استمع إلى الملخص
- جيش الاحتلال الإسرائيلي أجرى تدريبات مكثفة وكثف الإجراءات الأمنية استعداداً لاحتمال توسيع نطاق الحرب، رغم فشل اعتراض بعض الهجمات مما أدى لاندلاع حرائق وأضرار بالممتلكات.
- تبرز مخاوف من تصاعد النزاع إلى حرب شاملة قد تؤدي إلى دمار وخسائر فادحة، مع ضغوط جماهيرية وإعلامية على الحكومة الإسرائيلية للرد بقوة، ما يضع المنطقة على شفا تصعيد خطير.
انتشرت الحرائق في اليومين الأخيرين على نطاق واسع بالجولان المحتل
يسكن في نهاريا نحو 66 ألف شخص هرعوا مؤخراً أكثر من مرة للملاجئ
يستمرّ إسرائيلياً التخبط بشأن توسيع الحرب مع حزب الله من عدمه
لم يمرّ يوم من الأيام الثلاثة الأخيرة دون سماع دوي صفارات الإنذار أو أصوات الانفجارات في منطقتي عكا ونهاريا، شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما قد يشير إلى تحوّل ما في الحرب في جنوب لبنان الدائرة بين حزب الله اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، واتساع رقعتها، أو على أقل تقدير تسارع وتيرتها وتنوع أهدافها أكثر.
فعلى الرغم من أن هذه المناطق استُهدفت في السابق بصواريخ ومسيّرات أطلقت من الأراضي اللبنانية، لكن الأمر كان نادراً وليس بوتيرة متسارعة كهذه، فيما انتشرت أيضاً الحرائق في اليومين الأخيرين على نطاق واسع في الجولان السوري المحتل ومناطق في الجليل، والتهمت مساحات واسعة. وتزامن كل ذلك مع مواصلة جيش الاحتلال وسلاحه الجوي على وجه الخصوص قصفه العنيف مواقع عدة في لبنان. لكن بالتركيز على منطقتي عكا ونهاريا، تتضح بعض الفروق مقارنة بنحو ثمانية أشهر مضت من الحرب في جنوب لبنان، فقد شهدت المدينتان هدوءاً كبيراً على مر الفترة الماضية مقارنة بمستوطنات إسرائيلية ومناطق أخرى في الجليل.
وفي الأشهر الخمسة الأخيرة، ما بين نوفمبر/تشرين الثاني وإبريل/نيسان الماضي، لم تشهد نهاريا صفارات إنذار، بحسب معطيات إسرائيلية، أما في عكا، فلم تُسمع صفارات الإنذار منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول وحتى نهاية إبريل، لكن هذا الحال تغيّر في الأيام الأخيرة. ويسكن في نهاريا نحو 66 ألف شخص، هرعوا في الأيام الأخيرة أكثر من مرة إلى الملاجئ، وثلاث مرات يوم أمس وحده، في أعقاب سلسلة من صفارات الإنذار، قبل أن يعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في ساعات المساء عن سقوط مُسيّرة في المدينة، لأول مرة منذ بداية الحرب الحالية.
واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بعدة محاولات فاشلة لاعتراض المُسيّرة، كما اعترف بأن الحرائق في نهاريا اندلعت على أثر سقوط المُسيّرة وليس جراء شظايا الصواريخ الاعتراضية. وليس بعيداً في مدينة عكا التي تضم نحو 52 ألف مواطن والتي تقع جنوبي نهاريا، سُمعت يوم أمس أيضاً صفارات الإنذار ثلاث مرات، كما تم اعتراض مسيّرات في سماء المدينة. ويعني هذا عملياً دخول المدينتين لمدى إطلاق النار من قبل حزب الله على نحو أوسع من السابق.
