صورة ماو تسي تونغ... الشاهد الوحيد على مذبحة تيانانمن

04 يونيو 2021
تتوسط صورة ماو الساحة في بكين (العربي الجديد)
+ الخط -

لربما تعتبر صورة الزعيم الصيني الراحل، ماو تسي تونغ، التي تتوسط ميدان تيانانمن في بكين منذ أن أعلن ماو من هذه الساحة ذاتها تأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل أكثر من سبعة عقود (أكتوبر/تشرين الأول 1949)، الشاهد الوحيد اليوم على أحداث الرابع من يونيو/حزيران 1989 الدموية، حين اتخذت السلطات الصينية قراراً بفضّ أحد أكبر التجمعات الاحتجاجية في تاريخ البلاد، بقوة السلاح والدبّابات، ما أدى إلى مقتل الآلاف من المواطنين.

شهدت فترة التظاهرات تحولاً نحو الرأسمالية في المجتمع الشيوعي الصيني، ما ضاعف الفجوة بين الفقراء والأغنياء

وكانت شرارة التظاهرات الشعبية قد انطلقت في ذلك العام، قبل أسابيع طويلة من فضّ احتجاج الساحة، اعتراضاً ورفضاً لقمع الحرّيات ومظاهر الفساد داخل الحزب الشيوعي الحاكم في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وهي الفترة التي شهدت تحولاً نحو الرأسمالية في المجتمع الشيوعي الصيني، ما ضاعف الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وأدى إلى ارتفاع معدلات البطالة. ولذلك فقد شهدت الاحتجاجات في ذلك العام، والتي قادتها نخبة من المفكرين والأكاديميين، مشاركة شرائح كبيرة من الطبقة العاملة.

في البداية، حاولت الحكومة الصينية إجراء إصلاحات شكلية لامتصاص غضب المحتجين، غير أن اتساع رقعة الاحتجاجات وتوافد عشرات الآلاف من العمّال والطلاب من مختلف المناطق الصينية إلى ميدان تيانانمن في العاصمة، حال دون التوصل إلى اتفاق، لتواصل التظاهرات قرابة سبعة أسابيع قبل فضّها. وحظيت الأحداث بتغطية مكثفة من وسائل الإعلام الأجنبية.
في الرابع من يونيو، قرّرت اللجنة المركزية العسكرية بقيادة الزعيم الصيني الراحل دينغ شياو بينغ فضّ الاحتجاجات بالقوة، ما أدى إلى جرح وقتل عشرات الآلاف من المتظاهرين، بحسب أرقام غربية، إلى جانب اعتقال مئات الناشطين. وعلى أثر ذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصين، شملت حظر بيع الأسلحة لها، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي. ومنذ ذلك الحين، لا تزال بكين تدفع أثماناً باهظة بسبب هذا الملف، الذي كان له أثر كبير على علاقاتها الدولية وصورتها في الخارج.
اليوم، وبعد مرور 32 عاماً على مذبحة تيانانمن، تمرّ ذكراها كأي يوم آخر، دون ضجيج، فلا حديث عنها بين الناس، ولا حتى داخل الغرف المغلقة، في ظلّ رقابة صارمة تفرضها السلطات الصينية على الشعب، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام المحلية التي تخضع بطبيعة الحال لسيطرة الدولة، وتعتبر لسان حال الحزب الشيوعي.  وإذا كان دخول الميدان عبر بواباته الإلكترونية متاحاً بيسر طوال أيام العام، إلا أنه يصبح مع اقتراب الذكرى مدعاة للاشتباه من قبل عناصر الأمن المنتشرين في المكان، ويصبح طلب التدقيق في الأوراق الثبوتية وطلب مغادرة المكان أمراً غير مستغرب، خصوصاً عندما تشير الأوراق إلى مهنة الصحافة.

