ضغوط إسرائيلية تحبط صفقات أسلحة للعراق

28 أكتوبر 2024
الجيش العراقي خلال مراسم بقاعدة عين الأسد، 29 فبراير 2024 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

قالت ثلاثة مصادر عراقية في بغداد، أحدها مسؤول بوزارة الدفاع، لـ"العربي الجديد"، إن إسرائيل مارست خلال الأسابيع الماضية ضغوطاً وتدخلات واسعة في دول آسيوية وأوروبية، لعرقلة إتمام صفقات وعقود أسلحة للعراق شملت منظومات صواريخ أرض- جو ومنظومات استشعار مبكر ومعدات عسكرية مختلفة، كان أبرزها مع الجانب الفرنسي. وكانت وزارة الدفاع العراقية قد قدّمت في يوليو/تموز الماضي توصية جديدة للحكومة بشأن تطوير قدرات العراق في الرصد والتصدي، مع ارتفاع مؤشرات دخول البلاد ضمن خريطة العدوان الإسرائيلي المتواصل في المنطقة. جاء ذلك خصوصاً بعد تبني فصائل مسلحة في العراق استهداف مواقع للاحتلال في أم الرشراش (إيلات) فضلاً عن ضرب مواقع وقواعد أميركية في سورية والعراق، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال، كان آخرها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي، إذ قتل جنديان إسرائيليان وأصيب أكثر من 20 آخرين بانفجار طائرة مسيّرة استهدفت قاعدة عسكرية شمالي الجولان السوري المحتل.

العراق في دائرة التصعيد

بعد أسابيع قليلة من اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، كشفت وثيقة صادرة عن رئاسة أركان الجيش العراقي عن توجيهات عاجلة لوحدات وتشكيلات القوات العراقية المشتركة، طالبتها بالتهيؤ بسبب "الأحداث الإقليمية". واشتملت الوثيقة على "تهيئة المقرات البديلة وتفعيلها وتأمين الاتصالات، وتأمين مستودعات مخازن العتاد والأسلحة، والتجهيزات". كما تضمنت "قيام قيادتي القوة الجوية وطيران الجيش بنشر الطائرات بجميع أنواعها إلى القواعد الجوية وتأمين الحماية اللازمة لها، بما لا يتعارض مع الواجبات التي تكلف بها مستقبلاً". وخلال العام الحالي رصد العراق في موازنته المالية أكثر من 2.4 مليار دولار قيمة أسلحة للعراق ومنظومات دفاع جوي، وافق عليها البرلمان ضمن موازنة العراق الاتحادية، فيما منح وزارة الدفاع صلاحية التعاقد مع الدول لشراء أسلحة للعراق وفقاً لمعايير التنافس مع ترسانة الأسلحة الموجودة بالمنطقة. غير أنه لغاية الآن ورغم تبقي شهرين على نهاية العام 2024، بقي العراق دون تحقيق أي صفقات مهمة في قطاع الدفاع والتسليح الجوي بهذا الإطار، رغم الاستعجال الواضح لدى المؤسسة العسكرية العراقية للحصول على منظومات الدفاع الجوي على وجه التحديد.

إحدى الدول الأوروبية عرضت تقنيات دفاع جوي يمكن اختراقها بسهولة والعراق رفضها بالمطلق

وتحدثت "العربي الجديد" مع مسؤول بوزارة الدفاع ونائبين في البرلمان أحدهم ينتمي إلى الائتلاف الحاكم (الإطار التنسيقي)، وقد أكدوا أن هناك معلومات توفرت للعراق بشأن ممارسة إسرائيل نفوذها في دوائر صنع القرار بدول عدة سبق للعراق أن تحرك نحوها لعقد صفقات تسليح، اشتملت على أسلحة للعراق من بينها منظومات دفاع جوي وصواريخ أرض-جو، ومنظومات رادار واستشعار مبكر، وأخرى متصلة بمنظومات مقاومة الطائرات المُسيّرة. وقال المسؤول العسكري العراقي إنه "بسبب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، لا سيما في جانب التسليح، اتجه العراق خلال الفترة الأخيرة إلى ست دول أوروبية وآسيوية للحصول على ترسانة عسكرية للدفاع الجوي". لكنه استدرك أنه "رغم حفاوة الترحيب والإعراب عن الموافقة المبدئية، تواجه الإجراءات التنفيذية الخاصة بالاتفاق والتوقيع مماطلة، وأخيراً اعتذاراً عن عدم القدرة على تجهيز العراق باحتياجاته في الفترة الحالية". وأكد أن العراق توصل إلى "معلومات حول ضغوط صهيونية، وعلى مستويات مختلفة، داخل الدول التي تحرك العراق باتجاهها، لعرقلة حصولنا على السلاح ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة"، مشيراً إلى أن "إحدى الدول الأوروبية عرضت في وقت سابق من العام الحالي، تقنيات دفاع جوي غير متطورة تعود لفترة التسعينيات، يمكن اختراقها بسهولة، والعراق رفضها بالمطلق".

