ضرب العمق الروسي بالأسلحة الغربية: المواجهة تزداد خطورة

07 يونيو 2024
صاروخ أوكراني ضرب العمق الروسي في بيلغورود، مايو 2024 (رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الولايات المتحدة وحلفاؤها يسمحون لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الغربية ضد روسيا، مما يثير مخاوف من مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا، بما في ذلك الصدام النووي. بوتين يؤكد أن روسيا لن تستخدم النووي إلا إذا تعرضت سيادتها للخطر.
- بوتين يهدد بتوفير أسلحة لدول ثالثة لمهاجمة أهداف غربية ويحذر الناتو من خطورة الوضع. الرئيس الأميركي جو بايدن يوضح أن الولايات المتحدة لا تسمح بضربات تستهدف موسكو أو الكرملين.
- التوقعات تشير إلى إمكانية التفاوض بين أوكرانيا وروسيا بحلول الخريف المقبل، رغم التصعيد الحالي. الخبراء يرون أن التصعيد قد يكون مقدمة للتهدئة ويؤكدون على ضرورة المفاوضات لتجنب تصاعد الضربات والتبادل النووي.

لم تمر سوى أيام على إعطاء عدد من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الضوء الأخضر لأوكرانيا من أجل ضرب العمق الروسي بالأسلحة الغربية، إلا انهال سيل من التكهنات حول وقوف العالم على عتبة المواجهة المباشرة بين موسكو وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وصولاً إلى حافة الصدام النووي، فيما خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء أول من أمس الأربعاء، في تصريحات حملت رسائل واضحة بشأن هذا الموضوع. وعلى الرغم من إقراره بضلوع الغرب في ضرب العمق الروسي وتوعده بالرد "الملائم"، إلا أن بوتين نفى في الوقت نفسه تلويح بلاده بعصا السلاح النووي، مؤكداً خلال مقابلة مع رؤساء تحرير وكالات الأنباء العالمية في مستهل افتتاح منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي أن "روسيا لن تلجأ إلى السلاح النووي إلا في حال تعرضها لأعمال تهدد سيادتها".

واستنكر في حديثه في المنتدى "تسليم الغرب أوكرانيا أسلحة بعيدة المدى"، متوعداً بـ"توفير موسكو أسلحة مماثلة لدول ثالثة بغية مهاجمة أهداف غربية"، وقال: "إذا كان أحد يعتقد أنه يمكن تقديم أسلحة مماثلة في منطقة المعارك لضرب أراضينا... لماذا لا يكون لنا الحق في إرسال أسلحتنا من الطراز نفسه إلى مناطق في العالم توجه فيها ضربات إلى منشآت حساسة تابعة للدول التي تتحرك ضد روسيا؟". كما أشار إلى أن الرد "يمكن أن يكون غير متكافئ"، ولفت إلى أن روسيا "ستفكر في الأمر". وسبق أن حث الرئيس الروسي دول حلف الأطلسي على إدراك "ما يلعبون به قبل الحديث عن ضرب العمق الروسي بالأسلحة الغربية".


بوتين: روسيا لن تلجأ إلى السلاح النووي إلا في حال تعرضها لأعمال تهدد سيادتها

كما سبق أن اعتبر المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن ضرب العمق الروسي "يدل على ضلوع الولايات المتحدة في النزاع". وقال بيسكوف في تصريحات صحافية سابقة، في 31 مايو/ أيار الماضي: "نعلم أن أسلحة أميركية الصنع تستخدم بالفعل في محاولات شن ضربات على أراض روسية. هذا يكفينا كدليل واضح على درجة ضلوع الولايات المتحدة في هذا النزاع". كما سبق لبيسكوف أن حذر من "عواقب الدعوات غير المسؤولة إلى رفع القيود عن استخدام الأسلحة الغربية من قبل كييف"، متوعداً برد موسكو، ومعرباً في الوقت نفسه عن ثقته في أن "لا أسلحة قادرة على تحويل مجرى الأحداث" في حرب أوكرانيا. ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف قوله، أمس الخميس، إن كلام بوتين "يمثّل تغييراً كبيراً في سياستنا الخارجية"، مضيفاً في لقاء مع وكالات الأنباء الدولية في سان بطرسبرغ: "دعوا الولايات المتحدة وحلفاءها يشعرون بالتأثير المباشر لاستخدام الأسلحة الروسية من قبل أطراف ثالثة".