كما أطلق الحزب، يوم أمس، صواريخ باتجاه مستوطنة كتسرين، في الجولان المحتل، ما أدى إلى اشتعال الحرائق هناك أيضاً. وعملت فرق الإطفاء لساعات طويلة أمس مستعينة بطائرات للسيطرة على النيران، وهو ما قد يشير إلى حجم رقعتها وسرعة انتشارها. كما طاولت ألسنة اللهب مستوطنة كريان شمونة ومحيطها أيضاً، وهي واحدة من أكثر المستوطنات تضرراً منذ بداية الحرب.
ويجمع بين هذه المناطق الثلاث أن سكانها لا يزالون فيها ولم يخلوها على غرار ما حدث في العديد من المستوطنات والبلدات القريبة من الحدود مع لبنان. وبلغة الأرقام، أشار معهد علما، الذي يُعنى بالتحديات الأمنية في المنطقة الشمالية، إلى ارتفاع ملموس بهجمات "حزب الله" على عدة مناطق في الشمال. وبحسب معطيات المعهد، فإن شهر مايو/ أيار الماضي شهد أكبر عدد من الهجمات ضد أهداف إسرائيلية مع 325 هجوماً، وبمعدل عشر هجمات يومياً، مقارنة بشهر إبريل الذي سبقه، مع 238 هجوماً بمعدل 7.8 هجمات في اليوم.
من جهة أخرى، نقلت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، اليوم الاثنين، عن جيش الاحتلال الإسرائيلي ادعاءه بأن هذه المعطيات غير معروفة له، وأن شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي شهد أكبر عدد من إطلاق الصواريخ والمسيّرات نحو أهداف إسرائيلية من قبل حزب الله. وبحسب المعطيات التي نشرتها الصحيفة نقلاً عن معهد علما، فإن شهر مايو شهد ارتفاعاً ملموساً باستخدام حزب الله الصواريخ المضادة للدروع والمسيّرات، من 50 عملية إطلاق صواريخ مضادة للدروع خلال شهر إبريل، إلى 95 في مايو، ومن 42 عملية اختراق مسيّرات في إبريل إلى 85 حالة في مايو.
وتتسع دائرة الأهداف التي يهاجمها جيش الاحتلال ويردّ حزب الله عليها، في ظل فشل مساعي التسوية حتى الآن، وتمسك حزب الله بربط الهدوء على جبهة جنوب لبنان بالهدوء في غزة.
تدريبات متواصلة وتوتر داخلي متصاعد
ويستمرّ إسرائيلياً التخبط بشأن توسيع الحرب مع حزب الله أم لا، فيما تتواصل تدريبات جيش الاحتلال لحرب في لبنان، كانت آخرها أمس الأحد، حيث أجرت عدة وحدات في الجيش الإسرائيلي تدريبات في الآونة الأخيرة على القتال في لبنان. وتعتقد أوساط واسعة في الجيش أن مبادرة إسرائيلية عسكرية ضد حزب الله من شأنها تغيير الوضع، ولكن المستوى السياسي لم يتخذ قراره بعد.
ويزيد هذا الحال التوتر بين المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، خاصة مع ازدياد كثافة إطلاق النيران من جهة الأراضي اللبنانية. وأفاد موقع واينت العبري، أمس، بوقوع مشادات كلامية حادّة بين قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال الجنرال أوري غوردين ورئيس بلدية كريات شمونة أفيحاي شتيرن، وذلك خلال استعراض غوردين لما سماها إنجازات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان. وغادر شتيرن الجلسة غاضباً.
ويطالب رؤساء المستوطنات والسلطات المحلية في المنطقة الشمالية بحلول جذرية للوضع، خاصة أن عشرات آلاف النازحين الإسرائيليين لا يزالون خارج منازلهم ومناطقهم منذ بداية الحرب الحالية.