تمر الذكرى اليوم من دون ضجيج في ظلّ رقابة صارمة تفرضها السلطات الصينية على الشعب

ففي مثل هذه الأيام قبل سنوات عدة، كانت الصحافة الأجنبية في الصين تتجمهر حول منزل دينغ زي لين في بكين، وهي أستاذة جامعية ومؤسسة حركة "أمهات ضحايا ميدان تيانانمن". فقدت دينغ زي لين ابنها الوحيد البالغ من العمر 17 عاماً، في المذبحة، وكانت صاحبة الصوت الأعلى المطالب بفتح تحقيق بتلك الأحداث من أجل الانتصار للضحايا. ولكن منذ العام 2016، لم تعد زي لين تتحدث إلى وسائل الإعلام، وقيل إن سبب ذلك ضغوط مورست عليها من قبل السلطات الصينية، بينما عزا آخرون ذلك إلى تقدمها بالسن (85 عاماً).
ومع نجاح السلطات في وأد أي إشارة لأحداث تيانانمن في البرّ الرئيسي الصيني، حيث أصبح الصمت بشأن الموضوع قاسماً مشتركاً بين الأموات والأحياء في الصين، باتت الأنظار تتجه إلى هونغ كونغ، الجزيرة التي تتمتع بهامش من الاستقلالية بموجب صيغة "دولة واحدة ونظامان". واعتاد مؤيدون للديمقراطية تنظيم احتجاجات في هذه المناسبة للتأكيد على مطالب ضحايا المذبحة، من خلال إيقاد الشموع ورفع اللافتات والشعارات المطالبة بالاستقلال والحرية. ولكن بعد مصادقة البرلمان الصيني العام الماضي على قانون الأمن القومي الخاص بهونغ كونغ، والذي يعتبر أي احتجاجات مناهضة للحكومة عملاً إرهابياً وتواطؤاً مع جهات أجنبية يستدعي المحاكمة والسجن، خفت صوت الديمقراطيين، كما تمّ اعتقال العشرات من النشطاء، ما حال دون التحضير أو تنظيم أي فعاليات ذات صلة للعام الثاني على التوالي.
وحول ذلك، وسبب إلغاء فعاليات إحياء ذكرى أحداث تيانانمن في هونغ كونغ، هذا العام، شرحت الناشطة لي سونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مكتب الأمن في المدينة أصدر بياناً حذّر فيه من التجمع في الرابع من يونيو، بحجة تفشي وباء كورونا، من دون أن يشير إلى المناسبة السياسية، على الرغم من أننا نمارس حياتنا في الجزيرة بشكل طبيعي، فالمقاهي والحدائق ودور السينما كلّها مفتوحة أمام العامة". وأضافت سونغ أن "ذلك تزامن مع انتشار عناصر الأمن في محيط حديقة فيكتوريا، المكان الذي تجمع فيه حوالي 200 ألف شخص عام 2019 لإحياء الذكرى الـ30 للمذبحة"، لافتة إلى أن الفعاليات هذا العام قد تقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، كما حدث في العام الماضي بسبب انتشار الفيروس. لكن سونغ أشارت إلى "وجود مخاوف أيضاً لدى الناشطين من الاعتقال التعسفي، في حال شاهدت السلطات أي بثّ مباشر، إذ سبق لها أن ألقت القبض على أشخاص بتهمة التجمع غير المصرح به، وهي جريمة تصل عقوبتها القصوى إلى السجن لمدة خمس سنوات بحسب القانون الصيني".

لن ينظم الناشطون في هونغ كونغ أي فعالية إحياء للذكرى للعام الثاني على التوالي بسبب القبضة الأمنية

من جهته، اعتبر الحقوقي في جزيرة هونغ كونغ، مارك لام، أن حظر الفعاليات للعام الثاني على التوالي، "ينذر بتضاؤل هامش الحرّيات في منطقة كانت حتى وقت قريب منارة للحرية والديمقراطية". وأشار لام في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن استطلاعات رأي حديثة أجراها "مركز أبحاث الرأي العام"، أظهرت تراجعاً نسبياً في موقف السكّان من أحداث الرابع من يونيو 1989، حيث أعرب 54 في المائة ممن استطلعت آراؤهم، عن اعتقادهم بأن تعامل السلطات الصينية مع المتظاهرين آنذاك كان خاطئاً، بينما وصلت هذه النسبة قبل أعوام إلى 66 في المائة. وبحسب لام، فإن ذلك يشير إلى تحول كبير في اتجاهات الرأي العام بعد تشديد بكين قبضتها الأمنية على المستعمرة البريطانية السابقة.

وقال الناشط الحقوقي من هونغ كونغ إنه يتفهم هذا التحول، في ظلّ حالة الإحباط والشعور بالعجز واليأس تحت وطأة المناخ السياسي الجديد، خصوصاً خلال العامين الماضيين. ولفت إلى أن ذكرى مذبحة تيانانمن، تلقي بظلالها هذا العام على الأوضاع الراهنة في هونغ كونغ، وأن الإجراءات الأمنية المشددة التي تزامنت مع المناسبة، "تؤكد أن بكين لن تتراجع عن سياساتها، ولن تسمح لعبير الحرية أن يمر مجدداً في رئة هونغ كونغ، حتى وأن كلفها ذلك مذبحة أخرى".

المساهمون