولا رجال شرطة، بينما كان التأهب الأمني معلناً في ذلك الوقت.
ولفت إلى أن التسجيلات المصورة تُظهر أن هناك أشخاصاً مجهولين كانوا يحرّضون المحتجين على إضرام النار وتدمير المحتويات داخل المكاتب، في حين أن قيادات حزب خان طالبوهم بالامتناع عن ذلك.
وأعطى مثالاً على ذلك كيف أن القيادية في الحزب ياسمين راشد كانت واقفة أمام منزل قائد الفيلق في مدينة لاهور وتصرخ "نحن سلميون لن ندخل المنزل، نريد الاحتجاج السلمي"، لكن هناك أشخاصاً مجهولين كانوا يحرضون المحتجين على الدخول إلى المنزل وتدمير ما بداخله. وانتقد تعامل الشرطة مع ياسمين راشد "السيدة العجوز التي تعاني من مرض السرطان، فالحكومة تعتقلها مرة تلو أخرى، وكلما تأمر المحكمة بالإفراج عنها تتعرض للاعتقال مرة أخرى".
وأكد محمد خان أنه "مع وجود الكثير من الأسئلة والغموض الذي يحيط بتلك الأحداث، بات واضحاً جداً أن هناك كان تآمراً ضد خان وحزبه، وهو يمر حالياً بمرحلة حساسة وصعبة للغاية". لكنه أضاف أن "قيادة الحركة فشلت أيضاً في إدارة الأحداث ذلك اليوم، إذ لم تستطع ضبط مناصريها، ولم تكن منتبهة إلى القضية أصلاً، لذا هي كانت الضحية، فمعظم قيادات الحركة باتوا الآن في السجون".
محمد خان: قيادة حركة "الإنصاف" فشلت في إدارة الأحداث يوم 9 مايو، إذ لم تستطع ضبط مناصريها
وعن التوجّه لمحاكمة المسؤولين عن أعمال الشغب أمام المحاكم العسكرية، قال محمد خان إن "ما حدث في البلاد من أعمال شغب أمر سيئ، لا سيما أنه حصد أرواح المواطنين، لكن هذا لا يجب أن يكون ذريعة لمحاكمتهم أمام المحاكم العسكرية، لأن المحاكم المدنية تعمل في البلاد بشكل سلس، وما حدث موضوع سياسي".
واعتبر أن "هناك تآمراً ضد حزب عمران خان"، قائلاً إن حكومة إقليم خيبربختونخوا في شمال غرب باكستان أكدت بنفسها أن 200 موظف حكومي ضالعين في تلك الأعمال، بالتالي لا مبرر لمحاكمة هؤلاء في المحاكم العسكرية. ورأى أن المؤسسة العسكرية غاضبة من خان، بالتالي هي تريد الانتقام منه، وترى الفرصة جيدة لقمع هذا الحزب وللنيل منه، خصوصاً أنها تخشى أن خان سيفوز مرة أخرى إذا ما هي ذهبت نحو الانتخابات.
ولفت المحلل السياسي إلى أن "المؤسسة العسكرية على مر التاريخ تلعب على كل الأحزاب السياسية، كما أن عدداً من الحكومات التي كانت تحت قيادة أحزاب في التحالف الحاكم أزيحت بصورة مباشرة أو غير مباشرة من قبل العسكر، ولكن تلك الأحزاب ما تزال تقع في الفخ نفسه". وأشار إلى أنه "قبل سحب الثقة من حكومة عمران خان، كان العشرات من قادة التحالف الحاكم يواجهون ملفات الفساد، بينهم رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، لكن بمجرد أن تصالح مع المؤسسة العسكرية وانقلبت الأخيرة على خان، أُغلقت كل تلك الملفات، وبدأ خان وأنصاره يواجهون ملفات أشد من تلك الملفات، وباتوا يحاكمون في المحاكم العسكرية".
من جهته، أبدى القيادي في الجماعة الإسلامية النائب عبد الأكبر شترالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، معارضته الشديدة للمثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية، مضيفاً "لدينا محاكم مدنية لماذا لا نستخدمها في مقاضاة هؤلاء، ما النقص فيها؟".
ورأى شترالي أن "الحكومة تسير في مسار غير صحيح، فهي تؤيد إحالة قضايا أنصار وقياديي حزب خان إلى المحاكم العسكرية، ومن الممكن بعد فترة أن تحال قضايا أركان الحكومة أيضاً إلى المحاكم نفسها، وبالتالي هم سيأسفون على ما يفعلون، لأن المحاكم العسكرية إذا اعتُمدت ستكون لجميع السياسيين وليس لحزب من دون آخر". وشدد على ضرورة مقاضاة ومعاقبة كل من ساهم في أعمال الشغب، ولكن هذا لا يعني إحالة القضايا إلى المحاكم العسكرية.
أما الإعلامي والمحلل السياسي عبد الرحمن تركي فقال لـ"العربي الجديد" إن قيام الجيش بنصب المحاكم العسكرية وإحالة قضايا أنصار خان إليها ليس بأمر غريب، ولكن الغريب هو تأييد الحكومة المدنية لذلك، وهي تدرك جيداً أن الجيش نفسه قد أزاح زعيم الحزب الحاكم نواز شريف من الحكم وانقلب عليه، وسينقلب عليه في المستقبل أيضاً. وأضاف تركي أن الخشية أن تلك المحاكم سوف تستهدف كل الشرائح من سياسيين وقضاة وإعلاميين وكل من يقف في وجه المؤسسة العسكرية، وتلك ظاهرة خطيرة.