السماح بضرب العمق الروسي

وأمس الخميس، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، في حديثٍ لشبكة أن بي سي، أنه "لا نسمح بضربات على بعد 200 ميل (نحو 321 كيلومتراً) داخل روسيا ولا بضربات على موسكو أو الكرملين"، مشدّداً على أنه "سمحنا باستخدام الأسلحة الأميركية قرب الحدود الروسية الأوكرانية لمهاجمة أهداف معينة"، في تأكيد على منحه الإذن في 30 مايو الماضي لأوكرانيا في ضرب العمق الروسي باستخدام الأسلحة الأميركية فقط من أجل حماية خاركيف. ورداً على قول بوتين إن "توريد أسلحة عالية الدقة إلى أوكرانيا لتنفيذ ضربات على الأراضي الروسية هو مشاركة مباشرة في هذه الحرب"، قال بايدن: "أعرفه منذ أكثر من 40 عاماً. لقد أقلقني لمدة 40 عاماً. إنه ليس رجلاً محترماً، بل ديكتاتور". وكان البيت الأبيض قد أصدر بياناً في 30 مايو، عقب إعلان بايدن، برّر فيه هذا التحول "لأغراض إطلاق النار المضاد في منطقة خاركيف، حتى تتمكن أوكرانيا من الرد على القوات الروسية التي تهاجمها أو تستعد لمهاجمتها"، مضيفاً أنه "لم تتغير سياستنا في ما يتعلق بحظر استخدام نظام الصواريخ التكتيكية للجيش أو الضربات طويلة المدى داخل روسيا". والمقصود بذلك رفض الأميركيين استخدام القوات الأوكرانية صواريخ "أتاكمز" الأميركية لشن ضربات بعيدة المدى في العمق الروسي. 

ومع ذلك ثمة مؤشرات رجحت أن نطاق "الترخيص" الغربي من أجل ضرب العمق الروسي محدود جغرافياً ويمنع تجاوز المناطق الحدودية المستخدمة من روسيا لشن هجمات في العمق الأوكراني ومقاطعة خاركيف بذريعة إقامة منطقة عازلة، في مقابل عدم حصول رد روسي بمواجهة الغرب مباشرة. ومن اللافت أنه حتى قبل بدء السماح الغربي في ضرب العمق الروسي فقد تعرضت مدينة بيلغورود الروسية الحدودية لضربات براجمات "أر أم-70 فامبير" تشيكية الصنع، أسفرت عن سقوط قتلى بين المدنيين من دون استدعاء ذلك رداً روسياً حاسماً. أما الهجمات المتكررة على المصافي والمواقع العسكرية ومختلف المدن الروسية، بما فيها موسكو، فقد نفذتها أوكرانيا بمسيرات من إنتاجها من دون التسبب في إحراج للغرب. وبدا أن الضوء الأخضر الغربي لم يؤد حتى الآن إلى أي استخدام واسع النطاق لأسلحته في العمق الروسي، إذ ظلّت الحوادث من هذا النوع فردية، ومنها على سبيل المثال استخدام صواريخ "هيمارس" الأميركية عالية الدقة لضرب منظومات صواريخ "إس-300" و"إس-400" للدفاع الجوي في مقاطعة بيلغورود على بعد نحو 60 كيلومتراً من خط الجبهة الحالي في مقاطعة خاركيف في مطلع شهر يونيو/ حزيران الحالي.


