في خضم الغموض الذي لا يزال يلف مصير مخرجات لجنة 6+6 المشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين لإعداد القوانين الانتخابية، برزت مواقف جديدة تلمح لظهور طور جديد من أطوار الصراع المكتوم بين القادة الليبيين حول البقاء في السلطة، وإن ظهرت في شكل خلافات حول طريقة إجراء الانتخابات التي من المفترض أن تجدد الشرعية وتفرز طبقة سياسية جديدة.
وأكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، أمس السبت، ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية في المرحلة الحالية، معتبراً أنها "هي الخطوة" التي ستؤدي إلى الانتخابات الرئاسية.
كلام الدبيبة جاء أثناء كلمة له خلال انعقاد أول جلسة لبرلمان الشباب الليبي، الذي شكله الدبيبة منتصف العام الماضي، وأشار إلى أن "الانسداد السياسي الذي نعيشه اليوم هو نتيجة عدم الوعي بالتداول السلمي على السلطة والفصل ما بين السلطات"، مضيفاً "قررنا إنشاء برلمان سياسي ليبي ليكون برلمان المستقبل الواعد أثناء الانتخابات المقبلة".
تصريحات الدبيبة جاءت بعد ترحيب اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بيان لقيادته، أول أمس الجمعة، بمخرجات لجنة 6+6 واعتبرها "خطوة مهمة"، داعياً مجلسي النواب والدولة للإسراع في تشكيل "حكومة جديدة موحدة" لإنهاء حالة الانقسام السياسي.
ومن المنتظر أن يقدم رئيس البعثة الأممية، عبد الله باتيلي، غداً الاثنين، إحاطة أمام أعضاء مجلس الأمن بشأن مستجدات أعمال البعثة في ليبيا، وهي الإحاطة الأولى بعد إعلانه، منتصف إبريل/نيسان الماضي، عزمه تشكيل لجنة رفيعة المستوى تمثل كل الطيف السياسي والاجتماعي الليبي للتوافق على الأطر القانونية والدستورية للانتخابات لإجرائها خلال العام الجاري.
وقبل صدور بيان قيادة حفتر، استقبل الأخير في مكتبه العسكري، الأربعاء الماضي، رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، وتسعين عضواً من مجلس النواب، بعد أن تصاعد الخلاف بين مجلسي النواب والدولة بشأن مخرجات لجنة 6+6.
وبالتزامن مع بيان حفتر المطالب بتشكيل حكومة جديدة، التقى رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، عدداً من قادة التشكيلات المسلحة من غرب البلاد، لعرض ما توصلت إليه لجنة 6+6، وفقاً للمكتب الإعلامي الذي نقل عن قادة التشكيلات ترحيبهم بما يقوم به المشري من جهود "لإتمام وضع القوانين الانتخابية، وإجراء الاستحقاق الانتخابي في أقرب وقت ممكن بما يضمن استقرار البلاد وأمنها".
وقال الناشط السياسي أشرف النيهوم لـ"العربي الجديد"، إن بيان حفتر المطالب بتشكيل حكومة جديدة هو "إعلان عن الانضمام لحملة صالح والمشري التي تصوب نظرها نحو تشكيل حكومة جديدة، وإقصاء حكومة الدبيبة"، معتبراً أن تحالف حفتر والمشري وصالح يسعى لنقل الخلافات حول القوانين الانتخابية في المادة 85 إلى المشهد، بهدف الإكثار من العراقيل أمام إجراء الانتخابات، وتنص المادة 85 من القوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة 6+6 على أن "تجري الانتخابات العامة في ظل حكومة جديدة تضمن نزاهة العملية الانتخابية، ولا يحق لرئيسها وأعضائها الترشح للانتخابات الرئاسية".