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدأ العراق مفاوضات رسمية مع الجانب الفرنسي للحصول على منظومات متطورة للدفاع الجوي والرادار. وتم عقد ثلاثة اجتماعات بين المسؤولين من البلدين، لكن من دون نتائج، رغم تعهدات سابقة قدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالمساعدة في تطوير قدرات العراق الذي لجأ إلى فرنسا بسبب العقوبات الأميركية على روسيا والصين. عضو تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق، والنائب في البرلمان، معين الكاظمي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الكيان الصهيوني مارس عمليات ضغط خلال الأشهر الماضية، لمنع امتلاك العراق منظومة الدفاع الجوي المتطورة، ونعتبر أن الولايات المتحدة شريكة له في هذا السياق". وأضاف أن هناك "محاولة لجعل الأجواء العراقية مفتوحة للعدوان، لكن الحكومة العراقية تتقدم في هذا الملف، والمرحلة المقبلة قد تشهد وصول ما اتفق عليه العراق مع شركات تسليح دولية، خصوصاً من كوريا الجنوبية". 

أسلحة للعراق من كوريا الجنوبية

كشفت قيادة الجيش العراقي، في سبتمبر/أيلول الماضي، تفاصيل صفقة لشراء منظومة دفاع جوي من كوريا الجنوبية. وقال قائد الدفاع الجوي العراقي مهند غالب الأسدي، في ذلك الوقت، إن منظومة صواريخ أرض-جو متوسطة المدى نوع "أم-سام" (M-SAM) المتعاقد عليها أخيراً هي منظومة متقدمة جداً، مشيراً إلى أن العراق توصل إلى "اتفاق بناء مع شركة إيلاجي الكورية وحكومة جمهورية كوريا الجنوبية لشراء عدد منها، لحماية الأجواء العراقية". وأضاف الأسدي، في تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) حينها، أنه "من المقرر وصول هذه البطاريات إلى العراق تباعاً على مدى السنوات المقبلة". وأشار الأسدي إلى أن أول بطارية صواريخ ستصل العام المقبل ليبدأ تدريب الكوادر العراقية القتالية والفنية من مهندسين وفنيين عليها، في الشهر الرابع أو السادس من السنة المقبلة بكوريا الجنوبية. وأوضح أن "الكادر المتخصص بتلك البطاريات سيكون عراقياً، أي أن استعمال التعبئة والاستخدام التعبوي للبطاريات والكادر الهندسي هو فني عراقي، وستستمر فترة تدريبهم 4-8 أشهر حسب كل اختصاص". وأكد أن "هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها إلى العراق منظومة بطاريات جاهزة لتدخل مسرح العمليات وتدافع عن العراق وأجوائه". 

مساعي شراء أنظمة دفاع جوي من دول أوروبية وصلت إلى طريق مسدود

وبشأن توريد أسلحة للعراق أوضح نائب عراقي طلب عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أن "الدول الرئيسة المستهدفة بشراء منظومات الدفاع الجوي، وهي فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وصلت المساعي معها إلى طريق مسدود رغم وجود تفاهمات منذ العام الماضي حول التعاون في مجال التسليح". وأضاف أن "كوريا الجنوبية ستزود العراق بمنظومات دفاع جوي، لكنها ورغم استعجال العراق، لن تسلمه الجزء الأول من الصفقة إلا في العام المقبل، وهي منظومات غير متطورة مقارنة بالموجودة في دول المنطقة". من جهته اتهم عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان، وعد القدو، الولايات المتحدة الأميركية "بمنع استيراد بعض الصواريخ المضادة للطائرات، وهو ما يشكل عائقاً كبيراً أمام العراق"، مضيفاً وفق تصريح أوردته صحيفة العالم الجديد العراقية، الخميس الماضي، أن "المعوّق الأول هو الولايات المتحدة الأميركية" في ملف تسليح العراق.

اللواء الركن المتقاعد وخبير الشؤون العسكرية العراقية، عماد علو، قال إن "إسرائيل تقف بكل تأكيد وراء عدم امتلاك العراق لأية صواريخ أرض-جو، من خلال المحددات التي وضعتها الولايات المتحدة بشأن المؤسسة العسكرية العراقية، سواء صواريخ أرض-أرض، أو الدفاع الجوي أرض-جو". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة أخذت على عاتقها عدم تطوير قدرات الجيش العراقي بعد عام 2003، لمنع أي تهديدات للكيان الصهيوني، بالتالي فإن الولايات المتحدة هي التي تتحكم بقدرات دول المنطقة التسليحية"، من بينها توريد أسلحة للعراق. وأضاف أن "بعض دول الجوار، ومن ضمنها الكويت والسعودية وإيران، تعارض تسليح الجيش العراقي، خصوصاً في مجال القدرة الجوية". وإثر الغزو الأميركي للعراق عام 2003، جرى حلّ سلاح الصواريخ ومنظومة الدفاع الجوي كباقي تشكيلات الجيش العراقي، واستحدثت بدلاً منها منظومة أخرى على أنقاض القديمة، بعد تزويدها بأنظمة تُوصف بأنها محدودة القدرات، مثل هوك وأفينجر ورادارات قريبة المدى.

(شارك بالتقرير من بغداد: محمد علي)

المساهمون