فقدان السيطرة
وفي صحيفة هآرتس، كتب المحلل العسكري عاموس هرئيل، اليوم، أن عدم التقدّم في قطاع غزة ينعكس على الحدود الشمالية، في منطقة تقترب إسرائيل من فقدان السيطرة فيها. ويرى الكاتب أن حزب الله يتكبّد خسائر فادحة، ويقوم رداً على ذلك بشن هجمات على البلدات الشمالية الإسرائيلية، ويعمّق هذه الهجمات داخل المناطق الإسرائيلية، كما أن الضغط الجماهيري على الحكومة من أجل القيام بعملية عسكرية واسعة ضد حزب الله في تصاعد، محذراً من أن حرباً على الجبهة اللبنانية ستكون لها إسقاطات خطيرة.
ويضيف أن الولايات المتحدة تعوّل على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، كنقطة انطلاق لاتصالات مكثّفة تؤدي أيضاً إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، لكن رقعة النار تتسع حالياً في الشمال. وتسببت هجمات حزب الله حتى اليوم بأضرار كبيرة في مواقع عسكرية إسرائيلية وكذلك في مستوطنات على طول الحدود مع لبنان، بسبب إطلاق الصواريخ والطائرات والمسيرات.
ويرى الكاتب أن هذا يؤثر على الوعي الإسرائيلي أيضاً، حيث يرى الكثير من الإسرائيليين أن الدولة تخلّت عن الحدود الشمالية وتركتها لحزب الله. ولم يعد الأمر يقتصر على إخلاء نحو 60 ألفاً من سكان تلك المناطق برأيه، ولكن المنظمة اللبنانية تواصل إطلاق النار، حيث سُمعت في الأيام الأخيرة على نحو ثابت صفارات إنذار في منطقة عكا، والجليل الأعلى، والجليل الغربي، وهضبة الجولان، وحتى الآن "لا يبدو أن شيئاً مما يفعله الجيش الإسرائيلي قادر على ردع حزب الله".
ويلفت المحلل العسكري في "هآرتس" إلى أن جزءاً من إطلاق الصواريخ الثقيلة من قبل حزب الله يكون رداً على قيام الجيش الإسرائيلي بقتل مواطنين في جنوب لبنان، فيما يحاول الطرفان، برأيه، على وجه عام، عدم المس بالمواطنين وتركيز النيران على استهداف القوات العسكرية، لكن هذا الأمر لا ينجح دائماً، كما أن هذا الوضع لن يستمر في حال نشوب حرب شاملة، وسيكون الدمار أكبر بكثير برأيه.
في غضون ذلك، يزداد الضغط الإعلامي والجماهيري على الحكومة لفعل شيء. والتقى عدة مسؤولين إسرائيليين سكان المستوطنات الشمالية في الآونة الأخيرة، من بينهم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حيث وعد بخطة لدعم الشمال، كما ذكر في لقاء مع رؤساء السلطات المحلية في حينه أن هناك خطة إسرائيلية بشأن حزب الله ولكنه لا يستطيع الإفصاح عنها.
وعلى الرغم من هذه الضغوطات، يواجه جيش الاحتلال بدوره ضغطاً كبيراً على القوات النظامية وقوات الاحتياط، وسط حديث مستمر عن استنزاف هذه القوات بسبب استمرار أطول حرب تخوضها دولة الاحتلال منذ إقامتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتدرك إسرائيل أيضاً أن حرباً أوسع ضد حزب الله لن تكون نزهة، وستعمّق أزمتها العسكرية والاقتصادية، فضلاً عن الدمار الواسع المتوقّع، والذي سيضاف إلى الدمار الهائل أصلاً في المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان، والتي تكبّدت خسائر فادحة حتى اليوم. كما تتخوف دولة الاحتلال من أن حرباً أوسع ستطاول حتماً منطقتي حيفا الكبرى وتل أبيب الكبرى أيضاً.
في سياق متصل، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس، عن استكمال تدريب لمقر القيادات العسكرية في الشمال، والذي فحص مدى جهوزية جيش الاحتلال لحرب أوسع على جبهة لبنان.