لم يستبعد إيغور سيميفولوس احتمال تفاوض أوكرانيا وروسيا بحلول الخريف المقبل

ولم يكن سماح الولايات المتحدة لأوكرانيا في ضرب العمق الروسي بالأسلحة الأميركية الوحيد من المعسكر الغربي، فأمس الخميس، كرر المستشار الألماني أولاف شولتز موقف بلاده بالسماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة ألمانية من أجل ضرب العمق الروسي "وفقاً للالتزامات القانونية الدولية". وأضاف شولتز في كلمة أمام البوندستاغ (البرلمان)، أن "الاستخدام ينطبق على الهجمات مثل تلك التي حصلت في خاركيف"، في إشارة إلى تطابق مع الأميركيين بشأن الاستخدام المحدود للأسلحة الغربية في مسألة ضرب العمق الروسي من الجيش الأوكراني. وسبق لشتيفن هيبستريت، المتحدث باسم شولتز، أن أوضح في 31 مايو الماضي، أن "برلين منحت كييف الضوء الأخضر لاستخدام أسلحة ألمانية لضرب أهداف داخل روسيا"، مضيفاً في بيان أن "كييف لديها الحق بالدفاع عن نفسها بموجب القانون الدولي ضد الهجمات من مناطق داخل روسيا بالقرب من الحدود مع أوكرانيا". وإضافة للولايات المتحدة وألمانيا، كان وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون سبّاقاً بقوله، خلال زيارة لكييف في الثالث من مايو الماضي لوكالة رويترز، إن "أوكرانيا لها الحق في استخدام الأسلحة التي زودتها بها بريطانيا لضرب أهداف داخل روسيا"، وإن "الأمر متروك لكييف لتحديد ذلك".

نموذج أزمة الصواريخ الكوبية

وحول ذلك، رأى الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية قسطنطين بلوخين أن "التصعيد الحالي بين روسيا والغرب قد يشكل مقدمة للتهدئة، على غرار تلك التي حصلت في أعقاب أزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا" في عام 1962. وأضاف بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من البديهي أن روسيا والغرب يتجهان إلى مستوى جديد من التصعيد بعد تجاوز كافة الخطوط الحمر التي رسمتها موسكو، وصولاً إلى اتخاذ القرار السياسي بالسماح لأوكرانيا في ضرب العمق الروسي بالأسلحة الغربية". ومع ذلك، أقر بلوخين بأن "التصعيد الحالي لن يترجم بالضرورة بمواجهة مفتوحة بين روسيا والغرب"، مضيفاً أن "موسكو قد تضطر لقبول تحدي التصعيد ومواجهة الأزمات بهدف خفض عتبتها في ما بعد"، مستشهداً بتجربة جلوس الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات بعد أزمة الصواريخ الكوبية. ونشبت الأزمة بعد بدء الاتحاد السوفييتي في إرسال صواريخ بالستية إلى كوبا في خريف 1962، رداً على نشر حلف الأطلسي صواريخ أميركية في تركيا، ولم يتم احتواؤها إلا بعد موافقة الزعيم السوفييتي آنذاك نيكيتا خروتشوف على سحب الصواريخ من كوبا في مقابل سحب الصواريخ الأميركية من تركيا.

بدوره، توقع الباحث الأكاديمي الأوكراني إيغور سيميفولوس أن "يساعد السماح الغربي في ضرب العمق الروسي بلاده في زيادة كلفة الحرب على روسيا ووقف تقدمها، ولكن من دون تغيير الوضع استراتيجياً". وأبدى سيميفولوس في حديثٍ مع "العربي الجديد"، اعتقاده بأن "السماح في ضرب العمق الروسي سيشكل دعماً هاماً لأوكرانيا من جهة منع تمركز القوات الروسية في المناطق الحدودية، وهو ما سيفاقم الصعوبات اللوجستية وكلفة الحرب على روسيا وسيظهر عجزها عن تحقيق أهدافها".