وتصدر تغيير الحكومة قائمة الأولويات في أجندات صالح والمشري، لكنهما لم يتمكنا من تحقيق أي تقدم، ولذا يرى النيهوم أنهما يسعيان الآن لأن يكون تغيير الحكومة من بوابة القوانين الانتخابية، وقال: "تضمين تغيير الحكومة في القوانين يعني رسالة غير مباشرة مفادها بأن الانتخابات لن تجري إلا بتغيير الحكومة"، مضيفاً "أما حفتر فتحالفه مع المجلسين مناورة سياسية فقط، فالهوة كبيرة بينه وبين المشري، وعلاقته بصالح يشوبها التوتر الدائم".
وتابع "لقد سبق وفشلت صفقة تمكين فتحي باشاغا لإزاحة الدبيبة، بسبب المسلحين الذين يقفون إلى جانبه، وعليه لن يستطيع أحد فرض أي حكومة جديدة دون موافقتهم، وهو الهدف الحقيقي للقاء المشري بقادة التشكيلات المسلحة مؤخراً، إما لحشد موافقة المسلحين، أو لإحداث انقسام في معسكر غرب البلاد، وسحب البساط جزئياً من تحت أقدام الدبيبة".
وحول المصالح والأهداف التي يحققها تشكيل حكومة جديدة بالنسبة لخصوم الدبيبة، يرى النيهوم أن "أي طرح جديد، أو أي فرز جديد في المشهد السياسي سيسمح للاعبين بتحويره ليتحول إلى عامل عرقلة جديد لإجراء الانتخابات، خصوصاً إذا كانت الحكومة الجديدة في قبضتهم، وتسير وفق مصالحهم للبقاء في المشهد، وحتى إصرار الدبيبة على رفض حكومة جديدة هو الآخر يحقق لهم مصالحهم من خلال استمرار الصراعات السياسية".
ويلفت أنور إسماعيل، عضو حراك الشباب للتغيير (حراك مدني)، في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن تصريحات الدبيبة بشأن إجراء انتخابات برلمانية تفضي لانتخابات رئاسية جاء بعد بيان قيادة حفتر، ما يعني أنه "رد ضمني لرفض مخرجات لجنة 6+6، خصوصاً أنه لم يصدر عن الحكومة أي موقف رسمي بالترحيب بإعلان بوزنيقة".
وقال إن كلمة الدبيبة "في برلمان الشباب هي رسالة مفادها أنه لا يزال يحتفظ بآليات تمكنه من حشد حليف جديد، ويمكنه تقوية أجسام جديدة كبرلمان الشباب، مثلاً، ومن الممكن الدفع به للمشهد، خصوصاً أن مطلب إجراء انتخابات برلمانية دون الرئاسية بدا مستساغاً بشكل كبير، كطريق لإقصاء كل من يطمحون للبقاء".
وأضاف أن "الدبيبة يسعى أيضاً للبقاء ولا يريد انتخابات، لكن اللافت والمستغرب هو الصمت الدولي والإقليمي حيال ما يجري من صراعات أفرزها الجدل حول قوانين لجنة 6+6"، مشيراً إلى أنه "من المفترض أن يترتب على ما حدث موقف لبعثة الأمم المتحدة والعواصم الغربية، لكن لم يحدث شيء حتى الآن".
ويرجح إسماعيل سبب ذلك بأن "عواصم أوروبية وواشنطن لن تتخلى عن الدبيبة إلا ببديل قوي، فالدبيبة حتى الآن أثبت أنه يلبي لهم مصالحهم"، موضحاً أن إحاطة باتيلي يوم غد لن تزيد عن حد الدعوة لتوسيع دائرة المشاورات حول القوانين الانتخابية.
وقال: "لن يكون هناك جديد في الفترة القريبة بالنسبة للأمم المتحدة والعواصم ذات المصلحة في الملف الليبي إلا بعد أن تهدأ مواقف خصوم الدبيبة، وتفرز الأحداث المتسارعة متغيرات جديدة تنقل المواقف الليبية إلى اتجاهات أخرى أقل حدة".