قسطنطين بلوخين: التصعيد الحالي بين روسيا والغرب قد يشكل مقدمة للتهدئة

ومع ذلك، أقرّ بأن "الضوء الأخضر الغربي لن يقلب موازين القوى لصالح أوكرانيا"، مضيفاً أن "ثمة إجماعاً على أن الحرب في أوكرانيا تحولت إلى حرب استنزاف لا يستطيع أي من طرفيها حسم الوضع لصالحه على المستوى الاستراتيجي، ولكنه قد يصبح ممكناً تعطيل تقدم روسيا في مقاطعتي خاركيف ودونيتسك". ولم يستبعد سيميفولوس "احتمال أن تقبل أوكرانيا بالتفاوض مع روسيا بحلول الخريف المقبل، رغم تمسكها رسمياً بشرط العودة إلى حدود عام 1991، أي استرداد كافة الأراضي التي خسرتها، بما فيها شبه جزيرة القرم".

ضرب المناطق الروسية الحدودية

في موسكو، رأى الصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المتحدر من دونيتسك ألكسندر تشالينكو أن "استخدام الأسلحة الغربية سيقتصر على المناطق الحدودية من دون ضرب المراكز الحيوية مثل موسكو، خشية من الترسانة النووية الروسية". وقال في حديث لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن القادة الغربيين أغبياء إلى حد أنهم سيسمحون لأوكرانيا بقصف الكرملين أو المواقع الحيوية لشل الحياة في موسكو، وهو ما قد تعتبره روسيا تهديداً لوجودها كدولة وتلجأ إلى استخدام السلاح النووي التكتيكي كورقتها الأخيرة". وحول رؤيته للهدف من القرار الغربي، اعتبر تشالينكو أن "كييف ورعاتها الغربيون يسعون لمنع تقدم القوات الروسية في مقاطعة خاركيف، عبر ضرب أراض متاخمة للجبهة لقطع الإمدادات عن الوحدات الروسية في ساحة المعركة". وحول نوعية الرد الروسي على التصعيد الأخير، قال تشالينكو: "سبق لأوكرانيا استخدام راجمات فامبير التشيكية لقصف بيلغورود من دون أن يلي ذلك أي رد روسي حاسم، ولا أعتقد أن روسيا قد تقصف بولندا أو أي بلد عضو في حلف الأطلسي، ولكنها قد تتجه إلى إنماء التعاون مع كوريا الشمالية أو دعم الحوثيين في اليمن لإشغال الغرب عن أوكرانيا".

وفي موازاة التصعيد الأخير حول أوكرانيا وتراجع الآمال في حل سياسي للأزمة، اعترف مدير مركز الأمن الدولي بمعهد الاقتصاد الدولي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية أليكسي أرباتوف أن "مفاوضات التسوية بين روسيا وأوكرانيا غير واقعية حالياً"، مشدّداً في الوقت نفسه على ضرورتها "من وجهة نظر الآفاق التاريخية". وقال أرباتوف في حوار مع صحيفة "إر بي كا" الروسية: "البديل الوحيد لمفاوضات السلام هو تصاعد الضربات من جهتي الجغرافيا وقوة الوسائل المستخدمة، وصولاً إلى تبادل ضربات نووية مكثفة. سيؤدي ذلك إلى هلاك الحضارة الحالية وإبادة ملايين الأشخاص وتدمير كل ما بني خلال آخر ألف عام في نصف الكرة الأرضية الشمالي". وأضاف: "أعتقد أن هذا الاحتمال لا يثير إعجاب أحد. في حال وقوع مثل هذا المكروه، على الأرجح لن يتذكر الناجون القلائل سبب الكارثة النووية العالمية". ونصّت العقيدة العسكرية الروسية على استخدام السلاح النووي في حالتين اثنتين فقط، أولاهما في حال تعرض روسيا أو حلفائها للهجوم بالسلاح النووي أو غيره من أسلحة الدمار الشامل، والثانية عند تعرض روسيا لهجوم بأسلحة تقليدية في حال كان يهدد وجودها كدولة.